اكتشاف نفطي جديد بتركيا.. كيف يسهم في تخفيض الاعتماد على الطاقة المستوردة؟
إسطنبول- “واحد من بين أكبر 10 اكتشافات في العالم للخام في البر خلال 2022″، بهذه العبارة أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن اكتشاف حقل نفطي جديد في جنوب شرقي البلاد يتضمن احتياطيا يقدر بـ150 مليون برميل ذي جودة عالية، وتقدر قيمته بـ12 مليار دولار تقريبا.
وأوضح أردوغان، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس الوزراء في أنقرة، أن ولاية شرناق التي يوجد فيها جبل غابار حيث عثر على الاحتياطي الجديد، تضم بالفعل 4 آبار نفطية تنتج في الوقت الحالي 5 آلاف برميل من النفط يوميا.
ولفت إلى أن عام 2022 شهد أيضا اكتشاف احتياطي نفطي آخر يقدر بـ8 ملايين برميل في منطقة تشوكور أوفا، في إطار عمليات البحث والتنقيب التي نفذت في نفس العام.
وفي المجمل، تنتج تركيا نحو 65 ألف برميل نفط يوميا، وأكد الرئيس التركي أنهم يهدفون لزيادة هذا الرقم إلى 100 ألف خلال عام 2023 الموافق للذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية.
وفي بلد لا يمتلك الكثير من الثروات الأحفورية، تعول الحكومة التركية على الاكتشافات المحققة مؤخرا من الغاز والنفط لدعم الاقتصاد الوطني وخفض فاتورة الطاقة المستوردة من الخارج التي تثقل كاهل الميزان التجاري، وتسهم في ارتفاع معدلات التضخم.
الاحتياطي القابل للإنتاج
مليح هان بيلغين، المدير العام لشركة البترول التركية (TPAO)، وهي الشركة الحكومية التي تشرف على عمليات البحث والتنقيب، أكد أن الاكتشاف الجديد هو تطوير لما هو موجود سابقا في منطقة جبل غابار، وجاء كجزء من أنشطة تطوير الحقول القائمة بالفعل.
وأضاف بيلغين، في تصريحات نقلتها الصحافة التركية، أن المنطقة بشكل عام تضم احتياطيا مهما للغاية يمكن إنتاجه هناك، ولفت إلى أن المنطقة تضم نوعين من الاحتياطيات: الأول هو الإجمالي ويشمل ما هو موجود في الموقع من غاز أو نفط، والثاني ما هو قابل للإنتاج.
وأكد أن المقدار المعلن عنه المهم هو الاحتياطي القابل للإنتاج فقط، ما يعني أن المزيد من الكميات يمكن أن تضاف إلى الاحتياطي المكتشف لاحقا.
وأشار المسؤول التركي إلى أن الاحتياطي المكتشف حديثا يعد أعلى جودة من كميته، مؤكدا أن النفط المنتج بالفعل هناك يساوي 35 على مقياس معهد البترول الأميركي من ناحية جودته.
وحول القيمة الاقتصادية للنشاط التجاري المرتبط باستخراج النفط من الحقل الجديد، ذكر بيلغين أنها تعادل 400 ألف دولار في اليوم، حسب سعر النفط حاليا.
سد الاحتياج المحلي
من جهته، رأى رئيس مجلس إدارة قطاع الطاقة والبيئة في تجمع موصياد، ألتوغ كاراتاش، أنه “سيكون نقطة تحول تاريخية لنفطنا أن يغطي إنتاجه أكثر من 10% من الاستهلاك المحلي”.
وأوضح كاراتاش أنه إذا تمت زيادة معدل إنتاج النفط في تركيا، والذي تتراوح قدرته على سد الاحتياج المحلي حاليا ما بين 5 إلى 7% أي قرابة 65 ألف برميل يوميا، إلى أعلى من ذلك، فقد تتمكن البلاد من تغطية الاستهلاك المحلي الحالي بما يتراوح بين 10 إلى 14%.
وكثفت تركيا استكشافاتها البرية ضمن حملة بدأتها قبل 5 سنوات في إطار سياستها الوطنية للطاقة والتعدين، ما أدى إلى مضاعفة إنتاجها من النفط في الوقت الحالي، مقارنة بما قبل الحملة، بحسب المسؤول في موصياد، مؤكدا أن هناك إمكانية لمضاعفة ما هو متاح حاليا.
وقال كاراتاش إن “أي اكتشاف جديد في أي نقطة من البلاد سيؤدي إلى تقليل اعتمادنا على الخارج، كما أنه سيقلل من عجز الحساب الجاري لدينا، وسيؤدي ذلك أيضًا إلى زيادة التوظيف بالتزامن مع نمو قطاع الطاقة”.
أين وصلت تركيا في إنتاج النفط والغاز؟
كانت حقول النفط التركية البرية تتمركز حتى العام الماضي في منطقة جنوب شرقي البلاد قرب الحدود مع العراق وسوريا، وتحديدا في ولايتي شرناق وباطمان، ولكن شهد العام الماضي الإعلان عن اكتشافات جديدة في كل من ولايتي سيرت وديار بكر في نفس المنطقة، وأيضا في ولاية أضنة الواقعة جنوب البلاد بالقرب من البحر الأبيض المتوسط.
وكانت أول بئر بترول بدأت الإنتاج في تركيا هي بئر رامان-8 بولاية باطمان، حيث بدأت أعمال الحفر به عام 1945 والإنتاج الفعلي في 1948. بينما بدأت أول أعمال تنقيب عن الغاز الطبيعي عام 1970.
وبلغ إجمالي احتياطي تركيا من النفط بشكل عام بعد الإعلان عن الاكتشاف الجديد في جبل غابار نحو 180 مليون برميل، تستخرج منهم حاليا حوالي 65 ألف برميل يوميا بحسب تصريحات المسؤولين، أي ما يعادل 780 ألف برميل سنويا، فيما تستورد البلاد ما يزيد على 360 مليون برميل نفط سنويا.
أما على صعيد الغاز، فقد وصل حجم احتياجات تركيا من الغاز سنويا إلى 45 مليار متر مكعب في عام 2020، وبينما كانت البلاد تنتج محليا نحو 1% من هذا الرقم في نفس العام، فإن اكتشافات حقول الغاز الجديدة التي أعلن عنها في السنوات الأخيرة في كل من تراقيا والبحر الأسود دفعت المسؤولين لتوقع أن يصل الإنتاج المحلي إلى ما يعادل 30% من الاحتياج المحلي.
وأعلنت الحكومة التركية في 2020 اكتشاف احتياطي بلغ 540 مليار متر مكعب في المياه الاقتصادية التابعة لتركيا في البحر الأسود، وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز أخيرا أن الغاز المكتشف في حقل صقاريا سيدخل مرحلة الضخ في الربع الأول من 2023.
وكان الباحث الاقتصادي التركي يلماز أوزتورك ذكر للجزيرة نت أنه مع بدء الإنتاج المقرر في مارس/آذار المقبل، حسب الحكومة التركية، فإن 30% من احتياجات الغاز المحلية ستلبّى مع توفير نحو 4 مليارات دولار على الخزينة التركية.
وتستورد تركيا الغاز الطبيعي من روسيا عبر خط السيل التركي ومن أذربيجان عبر خط تاناب، بالإضافة إلى الغاز المسال من عدة دول منها النرويج والولايات المتحدة وقطر والجزائر.