الاخبار العاجلةسياسة

يقضي على 26 ألف شخص سنويا وخسائره تبلغ 11 مليار دولار.. التلوّث في إيران يصل مستويات خطيرة

طهران – “على النقيض من العقود الماضية، دأبت طهران على استقبال فصل الشتاء تحت سحب الدخان، حيث لا ثلوج تغطي الجبال المطلة عليها من الجهة الشمالية، ولا سيول تجرف الأراضي الزراعية الواقعة جنوبها”، هكذا يصف الحاج عبد الله (65 عاما) معاناته مع التلوث الجوي الذي يضرب العاصمة الإيرانية منذ أكثر من أسبوع.

ويوضح عبد الله للجزيرة نت أن تلوث الهواء يدخل زوجته التي تعاني داءً في جهازها التنفسي، إلى المستشفى عدة مرات خلال العام. ويتحدث الرجل عن معاناة متصاعدة وخاصة مع تزايد مؤشرات تلوث الجو في إيران منذ أعوام وتجاوزها النسب المسموح بها عالميا في بعض الأحيان.

وتتلقى أقسام الطوارئ في أغلب مستشفيات العاصمة طهران ومدينة كرج -الواقعة غربها- هذه الأيام أعدادا كبيرة ممن يشعرون بضيق التنفس جرّاء بلوغ نسبة تلوث الهواء مستويات خطيرة على الصحة، حيث أعلنت منظمة الإسعاف في مدينة كرج عن زيادة بنسبة 20% في أعداد مرضى الجهاز التنفسي خلال الأيام الأخيرة.

ولم يعد التلوث الجوي جديدا على العاصمة الإيرانية التي تحتضن نحو 10 ملایین نسمة، إلا أن نسبة الجزئيات الدقيقة في الجو تراوحت خلال الأسبوع الأخير بین 130 و200 ميكروغرام للمتر المكعب، وفق صحيفة “شرق”، وتفوق هذه النسبة بكثير المعدل الذي تعده منظمة الصحة العالمية أقصى حد مسموح به قبل توصيفه بالمشكلة.

GettyImages 1245519128
معدلات التلوث في طهران وغيرها من المدن الإيرانية فاقت الحدود المسموح بها عالميا (الأناضول)

إجراءات وقائية

وقد أدى التلوث الجوي خلال العام الجاري إلى إغلاق المدارس وتقييد حركة المرور والنشاط الصناعي في طهران ومدينة كرج، كما أوصت شركة مراقبة جودة الهواء في طهران كبار السن والأطفال ومرضى القلب والرئة بعدم الخروج من المنازل بسبب وصول مستوى التلوث إلى درجة الخطر، وأصدرت تحذيرا باللون البرتقالي منذ الثلاثاء الماضي.

ولم يقتصر التلوث الجوي على العاصمة طهران، بل تجاوزها ليصل إلى عدد آخر من كبرى المدن الإيرانية مثل كرج (غرب طهران) وتبريز (شمالي غربي البلاد) وقم (جنوب العاصمة) وأصفهان وأراك (وسط البلاد) ومشهد (شمال شرق).

ورسميا، أعلن رئيس لجنة النقل والإعمار في مجلس بلدية طهران جعفر تشكري هاشمي أن بلاده تحل في المرتبة 24 في قائمة الدول الأكثر تلوثا في العالم، في حين أن عاصمتها تحتل المركز 21 بين العواصم الملوثة، مؤكدا أن التلوث الجوي يقضي على أرواح 26 ألف شخص من بين مجموع الوفيات السنوية في الجمهورية الإسلامية. غير أن تقارير إعلامية تشير إلى أن طهران تحتل مرتبة متقدمة جدا بين الدول الأكثر تلوثا في العالم.

اقرأ ايضاً
إزالة 15 مليون محتوى وإغلاق 6824 قناة متطرفة في 2022

خسائر ونفقات

وتفرض ظاهرة التلوث الجوي، وفق هاشمي، تكاليف باهظة على مستوى البلاد، حيث يستنزف ضحاياها نظام الرعاية الصحية في العاصمة طهران -دون غيرها من المدن الإيرانية- ويكلفها أكثر من 3 مليارات دولار سنويا.

وعلى الرغم من أن رئيس لجنة النقل والإعمار في مجلس بلدية طهران لم يشر إلى التكاليف التي تتكبدها الدولة بسبب ظاهرة تلوث الجو، فإن رئيس إدارة صحة الهواء والتغير المناخي بوزارة الصحة الإيرانية عباس شاهسوني يقدر الخسائر المنسوبة إلى تلوث الهواء بحدود 8.2 مليارات دولار سنويا.

وعلى وقع ارتفاع عدد أيام التلوث الشديد بنسبة 200% خلال عام، تواصل الخسائر التي تلحق بالاقتصاد الوطني جراء الأزمة ارتفاعها بدءا من قطاع الصحة والتعليم ثم السياحة فالزراعة، حيث تتكبد حقول تربية النحل خسائر كبيرة بسبب تلوث الهواء.

في غضون ذلك، قدّرت رئيسة لجنة البيئة في البرلمان الإيراني سمية رفيعي الأضرار الاقتصادية بأنها تتراوح بين 7 و11 مليار دولار سنويا.

GettyImages 1245519182
تُقدر أعداد الوفيات بسبب التلوث الجوي في إيران بنحو 26 ألفا سنويا (الأناضول)

الانقلاب الحراري

أما المتهم الرئيسي في التلوث الجوي في فصل الشتاء بإيران فهو “ظاهرة الانقلاب الحراري” التي تحدث عندما تصبح طبقة من الهواء الساخن على تماس مباشر مع أخرى من الهواء البارد على مقربة من سطح الأرض، وفق الناشط البيئي رضا شريبي.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول شريبي إن طبقة الهواء البارد في الانقلاب الحراري تمنع الجو الملوث من التبدد، مما يرفع كثافة الجزئيات الدقيقة السامة إلى مستويات مرتفعة، مؤكدا أن إحاطة العاصمة طهران بسلاسل جبلية من جهتي الشمال والشرق، وتمركز عدد كبير جدا من المصانع غربها، إلى جانب الكثافة السكانية فيها، ساهمت إلى حد بعيد في استفحال الظاهرة.

ولدى إشارته إلى قلة الأمطار هذا العام، بيّن الناشط البيئي أن حرق المازوت (زيت التدفئة) يزيد الطين بلة لدى حدوث الانقلاب الحراري، مستدركا أن بلاده تضطر إلى حرق هذا الوقود في فصلي الخريف والشتاء بسبب نقص الغاز الناجم عن تفاقم الاستهلاك المنزلي.

وأطلقت إيران مشاريع لتخفيف التلوث الجوي -وفق شريبي- منها حظر استخدام المركبات المتهالكة، وإقفال المناجم ومعامل إنتاج الإسمنت، ونقل المصانع إلى خارج المدن، إلا أنها فشلت حتى الآن في الحد من الظاهرة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى