الاخبار العاجلةسياسة

قلق من صعود برلمان ذكوري.. انتقادات للتضارب بين دستور قيس سعيّد وقانونه الانتخابي

تونس- بعد إعلان حصيلة الترشيحات للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في تونس يوم 17 ديسمبر/كانون الأول القادم، يفسّر مراقبون التراجع الحاصل في عدد المترشّحين، خصوصا لدى النساء، بوجود تضارب وتناقض بين الدستور الذي صاغه الرئيس قيس سعيد وبين قانونه الانتخابي المعدّل.

وبعدما كان عدد القوائم الحزبية والمستقلة المترشحة للانتخابات التشريعية عام 2019 أكثر من 1500 قائمة، تراجعت الترشيحات حاليا على مستوى الأفراد إلى 1427 مترشّحا لا تتعدى نسبة النساء بينهم 15%، رغم أن “دستور سعيد” نصّ على مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين.

جانب من تقديم مطالب الترشح للانتخابات التشريعية/مقر فرعي لهيئة الانتخابات/العاصمة تونس/أكتوبر/تشرين الأول 2022
تراجع نسب إقبال النساء على الترشّح رغم نص قانون الانتخابات على تكافؤ الفرص بين الجنسين (مواقع إلكترونية)

قانون غير دستوري

تقول الناشطة النسوية وأستاذة القانون الدستوري حفيظة شقير إن القانون الانتخابي الذي عدّله الرئيس سعيد بمرسومه رقم 55 “غير دستوري” مؤكدة أنه يتضمن خروقات دستورية عديدة، ويتناقض حتى مع الدستور الجديد الذي صاغه الرئيس بنفسه.

وتؤكد شقير -للجزيرة نت- أن قانون الانتخابات، الذي ركز نظام الاقتراع فيه على الأفراد وألغى نظام القوائم الحزبية والمستقلة- لا ينصف النساء ولا الشباب ولا الفئات ذات الاحتياجات الخاصة، على عكس ما جاء في الفصل رقم 51 من دستور سعيد الذي صاغه بشكل انفرادي، كما تقول.

وينصّ الفصل 51 من الدستور الجديد -الذي ختمه الرئيس نهاية يونيو/حزيران الماضي- على أن “تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها، وأن تضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات”.

ويتضمن هذا الفصل بندا يحمّل الدولة مسؤولية تحقيق التناصف بين الرجل والمرأة بالمجالس المنتخبة، إضافة إلى عملها على اتخاذ كل التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة. لكن الناشطة النسوية تقول إن هذا الفصل ضُرب به عرض الحائط لأن قانون الانتخابات لم يُفعّله.

وتقول شقير إن الرئيس خرق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين لأنه ألغى آلية التناصف بين الجنسين عند الترشح للانتخابات، كما كان بانتخابات 2011 و2014 و2019، منتقدة ما كرسه بدستوره من بنود تدعم المرأة “بينما سحب البسط من تحت أقدامها بقانون ظالم”.

وليس هذا فحسب -تضيف أستاذة القانون الدستوري- أن قانون الانتخابات أزاح بجرة قلم أصحاب الجنسيات المزدوجة من الترشح للانتخابات دون أي مبرر، وهذا تضارب صارخ مع ما نصّ عليه سعيد بدستوره الذي يلقي على عاتق الدولة مسؤولية تكريس مبدأ المساواة وضمان الحقوق المدنية.

برلمان ذكوري

بدورها، تقول رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة راضية جربي إن قانون الانتخابات غير دستوري لأنه يتناقض صراحة مع الدستور الذي وضعه سعيد بنفسه، مضيفة أنه “لم يحترم لا مبدأ التناصف بين الجنسين ولا مبدأ تمثيلية الشباب ولا الفئات الهشة”.

وتوضح جربي -للجزيرة نت- أن سعيد لم يُبقِ على مبدأ التناصف بين الجنسين عند الترشح للمجالس المنتخبة إلا بالانتخابات البلدية والجهوية، بينما ألغاه تماما بالانتخابات التشريعية. وبرأيها فإن توجه الرئيس هذا يزيد في تعميق معضلة تهميش المرأة واستبعادها عن مراكز صنع القرار.

اقرأ ايضاً
الملك سلمان يلقي الخطاب السنوي لمجلس الشورى الأربعاء

وفي حين نصّ دستور سعيّد في باب الحريات على المساواة بين المواطنين وعلى ضمان حقوقهم المدنية والسياسية، رجح قانون الانتخابات كفة الرجال -كما تقول جربي- موضحة أن حرمان المترشح من تمويل حملته الانتخابية من قبل الدولة يقلص حظوظ النساء بحكم وضعهن الصعب.

وتقول أيضا إن قانون الانتخابات وضع عراقيل لا مبرر لها سوى الحد من حق الترشح، وفتح المجال أمام ترشح أصحاب الجاه والأموال والنفوذ والقرابات العائلية والعشائرية، مؤكدة أن النساء في تونس يعانين من الفقر والبطالة والاستغلال الاقتصادي والإقصاء من مراكز القرار.

وتضيف جربي “بكل مرارة يمكن القول إن البرلمان المقبل سيكون ذكوريا” مشيرة إلى أن قانون الانتخابات ضرب مبادئ جوهرية تتعلق بالعدالة بين المترشحين للانتخابات وبمبدأ التكافؤ وصحة التمثيل الانتخابي، وهذا لا يساهم في تنظيم انتخابات تسير وفق المبادئ الدستورية.

أصحاب النفوذ

من جهتها، ترى رئيسة شبكة “مراقبون” الناشطة بمجال الانتخابات رجاء الجبري أن التضارب بين مقتضيات الدستور والقانون الانتخابي “لا غبار عليه” مؤكدة أن الانتخابات التشريعية تسير وفق قانون انتخابات يشمل مخاطر عدة لا تُساهم في ضمان انتخابات شفافة ونزيهة وعادلة.

وبينما نص الدستور على ضمان الحق لكل مواطن ومواطنة في الترشح للانتخابات، وضع قانون الانتخابات شروطا تعجيزية بفرضه جمع 400 تزكية والمصادقة عليها بالبلديات وحرمان المرشحين من التمويل العمومي، وهو ما يفتح الباب أمام شراء الذمم من المترشحين الذين لديهم نفوذ وجاه.

وتقول الجبري “ألغى قانون الانتخابات التمويل العمومي أو المتأتي من الأحزاب وجعل تمويل الحملة الانتخابية ذاتيا” مضيفة “ومما لا شك فيه فإن هذا الاختيار ستكون له انعكاسات سلبية ملموسة على طبيعة المترشحين من خلال تعزيز حظوظ أصحاب المال والجاه”.

مقاطعة وانتقادات

وتقاطع الانتخابات أحزاب عدة لها وزن مؤثر، على غرار حركة النهضة صاحبة الأغلبية البرلمانية السابقة، وحتى خصمها “الحزب الدستوري الحر” وغيرهما من المشككين في مصداقيتها.

في المقابل، ترشح ممثلون عن أحزاب أخرى كحركة الشعب والحزب المنشق منها “التيار الشعبي” لخوض الانتخابات البرلمانية معتبرة أنها ضرورية.

وانتقدت الأحزاب الداعمة للرئيس مضمون القانون الانتخابي الجديد صراحة، لكنها مع ذلك تؤكد أن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قبل عام و4 أشهر هي السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد مما تعتبرها “عُشرية سوداء” أدت إلى “تخريب البلاد وتعفين الأوضاع” وفق وصفها.

وخلافا للقانون -الذي نظّم الانتخابات بعد الثورة- أقر قانون الانتخابات الجديد نظام الاقتراع على الأفراد بدورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وقلّص عدد النواب من 217 نائبا إلى 161 موزعين على 161 دائرة انتخابية ضيقة، بحساب نائب عن كل دائرة.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى