هل تعيد الصين «تصدير القلق» العالمي من «كورونا»؟
لا تهدد موجة «كوفيد – 19» المنتشرة في أنحاء الصين حالياً 1.5 مليار شخص يعيشون هناك فقط، لكن يمكن أن تشكل خطراً جسيماً على بقية العالم، وفق خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط».
وكما بدأت جائحة «كوفيد – 19» في سوق مدينة ووهان الصينية للحيوانات الحية، ثم انتقلت إلى بقية العالم، وفق دراستين نشرتا في يوليو (تموز) الماضي بمجلة «ساينس» العلمية، فإنه يخشى أن تكون المدن الصينية، التي تشهد، حالياً، انتقالاً كبيراً للفيروس، هي المصدر لمتحور جديد من الفيروس، يكون أكثر قابلية للانتقال من متحور «أوميكرون» الفرعي السائد عالمياً (BA.2) أو ربما سيكون لديه بعض القدرة على التهرب من الأجسام المضادة الطبيعية التي يسببها اللقاح، ويكون له صفات خطيرة.
ومتحور «أوميكرون» الفرعي (BA.2)، هو السائد عالمياً الآن، ولكن مع ارتفاع معدلات التطعيم، والإصابة الطبيعية الناتجة عن الإصابة بالفيروس، ما أسهم في تشكيل مناعة طبيعية، أصبح متوسط عدد حالات الإصابة والوفاة خلال عام 2022 عند أدنى مستوى لها في معظم أنحاء العالم، غير أن الوضع يبدو مختلفاً في الصين، والتي لم تتح سياسة «صفر كوفيد» التي نفذتها لسكانها تشكيل مناعة طبيعية ناتجة عن الإصابة، فضلاً عن معدلات التلقيح دون المستوى، وانخفاض جودة اللقاحات الصينية، مقارنة بالآخرين.
ويقول، كاليبادا باهان أستاذ الكيمياء الحيوية وعلم الأدوية بجامعة راش الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن أن تؤدي أزمة فيروس كورونا المستجد في الصين، إلى ظهور أسوأ متغيرات حتى الآن، تكون قادرة على تجاوز الحماية التي توفرها اللقاحات المختلفة، ولا تجدي معها معظم مضادات الفيروسات».
وتميل كل عدوى، لا يتم تحييدها بواسطة الأجسام المضادة، المنتجة بالعدوى الطبيعية أو اللقاحات إلى إنتاج طفرات، ومع وجود ملايين الأشخاص المصابين، وفق الحالة الصينية، ستكون لدينا الملايين من الطفرات التي قد تكون واحدة منها على الأقل ذات تأثير من ناحية العدوى الشديدة أو سرعة الانتقال، لذلك فإن الوضع في الصين مرشح لإنتاج طفرات خطيرة من الفيروس.
ويضيف باهان: «الآلية المعروفة لإبطاء معدل الطفرات تتمثل في تركيبات اللقاح المحدثة واستخدامها مع عدد كبير من السكان، لأن اللقاح الصيني أضعف بكثير من لقاحات مثل موديرنا أو فايزر، والعودة إلى استخدام الكمامات لوقف انتقال الفيروس».
والأمر المقلق، وفق شون ترولوف، عالم الفيروسات بكلية بلومبرج للصحة العامة بجامعة جونز هوبكنز، هو أن التجاوب الصيني مع التعاون العالمي في مجال مكافحة الفيروس، ضعيف للغاية.
وانتقدت السلطات الصينية في السابق اللقاحات الغربية، وكان ذلك على ما يبدو من أجل حماية سوق اللقاحات المصنوعة محلياً، ولكن الوضع الآن يفرض على الحكومة الصينية إعادة التفكير في هذا التوجه.
ويقول ترولوف: «كما تخلت الصين عن سياسة (صفر كوفيد) بعد تمسك طويل بها، وقررت اقتحام المعركة المؤجلة مع الفيروس، يجب أن تستعين في تلك المعركة بكل الأسلحة المتاحة، ومنها اللقاحات الحديثة، لأن هناك شكوكاً حول مدى الفاعلية طويلة الأمد التي توفرها لقاحات (سينوفاك) و(سينوفارم) المحلية الصينية».
وعرضت الولايات المتحدة الأميركية تقديم الدعم للصين عبر تزويدها باللقاحات الحديثة، كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، للصحافيين الثلاثاء الماضي، غير أن التعليق الصيني على هذا العرض الأميركي، حمل رفضاً ضمنياً، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ الأربعاء (الماضي) في إفادة صحافية روتينية، عندما سئلت عما إذا كانت الصين ستقبل عرض اللقاحات المقدم من الولايات المتحدة، إن إجمالي المتوافر من الأدوية واللقاحات ومجموعات الاختبار في الصين يمكن أن يلبي الطلب.
ويقول ترولوف: «نتمنى أن تدرك الصين أنها لا تعيش في العالم بمفردها، وأن ظهور متحورات خطيرة قد يعني أن التقدم الذي أحرزه العالم ضد (كوفيد – 19) منذ أن أصبحت اللقاحات متاحة على نطاق واسع في أواخر عام 2020 قد يتباطأ، إن لم ينعكس».
وكانت بعض الدول قد بدأت تستعد لهذا الخطر الذي يحتمل أن يتم تصديره من الصين، وأصدرت وزارة الصحة الفيدرالية الهندية تعليمات للسلطات الحكومية يوم الثلاثاء بتكثيف تسلسل الجينوم لحالات (كوفيد – 19) في ضوء «طفرة مفاجئة» في الحالات بالصين.
وقالت الوزارة في رسالة نشرت وكالة الصحافة الفرنسية تفاصيلها إنه «من الضروري تجهيز تسلسل الجينوم الكامل لعينات الحالات الإيجابية من أجل تتبع أي متغيرات جديدة».
وجاء في الرسالة أنه «في هذا السياق، يُطلب من جميع الولايات ضمان إرسال أكبر قدر ممكن من عينات جميع الحالات الإيجابية، على أساس يومي إلى مختبرات تسلسل الجينوم المحددة على المستوى الوطني».
ولا يبدو أن بكين ستلتفت كثيراً لهذه المخاوف، لأنها تدير الأزمة بشكل اقتصادي، كما يعتقد تامر سالم، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا.
ويقول سالم لـ«الشرق الأوسط»: «الطفرات ستظهر سواء حصل الناس على اللقاحات أم لا، لأن هناك رأياً معتبراً أيضاً، يذهب إلى أن الفيروس عندما تواجهه باللقاح، فهذا يضع عليه ضغطاً تطورياً يدفعه للتحور كي يتمكن من الوصول للعائل، ويفسر ذلك حالات كثيرة شاهدناها لكثير ممن حصلوا على اللقاحات، ولكن أصيبوا بالفيروس».
ويضيف: «الظاهر الآن أن أوروبا وأميركا تدفعان باتجاه حصول الصين على اللقاحات المحدثة، والصين تدير الأمر بشكل اقتصادي غير معلن، يوازن بين عدد الوفيات المتوقعة، والتكلفة الاقتصادية لأي إجراء ستأخذه، وقد يكون الإجراء الأمثل من وجهة نظر بكين هو التعامل مع الأزمة بالأدوية المضادة للفيروسات، والتي أصبحت متوافرة».