الاخبار العاجلةسياسة

بعد مصر والسعودية والإمارات.. هل يصل قطار التهدئة التركي إلى دمشق في 2023؟

إسطنبول – لم يكن عام 2022 عاديًّا في تركيا، فالمنافسة الانتخابية التي بدأت مبكرًا غيرت الكثير من مواقف الأحزاب السياسية ولم يكن حزب العدالة والتنمية استثناء، خاصة في مجال السياسة الخارجية التي شهدت نوعا من تصفير الأزمات مع دول عربية (مصر والسعودية والإمارات)، بينما ظلت العلاقات مع دمشق تراوح مكانها مع تزايد أزمة اللاجئين السوريين في تركيا.

وفي ظل تحول الملف السوري برمته إلى ورقة انتخابية بامتياز في الحياة السياسية التركية، بات التطبيع بين أنقرة والنظام السوري بندا رئيسيا على جدول أعمال الحزب، ولكن التطبيع الذي يتطلب رغبة مشتركة على جانبي الحدود تعترضه معوقات وخلافات عميقة، وينتظره حراك محموم في 2023، فهل تملك روسيا مفتاح الحل؟

رغبة تركية وشروط متبادلة

في أول إعلان رسمي لنوايا تركيا بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، دعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 11 أغسطس/آب الماضي إلى “تحقيق المصالحة بين النظام السوري والمعارضة بطريقة ما”. لكنه عاد وأكد أنه لم يستخدم عبارة “مصالحة” بين النظام السوري والمعارضة، بل قال “إنه يجب التوصل إلى تسوية للأزمة”.

وكشف الوزير التركي أنه أجرى “لقاء خاطفا” بنظيره السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز”، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، في أول اتصال دبلوماسي بين أنقرة ودمشق منذ 2011.

وتتالت التصريحات على لسان المسؤولين الأتراك التي كشفت عن رغبة لدى تركيا بالتطبيع، وبنقل الاتصالات الجارية حاليًّا بين الجانبين على مستوى الأجهزة الاستخبارية إلى مستويات أعلى.

وتناقلت تقارير إعلامية شروطا متبادلة بين الطرفين، حيث اشترطت أنقرة على دمشق المضي بجدية في مسار التسوية السياسية مع المعارضة، وتهيئة الأرضية لعودة اللاجئين، والتخلي عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية التي شددت على ضرورة انسحاب القوات التركية التي تعدّها “قوات احتلال” من الأراضي السورية، قبل البدء بأي حوار.

لقاء أردوغان مع الأسد

بينما واجهت الشروط المتبادلة طريقا مسدودا، انتقلت التصريحات، اعتبارا من سبتمبر/أيلول الماضي، إلى الحديث عن لقاء يضم الرئيس رجب طيب أردوغان برئيس النظام السوري بشار الأسد، وأكد الرئيس التركي تقدمه بهذا الاقتراح إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

وبينما أعرب الجانب التركي عن رغبة بعقد اللقاء قبل الانتخابات المقبلة، أثنى الأسد لأول مرة -حسب ما نقلت جريدة الأخبار اللبنانية- على الموقف التركي لكنه طالب بمواقف عملية. وانتهى العام بإعلان موسكو عن مؤتمر لمكافحة الإرهاب من المنتظر أن يجمع تركيا والنظام السوري على طاولة واحدة خلال 2023.

ويبدو أن إعلان رئيس مجلس الدوما (البرلمان الروسي) فياتشيسلاف فولودين خلال وجوده في أنقرة يوم 13 ديسمبر/كانون الثاني عن مشاركة كل من تركيا والنظام السوري في مؤتمر من المزمع عقده لمكافحة الإرهاب هو المدخل الذي سيفتح الباب أمام عقد لقاء بين أردوغان والأسد.

وإذ لم يعلن فولودين عن مستوى التمثيل في المؤتمر ولا توقيته، فإن المحللين يرجحون أن يكون الاجتماع على مستوى رؤساء البرلمانات، بالنظر إلى منصب المسؤول الروسي.

اقرأ ايضاً
وفد اقتصادي تركي في الإمارات لبحث فرص استثمارية خاصة

الخطوة الأولى

أعلنت كل من تركيا والنظام السوري مرارا أن الاتصالات والمباحثات الأمنية بين الجانبين لم تنقطع، إلا أن الاجتماع تحت عنوان مكافحة الإرهاب سيتطلب مباحثات إضافية مخصصة تتناول جدول أعمال الاجتماع، ومن ثم فإن إعلان التوقيت قد لا يصدر قبل أن تتمكن الوفود الأمنية من الوصول إلى تفاهمات أولية، وهذا كله سيكون مرهونًا بما سيطرحه الجانب السوري من شروط ومدى استعداد أنقرة لتلبيتها.

كان أردوغان قد أكد، بالتزامن مع الإعلان الروسي عن فكرة المؤتمر، أن مسار التطبيع قد انطلق عبر الاتصالات على مستوى الأجهزة الاستخباراتية، وسيتم رفعها تدريجيًّا مرورا بوزراء الخارجية ووصولًا إلى عقد قمة.

تدرج أم تمهيد؟

حديث أردوغان عن التدرج في رفع الاتصالات قد لا يعني أن التطبيع سيمر حتما في مسار متدرج تماما، فقد تكون الخطوة الأولى المتمثلة بعقد لقاء على مستوى رؤساء البرلمانات تمهيدا كافيا للانتقال إلى مستوى الرؤساء، لا سيما أن موسكو ستكون جاهزة لاستغلال أي مناسبة لترتيب لقاء على الهامش أو مصافحة شبيهة بمصافحة أردوغان للسيسي، كما أن الرئيس التركي لا يخفي حرصه على عقد هذا اللقاء قبل انتخابات يونيو/حزيران 2023.

القضايا الخلافية

تعد المسائل الخلافية العقبة الثانية وربما الأساسية التي تعرقل مسار التطبيع، فأنقرة تريد -حسب تصريحات رسمية- تسوية سياسية في سوريا تؤمن غطاء مقبولا لعودة العلاقات التي انقطعت منذ أكثر من 10 سنوات، كما تراهن على تسهيل عودة اللاجئين من خلال منحهم ضمانات بعدم تعرض النظام لهم، سواء من جهة القوانين السارية أو من جهة التعامل الأمني.

أما النظام السوري فيريد من تركيا سحب قواتها من الشمال السوري، وتسليم المناطق التي لا تزال تحت سيطرة فصائل من المعارضة وسط حماية تركية، واتخاذ خطوات عملية تدل على تخلّي أنقرة عن دعم المعارضة السورية.

قضايا تعجيزية وأخرى قابلة للحل

تبدو معظم الشروط التي يطرحها الطرفان تعجيزية لكل منهما، فتركيا أعلنت مرارا أنها لن تسحب قواتها من سوريا قبل الوصول إلى حل نهائي وشامل للأزمة السورية، وقبل معالجة كل مخاوفها الأمنية. أما النظام السوري فلا يبدو مستعدا لتحمل عودة ملايين من اللاجئين، وأكثرهم مناوئون له، لا اقتصاديا ولا أمنيا.

وإن كان ثمة تنازلات يمكن أن تقدمها تركيا للنظام من ناحية دعم المعارضة، فإن النظام أيضا ربما يجد في ملف مكافحة الإرهاب ما يمكن أن يقدمه لتركيا، حيث تنظر كل من أنقرة ودمشق إلى ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية على أنها عدو مشترك، وغطاء للوجود العسكري الأميركي في شمال شرقي البلاد.

ومن الواضح أن عام 2023 سيكون شاهدا على مزيد من خطوات التقارب بين تركيا والنظام السوري، إلا أنه لا يمكن الجزم بالمآلات والإجابة عن تساؤلات عدة:

  • هل سيكتفي الجانبان بتثبيت مستوى الاتصالات عند الحد المقبول من كل منهما أم سيظهران حماسة أكبر لتطبيع أكثر شمولا؟
  • هل سيتمكنان من حل القضايا الخلافية أم سيكتفيان بما هو قابل للحل؟
  • أي دور سيكون لروسيا في العملية برمتها؟
  • هل يمكن أن تسير بسلاسة دون اعتراض أي من الفاعلين الإقليميين أو الدوليين في سوريا؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى