اخبار العالم

«نهاية سعيدة» لأزمة الجنود الإيفواريين الموقوفين في مالي

أنهى الرئيس الانتقالي في مالي، العقيد عاصمي غوتا، أزمة دبلوماسية كادت أن تتمدد إقليمياً بين بلاده وكوت ديفوار، بإصداره مساء (الجمعة) قراراً بالعفو عن 49 جندياً إيفوارياً، بعد أشهر من احتجازهم، وإصدار أحكام بالإعدام ضد ثلاثة مجندات منهم، وأحكاماً بالسجن المشدد لمدة 20 عاماً لستة وأربعين آخرين.
وتعود جذور الأزمة إلى العاشر من يوليو (تموز) عندما ألقت السلطات في مطار العاصمة المالية (باماكو) القبض على 49 جندياً ينتمون إلى القوات الخاصة الإيفوارية في الغالب، وقالت كوت ديفوار إنهم كانوا «جزءاً من عمليات الدعم اللوجيستي» لبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما)، فيما وصفتهم السلطات بمالي بأنهم «مرتزقة»، ووجهت لهم خلال محاكمة رسمية جرت في أغسطس (آب) الماضي اتهامات بارتكاب جرائم «الاعتداء والتآمر ضد الحكومة، وتقويض الأمن الخارجي لمالي».
وقال العقيد عبد الله مايغا، المتحدث الرسمي باسم الحكومة المالية، في بيان حول قرار العفو الرئاسي عن الجنود الإيفواريين إن «النهاية السعيدة لهذه القضية جاءت بعد التوقيع، في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2022. على ما يسمى بمذكرة التفاهم المتعلقة بتعزيز السلام وتقوية العلاقات الودية والأخوة وحسن الجوار بين مالي وكوت ديفوار».
وأضاف مايغا أن «الحكومة الانتقالية تجدد امتنانها العميق للرئيس (رئيس دولة توغو) فور إيسوزيمنا غناسينغبي على جهوده الدؤوبة والتزامه المستمر بالحوار والسلام في المنطقة».
وشهدت الأشهر الماضية، وساطات وضغوطاً أفريقية للإفراج عن الجنود المحتجزين، إذا قام رئيس توغو، فور غناسينغبي، بزيارات ولقاءات وساطة لاحتواء الأزمة، وهو من اقترح في وقت سابق إصدار عفو رئاسي عن الجنود، وتم إطلاق سراح ثلاث عسكريات في نهاية شهر أغسطس «لأسباب إنسانية» استجابة لوساطة الرئيس التوغولي.
وخلال قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي انعقدت في نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي، دعا رئيس غينيا بيساو أومارو سيسوكو إمبالو، الرئيس الحالي للمجموعة، إلى إطلاق سراح الجنود الإيفواريين، وقال: «أعتقد أنهم ليسوا مرتزقة».
كما دعت الأمانة العامة للأمم المتحدة في بيان أصدرته في 26 سبتمبر (أيلول) إلى «الإفراج الفوري» عن الجنود، وأضاف البيان أنها «تدعم بقوة كل الجهود لتسهيل هذا الإفراج وكذلك استعادة الثقة وتعزيز علاقات حسن الجوار بين البلدين». وشدد على «تقديره العميق لمساهمة كوت ديفوار في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وفي مينوسما على وجه الخصوص».
وأشاع قرار العفو عن الجنود الإيفواريين الموقوفين في مالي حالة من الارتياح بين دول غرب أفريقيا، إذ أعرب الرئيس التوغولي في سلسلة تغريدات عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، عن «سعادته بالعفو الرئاسي الذي منحه العقيد عاصمي غويتا». كما رحب «بتوافر روح الحوار من جانب رئيسي دولتي مالي وكوت ديفوار»، وأبلغ أن بلده «سيواصل العمل من أجل تعزيز التعاون الإقليمي».
كما رحبت الطبقة السياسية الإيفوارية في ردود فعل احتفالية (السبت) بقرار الرئيس الانتقالي في مالي من خلال رسائل نُشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
واعتبر الباحث السياسي المالي، سيرج دانيال انتهاء أزمة الجنود الإيفواريين بمثابة «نزع لفتيل أزمة كان يمكن أن تؤدي إلى عواقب خطيرة على منطقة غرب أفريقيا».
وأضاف دانيال لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطات الأفريقية «أثبتت نجاحها في احتواء الأزمة، بل يمكن أن تقود إلى وضع أساس أكثر متانة لتحسين أجواء العلاقات بين مالي وجيرانها من دول الغرب الأفريقي، والتي شهدت توتراً خلال الآونة الأخيرة، وتضاعف ذلك التوتر بسبب أزمة الجنود الإيفواريين».
وأشار إلى أن البيان الصادر عن المتحدث الرسمي وجه الشكر لرئيس توغو، على جهده ووساطته الحثيثة حتى صدور قرار العفو، لكن البيان يشير أيضاً إلى نوع من «اللوم غير المعلن» لمواقف بعض الدول الأعضاء في «إيكواس»، وهو ما يشير إلى أن التصفية الكاملة للأجواء «تتطلب بعض الوقت والكثير من العمل».
وسعى الرئيس التوغولي خلال وساطته لإقناع المجلس العسكري الحاكم في مالي بالإفراج عن الجنود لتفادي أي عقوبة محتملة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والتي من شأنها أن تزيد من تعقيد الأوضاع بالبلد الأفريقي المضطرب.
ومنحت منظمة «إيكواس» للسلطات في مالي مهلة (انتهت في الأول من يناير (كانون الثاني) الحالي) لإطلاق سراح الجنود، إلا أنها لم تعلن أي قرارات من جانبها انتظاراً لجهود الوساطة الأخيرة التي أسفرت عن صدور قرار العفو.
وذهب الدكتور أحمد أمل، أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، إلى أن أزمة الجنود الإيفواريين كان تخفي تبايناً أكبر في وجهات النظر بين مالي وكوت ديفوار، مشيراً إلى أن البلدين تجمعهما اختلافات في الرؤى السياسية ونظام الحكم، وهو ما خلق حالة من التربص بين البلدين، الأمر الذي ضاعف من تعقيد أزمة الجنود الـ49.
وأضاف أمل لـ«الشرق الأوسط»: «انتهاء الأزمة يمثل مؤشراً طيباً على إمكانية احتواء تلك الاختلافات، بل وإحداث نوع من التفاهمات بين محورين برزا خلال الفترة الماضية، المحور الأول مدعوم فرنسياً، وهو ما تمثله دول تحكمها سلطات مدنية، في مقابل محور آخر تسيطر فيه على مجريات الأمور حكومات عسكرية، وهذا المحور بات يبحث عن ظهير داعم، ووجدت بعض الدول ضالتها في روسيا، الأمر الذي يجعل الصراع بين الجانبين أكثر عمقاً واتساعاً، لو كان تطور إلى مواجهة مفتوحة».
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية، أن اتفاق البلدين، والوساطات الأفريقية المكثفة يمكن أن يفتح الطريق بالفعل أمام تفاهمات بشأن ترتيبات الأمن في إقليم غرب أفريقيا المضطرب، لا سيما في ظل وجود العديد من التهديدات من جانب تنظيمات إرهابية ومتطرفة، وانسحاب قوات تابعة لدول كبرى وللأمم المتحدة من بعض العمليات التي كانت تركز عملياتها على التصدي لأنشطة تلك التنظيمات.
واتهم المجلس العسكري في مالي مراراً، كوت ديفوار بتشجيع شركاء إقليميين على فرض عقوبات قاسية على البلاد، بعدما أطاح الجيش في أغسطس 2020 برئيسها المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا، بعد احتجاجات واسعة.

اقرأ ايضاً
سلمان رشدي يخضع للتنفس الصناعي... والشرطة تكشف هوية المعتدي

منبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى