احتلال يسرق المال.. الاقتطاعات الإسرائيلية تكبد الفلسطينيين خسائر بمليارات الدولارات
يعيد القرار الإسرائيلي الجديد باقتطاع نحو 40 مليون دولار من أموال “المقاصة” الفلسطينية إلى الأذهان اقتطاعات سابقة تقدر بمليارات الدولارات على مدى سنوات طويلة، وتذهب الأموال المقتطعة -وفق القرار الأخير- إلى من يزعم أنهم متضررون من العمليات الفلسطينية الذين يفترض أن يعوضهم التأمين الإسرائيلي.
ووفق تقارير حكومية ودولية ومحللين اقتصاديين تحدثوا للجزيرة نت، فإن اقتطاعات الاحتلال السنوية من أموال الفلسطينيين تتجاوز مليار دولار سنويا، وهي كفيلة بسد العجز السنوي للموازنة الفلسطينية.
ويأتي الاقتطاع من “المقاصة” ضمن 5 عقوبات أقرتها الحكومة الإسرائيلية، بينها الاستمرار في اقتطاع مبلغ يعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينية للأسرى.
والمقاصة هي عائدات الضرائب التي تجبيها إسرائيل على البضائع الواردة إلى الأراضي الفلسطينية من خلال المنافذ التي تسيطر عليها بالكامل، والمقدرة شهريا بنحو 700 مليون شيكل شهريا (202 مليون دولار) مقابل عمولة 3%.
الاقتطاع والاحتجاز
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح الفلسطينية بكر اشتية للجزيرة نت إن الجديد في القرار الإسرائيلي الأخير هو اقتطاع 139 مليون شيكل (نحو 40 مليون دولار) لصالح متضرري العمليات، أما بقية الاقتطاعات فهي قائمة منذ سنوات.
ويفرق اشتية بين اقتطاعات تتم بقوانين يسنها الكنيست وهي غير مرتجعة، وبين احتجاز الأموال بقرار سياسي لغرض الابتزاز والمساومة.
وأشار إلى اقتطاعات، منها “صافي الإقراض”، وهي مبالغ تخصم لصالح شركات إسرائيلية لها ديون على شركات فلسطينية، وتقدر شهريا بنحو 100 مليون شيكل (28 مليون دولار).
وذكر اشتية من الخصومات أيضا: 52 مليون شيكل (15 مليون دولار) تخصم شهريا بدل مخصصات الأسرى والشهداء، و150 مليون شيكل (43 مليون دولار) نتيجة التسرب الضريبي لصالح الخزينة الإسرائيلية، وغيرها من الخصومات التي تضاف إلى 3% تقتطع بدل تحصيل الضرائب.
وذكر أن مجموع الاقتطاعات السنوية يصل إلى 1.1 مليار دولار سنويا “كفيلة بسد كل عجز السلطة الفلسطينية المقدر بمليار دولار سنويا”.
وأضاف اشتية أن المتضرر الأول من الاقتطاع هو الموظف العمومي الذي يتقاضى منذ عام 80% من راتبه، وفئة الحالات الاجتماعية والقطاع الخاص من مستشفيات وموردي أدوية وشركات المقاولات والتجار الذين تتراكم مستحقاتهم على السلطة.
ويرى الخبير الاقتصادي أن غاية إسرائيل هي “إبقاء السلطة الفلسطينية في حالة عوز مالي للجانب الإسرائيلي من أجل الحصول على مطالب اقتصادية أو سياسية أو تفاوضية”.
حجم الاقتطاعات الإسرائيلية
وفي كلمته بمستهل جلسة مجلس الوزراء أول أمس الاثنين كشف رئيس الوزراء محمد اشتية أن “مجموع الاقتطاعات المتعلقة بمخصصات الأسرى والشهداء بلغ حوالي ملياري شيكل (الدولار يساوي 3.5 شواكل) منذ بداية العام 2019 حتى نهاية 2022”.
أما عن الاقتطاعات المتعلقة بالصحة والكهرباء والمياه وغيرها فقال إنها تقارب 1.6 مليار شيكل عن العام 2022 فقط.
وبيّن رئيس الوزراء أن حكومة الاحتلال تقتطع ما مجموعه 350 مليون شيكل (101 مليون دولار) سنويا بدل عمولة لتحصيل الأموال الفلسطينية “المقاصة” وتحويلها.
وأشار إلى استمرار سلطات الاحتلال في احتجاز ضريبة المغادرة عبر الجسور، والتي تبلغ أكثر من مليار شيكل.
وخلال عام 2021 بلغت إيرادات المقاصة 1.36 مليار دولار، وفق عرض مالي أمام المانحين بالعاصمة البلجيكية قدمه وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة في مايو/أيار الماضي.
وتدفع السلطة الفلسطينية شهريا نحو 300 مليون دولار أجورا وشبه أجور شهرية لنحو 240 ألف موظف ومستفيد وفق ما هو في نهاية عام 2021.
وقدر قانون الموازنة الفلسطيني للسنة المالية 2022 الإيرادات بنحو 4.954 مليارات دولار، بينها 3.057 مليارات دولار إيرادات المقاصة، في حين قدر إجمالي النفقات بنحو 5.9 مليارات دولار، بينها حوالي 2.6 مليار رواتب وأجور.
البنك الدولي.. خسائر بـ50 مليار دولار
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قدر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) خسائر فلسطين بنحو 50 مليار دولار بين عامي 2000 و2020 بسبب الاستيطان وتقيد التنمية الاقتصادية في مختلف المناطق الفلسطينية، خاصة المنطقة “ج” التي تشكل حوالي 60% من الضفة الغربية المحتلة وتسيطر عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتضم جميع المستوطنات الإسرائيلية.
في المقابل، قال التقرير إن الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي -بما يشمل القدس- يساهم بالناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بمبلغ 41 مليار دولار سنويا، مما يعني 820 مليار دولار خلال المدة المحددة بالتقرير.
وصنفت اتفاقية “أوسلو 2” لعام 1995 أراضي الضفة 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و”ج” تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.
اقتطاع بقوانين
وبشكل عام، تجري الاقتطاعات الإسرائيلية إما وفق اتفاقية سياسية أو بقوانين يقرها الكنيست، وأحيانا بقرارات سياسية.
ويحكم برتوكول باريس الاقتصادي الموقع في 29 أبريل/نيسان 1994 -وهو أحد ملحقات اتفاق أوسلو الذي أنشئت بموجبه السلطة الفلسطينية- أدق التفاصيل في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
وفي يوليو/تموز 2018 صدّق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون ينص على “تجميد دفع قيمة مخصصات ذوي الشهداء والأسرى والجرحى”.
وأخيرا جاء قرار الحكومة الإسرائيلية يوم السادس من يناير/كانون الثاني الجاري بالاستمرار في اقتطاع ما يعادل مخصصات الأسرى يضاف إليها نحو 40 مليون دولار كتعويضات لإسرائيليين تزعم تل أبيب أنهم متضررون من العمليات الفدائية.
الحاجة للمراجعة
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي تيسير عمرو إلى أن إسرائيل تضيف باقتطاعاتها خسائر للشعب الفلسطيني تضاف إلى الخسائر الناتجة عن الاحتلال.
وأضاف عمرو في حديثه للجزيرة نت أن اقتطاع 3% من الأموال الفلسطينية ثم قرصنة جزء منها “يتطلب موقفا فلسطينيا متناسبا مع هذه السياسة”.
ويرى ضرورة وجود دائرة أو جهة فلسطينية مختصة توثق كل الاقتطاعات والخسائر الناتجة عنها لمحاسبة الاحتلال عليها دوليا.
وأعرب عمرو عن استغرابه من تمسك القيادة الفلسطينية باتفاق أوسلو، ورأى ضرورة اجتماع المجلس الوطني “واتخاذ قرار بمراجعة كل المرحلة السابقة”.