بسبب قلة الأمطار.. هل بات الأمن الغذائي مهددا في تونس؟
تونس– يتابع التونسيون بقلق وضع الموسم الفلاحي الحالي المرتبط بشكل كبير بنزول الأمطار خلال الفترة المقبلة، ففي حال عدم نزولها، فإن الوضع سيكون صعبا، إذ سيتعين على حكومة نجلاء بودن -التي لا يمكنها تحمل أعباء مالية- استيراد كميات كبيرة من الحبوب، ومواجهة أزمة توفير المواد الأساسية المفقودة أصلا.
وتراجَع منسوب مياه مخزونات السدود والبحيرات الجبلية بسبب قلة التساقطات في تونس، مع موسم جفاف للعام الثالث على التوالي، حيث يواجه الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي وضعا صعبا لم تعشه تونس منذ سنوات، عمقته أعباء الديون الخارجية وضغوط صندوق النقد الدولي.
ولم تفلح وزارة الفلاحة في تغيير إستراتيجيتها بإيلاء الأولوية لمياه الشرب على حساب بعض الأنشطة الزراعية المستهلكة للماء، مما دفع المزارعين إلى تقليص المساحات المزروعة وتهريب الأبقار إلى الجزائر، بسبب الزيادة بنحو 300 دينار للطن الواحد (100 دولار) من الأعلاف المركبة.
طوارئ اقتصادية
يقول الخبير الاقتصادي عز الدين حديدان، للجزيرة نت، إن مؤشرات الاقتصاد التونسي أنبأت -منذ بداية العام الجاري- بأنه مقبل على أزمة تستدعي حلولا عاجلة، لتخفيف تكلفة المعيشة والحد من الشح في المواد الأساسية، الذي لا يزال يرهق المواطن التونسي، في ظل وضع اقتصادي غير مسبوق تشهده البلاد.
ويضيف أن الاحتباس الحراري أسهم في انخفاض نسبة التساقطات السنوية للأمطار، مما أثر سلبا على امتلاء السدود وزاد في انخفاض مستوى المياه السطحية، مؤكدا أن نقص المياه سيؤثر على المحاصيل الفلاحية، خاصة الحبوب، وهو ما سينجر عنه تفاقم عدة مشاكل وزيادة حجم عجز الميزان التجاري.
ويتوقع حديدان عزوف المزارعين، خاصة من الشباب عن ممارسة النشاط الزراعي، في ظل ندرة الأمطار، الأمر الذي سيؤثر على الأسعار الداخلية ويزيد من حجم التضخم المالي، موضحا أن تونس تستورد الآن نحو 55% من حاجتها من الحبوب، ويتوقع أن تزيد هذه النسبة إلى حدود 80%.
وحسب معطيات نشرها معهد الإحصاء الحكومي، ارتفعت نسبة التضخم ديسمبر/كانون الأول الماضي، لتصل إلى مستوى 10.1% مقابل 9.8% نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في حين سجل مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي ارتفاعا بنسبة 0.7% خلال ديسمبر/كانون الأول بعد الارتفاع بنسبة 0.6% نوفمبر/تشرين الثاني.
وضمن نشرة تهم التجارة الخارجية، كشف المعهد الوطني للإحصاء، يوم 11 يناير/كانون الثاني الجاري، عن تعمق عجز الميزان التجاري عام 2022 ليصل إلى 25.2 مليار دينار (نحو 8 مليارات دولار)، في حين شهدت أسعار النقل ارتفاعا بنسبة 2.6%، بسبب زيادة أسعار خدمات النقل العام والخاص بنسبة 6.3%.
تدابير استثنائية
ولم تتخذ الحكومة التونسية أي إجراءات أو تدابير استثنائية للتعامل مع أزمة نقص المياه وتراجع تساقط الأمطار، في وقت تتزايد فيه مطالب التونسيين باتخاذ مزيد من الإجراءات، لتخفيف أزمة تكلفة المعيشة، بينما تواجه الأسر نفقات غير مسبوقة.
في هذا الشأن، يقول الخبير الاقتصادي رضا شكندالي -للجزيرة نت- إن الدولة التونسية مطالبة بمراجعة سياساتها المائية، وبأن تقوم بتقوية الإنتاج الفلاحي عبر إرساء خطة للعناية بالسدود، خاصة في ظل تراجع انخفاض معدلات تساقط الأمطار، وسط المخاوف من مواجهة الجفاف.
ويؤكد شكندالي أن منظومة الإنتاج، التي تشهد نوعا من العزلة المالية والسياسية، بدأت تتآكل على مستوى الأبقار وإنتاج الحليب، وأن الاستثمار في الإنتاج الفلاحي أصبح غير ممكن، خاصة أن التكاليف باتت عالية جدا جراء سياسة الصرف المالي، التي أدت إلى تراجع قيمة الدينار التونسي.
وتوصلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات لا تحظى بتأييد شعبي، منها خفض دعم الغذاء والوقود وإصلاح شركات القطاع العام.
ووفق قانون الموازنة لعام 2023، تخطط الحكومة لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار (4.7 مليارات دولار)، مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليارات دينار (3 مليارات دولار).
ويرى الشكندالي أنه في ظل هذه الظروف الاقتصادية والمناخية ستجد الدولة نفسها غير قادرة على تعديل السوق وتوفير الموارد الأساسية، أولا لأن البلد فقد ثقة المزودين الدوليين، وثانيا لأنه لم يعد يملك العملة الصعبة اللازمة في خزينة البنك المركزي، وهو ما سيعجل بسيناريوهات سيئة جدا.
سيناريوهات مخيفة
تونس، التي تعيش حالة طوارئ مائية، باتت قاب قوسين أو أدنى من أسوأ أزمة قد تعرفها البلاد، وتجعلها مضطرة لاستيراد العديد من المواد الأساسية، مما قد ينذر بأزمة غذاء، خاصة في ظل ناقوس الخطر الذي يقرعه المراقبون، بسبب تزايد نقص المخزون الإستراتيجي لعدد من المواد الأساسية.
ويرى رئيس اتحاد الفلاحين نور الدين بن عياد، في حديث للجزيرة نت، أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى زيادة نقص الحليب والحبوب واللحوم، المفقودة في المحلات التجارية، مما يعني أن البلاد ستعيش مرحلة اقتصادية صعبة، قد تنعكس سلبا على جيوب المواطنين، حيث سيستمر الغلاء والتضخم المالي.
ويتوقع بن عياد أن تعيش البلاد سيناريوهات مخيفة، في هذه السنة التي يصفها بـ”الاستثنائية”، على مستوى النشاط الفلاحي، بسبب نقص التساقطات والأمطار، حيث سيتراجع إنتاج عدد من المواد الفلاحية، مما يعني تقلص المخزون الإستراتيجي.
ويؤكد رئيس اتحاد الفلاحين أن الدولة تعمل على تعويض مياه السدود بالآبار لتجاوز الأزمة، موضحا أن هذه المساحات لن تكون مثل المساحات العادية، حيث وقع تحديد المساحات لتشمل بعض الحاجات الأساسية، وتستثني الخضروات.
ويخشى بن عياد أن يزيد نقص المخزون الإستراتيجي ونقص المواد الأساسية، خاصة الألبان والبيض، رغم محاولات الدولة تفادي ذلك، حيث تعمل مثلا على بلوغ 25 مليون بيضة مع الشركات المنتجة، التي تعهدت بتوفير 14 مليون بيضة، وبقية المنتجين الصغار تعهدوا بحدود 11 مليون بيضة لشهر رمضان.