التعداد السكاني بالعراق.. دعاية سياسية أم ضرورة حكومية؟
السليمانية– تبدو خطوات الحكومة العراقية الحالية أكثر جدية لإجراء التعداد السكاني بعد فشل جميع المحاولات السابقة، ومع إقرار رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية التي تهدف للتنمية، يرى مراقبون أن هذه الخطوة لا تخلو من أبعاد سياسية بالتزامن مع المضي باستعدادات إجراء انتخابات مجالس المحافظات المحلية.
وكان العراق قد أجرى آخر تعداد سكاني عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، تبعه إحصاء عام 1997 الذي أجري دون مشاركة محافظات إقليم كردستان.
وظلت البلاد طيلة السنوات الماضية مُعتمدة على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن مؤسسات ومراكز أبحاث غير رسمية تُعنى بهذا الشأن، قبل أن تصدر تقديرات وزارة التخطيط في عام 2022 بأن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 42 مليون نسمة.
الأهداف
وخلال ترؤسه اجتماعًا للمجلس الأعلى للسكان الأسبوع الماضي، شدّد السوداني على ضرورة بذل أقصى الجهود من أجل إجراء التعداد السكاني التنموي خلال هذا العام، موجهًا بتهيئة كل الإمكانات والمتطلبات البشرية والفنية والمالية واللوجيستية المطلوبة لإنجاز هذا التعداد.
ويتزامن إقرار السوداني لهذه الوثيقة مع إنهاء مجلس النواب العراقي الذي تُسيطر عليه قوى تحالف الإطار التنسيقي (130 مقعدا من مجموع 329)، والذي ينتمي إليه رئيس الحكومة، القراءة الأولى لمشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات، والذي يبدو أنه سيكون وفق نظام “سانت ليغو” القديم باعتماد نظام الدائرة الانتخابية الواحدة بدلاً من الدوائر المتعددة التي تمّ اعتمادها في الانتخابات التشريعية الأخيرة في عام 2021.
وعن الهدف الأساسي من الوثيقة، وفيما إذا كانت ستُحقق تنمية شاملة في جميع القطاعات، يُجيب عن هذا السؤال المُتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط العراقية عبدالزهرة الهنداوي بإشارته إلى أن الوثيقة تتضمن سياسات بعيدة المدى لتحقيق العيش الكريم والرفاهية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
وبالإضافة إلى ذلك، تعمل الوثيقة على استيعاب الزيادة السكانية وتحويلها من أعباءٍ تنموية إلى محرّكات تنموية فاعلة مع توفير مُتطلبات الحياة الأساسية، وفقًا للهنداوي الذي أضاف للجزيرة نت “تم تحديث الوثيقة من قبل فريق مختصّ من وزارة التخطيط بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وجاء بناءً على المتغيرات التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين”.
تشاؤم اقتصادي
وخلافًا لرأي الهنداوي، لا يبدو الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي متفائلا من إمكانيات الوثيقة الوطنية وقدرتها على تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن العراقي.
ومن وجهة نظر اقتصادية، يقترن تحقيق الرفاهية المُجتمعية على مختلف المستويات والقطاعات بما سيُحققه التعداد السكاني من توزيع عادل للثروات على الشعب وفق ما أقرّه الدستور، بيد أن الشيخلي يقرّ هنا باستحالة نجاح التعداد في تحقيق هذا الهدف، الأمر الذي يعني أنه سيفشل في تحقيق أي رفاهية للمواطن العراقي، بحسب تعبيره.
وخلال حديثه للجزيرة نت، يعلق الشيخلي “إن ما جاءت به الوثيقة الوطنية للتعداد ما هي إلا محاولات للكسب والتوظيف لخدمة البرنامج الحكومي المُعلن من قبل السوداني، ليثبت بأنه يسير بالاتجاه الصحيح”.
ويعزز الخبير الاقتصادي رأيه بتساؤله عن مصير عراقيي المهجر والتغيير الديمغرافي الذي غيّر معالم البلاد منذ عام 2003، فضلا عن حال النازحين في المُخيمات، مع وجود مناطق لا يستطيع أحد الوصول إليها، يضاف لكل ذلك منح أكثر من 5 ملايين شخص الجنسية العراقية، مؤكدًا أن جميع هذه الحيثيات تعد أسبابا كافية لنقض وإفشال ما جاءت به الوثيقة الوطنية، وفق الشيخلي.
الإفرازات السياسية
أمّا على المستوى السياسي، فهناك ضرورة سياسية لإجراء التعداد الذي يمكن أن يتحوّل إلى رسالة للأطراف الداخلية والخارجية مفادها أن حكومة السوداني نجحت في تحقيق ما عجزت عنه الحكومات السابقة، وهو ما يذهب إليه المحلل السياسي علي البيدر الذي أضاف أنه سيُعزز من صادرات البلاد النفطية بما سينعكس على حجم ميزانية الدولة.
ولا يقف البيدر عند هذا الحد، إذ يقرّ -في حديثه للجزيرة نت- أن إجراء التعداد في 2023 يعني أن السوداني يعمل على بناء مؤسسات الدولة بشكل صحيح، عازيًا السبب إلى أنه سيُعالج مستوى الفساد ويُقلص حجمه في الكثير من المجالات التي تمّ التعامل معها وفقا للتخمينات، فضلاً عن أنه سيفرز نوعا من النشوة المجتمعية، بحسب تعبيره.
وحتى لو تم التعداد، فإنه لن يُغيّر من خارطة الثقل السياسي في البلاد، كما يقول الباحث في الشأن السياسي حيدر الموسوي، الذي يرى أن نسبة السكان الحالية على مستوى الطوائف قريبة من الواقع، معلقا “لا أعتقد أن هناك اختلافًا على أن المكون الشيعي هو الأغلبية السكانية، وبعده السُّنة ومن ثم الأكراد والمكوّنات الأخرى”.
وعن مدى تأثير نتائج التعداد على التوزيع المناطقي في التمثيل السياسي سواء في البرلمان أو المؤسسات التنفيذية، يوضح الموسوي -في حديثه للجزيرة نت- أن التعداد السكاني ليست له علاقة بزيادة التمثيل السياسي في المؤسسات التنفيذية والتشريعية.
ويتوقع أن تحدث نتائج التعداد تقديرات مُختلفة لوضع التركمان في المناطق المتنازع عليها، لا سيما فيما يتعلق بمشكلة كركوك التي جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة فيها مُغايرة تمامًا لما يُقال في الواقع عن الغالبية العددية للمكونات المُسيطرة فيها.
الواقع الكردي
ويعد عدم اتفاق القوى السياسية بين الإقليم وبغداد حول آلية معينة لمستقبل ما يعرف بـ”المناطق المتنازع عليها”، وفق المادة 140 من الدستور العراقي، أحد الأسباب الرئيسية التي أعاقت إجراء تعداد سكاني شامل في البلاد حتى الآن.
وعن مصير الأكراد في حال أجري التعداد، لا سيما في تلك المناطق، واحتمالية تغيير واقعهم وثقلهم السياسي فيها، يُجيب الباحث السياسي الكردي عدالت عبد الله عن هذا السؤال بقوله “إن وضعهم في المناطق المتنازع عليها سيكون محرجًا للغاية”.
ويعزو عبد الله -الذي يعمل أستاذا للإعلام في جامعة السليمانية- أسباب ذلك لعدم تنفيذ المادة الدستورية الخاصة بالتطبيع هذه المناطق وإنهاء آثار سياسات التعريب فيها، فضلا عن تجاوزات ديمغرافية كبرى حصلت خلال حقب مختلفة، بحسب تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير إلى أن على القيادات الكردية في العراق المطالبة بالعدل وتطبيق المراحل الواردة في المادة 140 من الدستور، معلقا “بعد ذلك يجب أن يشمل التعداد المحافظات التي تقع ضمن هذه المادة الدستورية”.