الاخبار العاجلةسياسة

10 منهم في جنوبي أفغانستان.. مقتفو الأثر يروون للجزيرة نت تجاربهم في مهنة على وشك الاندثار

قندهار – “أعرف الأثر من حجم القدم والخطوة والوزن وطريقة المشي، وأحيانا أتتبعه إلى مئة كيلومتر لمعرفة شخص ما”، هكذا يتحدث المُسن ولات خان عن مهارته في مهنة اقتفاء الأثر التي تكاد تندثر في أفغانستان، حيث صار الخبراء فيها يعدون على أصابع اليد.

ولات خان واحد من أشهر مقتفي الأثر في ولاية قندهار جنوبي البلاد، حيث وُلد عام 1950 في مديرية ميوند، ويتمتع بخبرة 40 عاما في مهنة اقتفاء الأثر واستخدامها في الكشف عن جرائم القتل والسرقات.

ويعمل خان منذ مدة طويلة مع الدوائر الأمنية، حتى إن حركة طالبان سمحت باستمراره في وظيفته بقسم مكافحة الجريمة في مسقط رأسه، وتمكّن من رصد وكشف 100 حالة سرقة وقتل خلال العام الماضي.

قصاص الأثر ولات بين الناس في مديرية ميوند بولاية قندهار جنوبي أفغانستان
ولات خان يعمل مساندا للأجهزة الأمنية بمديرية ميوند بولاية قندهار جنوبي أفغانستان (الجزيرة)

مهنة موروثة وخطيرة

يقول ولات خان للجزيرة نت إنه ورث هذه المهنة من والده، “وهي مهنة عائلية قديمة، نساعد رجال الشرطة في الكشف عن الجرائم، ومنعت أولادي من ممارستها بسبب المشاكل التي واجهتها في عملي”. ويذكر خان كيف خسر شقيقه الأكبر الذي تمكن من الوصول إلى شخص قتل شريكه في قضية مالية بمديرية ميوند.

ويوجد في ولايات أفغانستان الجنوبية 10 من مقتفي الأثر، ومعظمهم تجاوزت أعمارهم 70 عاما، في حين تخلى كثيرون آخرون عن هذه المهنة بسبب خطورتها.

ويعتقد مقتفو الأثر أن انتشار الأسلحة في القرى والأرياف الأفغانية، ودخول من ليس لديه الخبرة في اقتفاء الأثر إلى هذا المجال، سببان رئيسيان أيضا لإحجامهم عن العمل في هذه المهنة.

ويضيف ولات خان أن اقتفاء الأثر في مجتمع قبلي كقندهار والولايات الجنوبية لا يخلو من المخاطر، “عندما كنا نحدد الشخص المتورط في سرقة أو قضية جنائية أخرى لم نخشَ شيئا، ولكن الآن انتشر السلاح في المجتمع، وفُرض الخوف على حياتنا وحياة أبنائنا، لذا يفضل الكثيرون التنحي جانبا والبحث عن مهنة أخرى”.

قصاص الأثر ولات بين الناس في مديرية ميوند بولاية قندهار جنوبي أفغانستان
يوجد في ولايات أفغانستان الجنوبية 10 من مقتفي الأثر ومعظمهم تجاوزت أعمارهم 70 عاما (الجزيرة)

في غياب التقنيات

منذ عهد الملك الراحل محمد ظاهر شاه، يُستخدم مقتفو الأثر للعثور على الأشخاص المتورطين في جرائم السرقة والقتل والقضايا الجنائية بالولايات الجنوبية وخاصة ولاية قندهار، وجرت العادة أن يحتفظ كل مسؤول أمني بمقتفي أثر مميّز يتمتّع بخبرة واسعة في مجال كشف ورصد الحالات المشبوهة.

يقول سعيد أبرار قائد شرطة مديرية ميوند للجزيرة نت إن “المعدات التقنية التي تُستخدم في التحقيقات الجنائية والإرهابية في الدول المتقدمة لا نملكها هنا. لذا نلجأ إلى الاستفادة من خبرات مقتفي الأثر، ونثمّن تجاربهم في الكشف عن المتورطين في الجرائم”.

اقرأ ايضاً
السعودية تدين الهجوم الإرهابي قرب «الخارجية» الأفغانية

أفضلية للريف على المدن

وفي ولاية هلمند جنوبي أفغانستان أيضا، يقول مقتفي الأثر إبراهيم جان للجزيرة نت “لا نبدأ باقتفاء الأثر إلا بإذن من السلطات الأمنية، وبعد تحديد الشخص المتورط في قضية سرقة أو قتل، نرفع التقرير إلى الدوائر الأمنية لكي تتصرف حسب الإجراءات المتبعة لديها”.

ويفضّل قصاصو الأثر العمل في البادية والريف والجبال لأن الأثر يبقى هناك مدة طويلة بعكس المدن التي لا يمحى فيها الأثر بسرعة بسبب الازدحام، إضافة إلى حركة السيارات. ويُعد اقتفاء الأثر فرصة للربح، حيث يحصل القصّاص على نحو ألف دولار عن كل مهمّة.

من ناحية أخرى، يُفضل القرويون الرجوع إلى مقتفي الأثر في قضاياهم بدل الأجهزة الأمنية التي تستعين بهم أيضا. ويقول الزعيم القبلي ندا محمد للجزيرة نت “قبل فترة تعرض حقل عنب أملكه للسرقة، وفقدت كمية كبيرة من الزبيب وكذلك المولد الكهربائي، فاستعنت بالحاج ولات خان، وتمكن من معرفة السارق، واستعدت المسروقات”.

ولات خان طلب من شخص المشي أمامه حتى يشرح عملية اقتفاء الأثر وطريقة عمله
يُستخدم مقتفو الأثر للعثور على المتورطين في جرائم بالولايات الجنوبية وخاصة ولاية قندهار (الجزيرة)

أخلاقيات المهنة

ويقول مقتفو الأثر إن أخلاق مهنتهم تفرض عليهم عدم إفشاء أسرار الناس لأنها تؤدي إلى العداء في المجتمع، وإنهم يحاولون حل الخلافات بشكل هادئ بعد اكتشاف الجناة. وبعد العثور على المتورط، يُطلب منه تعويض المتضرر والتأكيد على عدم العودة إلى السرقة مرة أخرى وإرجاع المسروقات.

يقول مقتفي الأثر عبد الله خان للجزيرة نت “عملت في اقتفاء الأثر 30 عاما ولم أبُح بأسرار الناس، فأخلاق المهنة تقتضي الستر خشية على سمعتهم. ولكن الآن تغير الوضع، وقررت التنحي لأسباب كثيرة، أهمها أن البيئة الحالية لم تعد تناسب هذا العمل”.

ويتمتع الأفغان من عرقيات البشتون والبلوش في الولايات الجنوبية بمهارة وخبرة في مهنة اقتفاء الأثر بحكم عملهم في الصحراء والجبال. ويطالبون بتقنين مهنة اقتفاء الأثر في الدوائر الأمنية.

يقول مقتفي الأثر ولات خان للجزيرة نت “نعمل على تأسيس جمعية لخبراء اقتفاء الأثر وتعليم من لديه القدرة والرغبة في ذلك، ونهدف إلى أمرين: نقل الخبرة إلى الجيل الجديد ومنع اندثار المهنة، ومساعدة الدوائر الأمنية في تقفّي المجرمين”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى