120 ألف فلسطيني يقطنون منازل غير آمنة.. سكان من غزة يروون للجزيرة نت معاناتهم
غزة- مع وحيدها أيهم و15 آخرين من عائلتها، تسكن نداء بدير في منزل متواضع لا تتعدى مساحته 70 مترا مربعا، يتحركون بداخله بصعوبة، ويتشاركون المطبخ، وغالبا ما يصطفون لاستخدام الحمام ودورة المياه.
هذا الواقع المرير لم تجد نداء أدق من وصفه بـ”علبة السردين”، وهو تعبير شعبي يستخدم في الشارع الفلسطيني لوصف ازدحام الناس وتلاصقهم في مكان ضيق ومحدود، وتقول للجزيرة نت “نصيب الفرد منا فرشة، والمطبخ مشترك، والاستحمام بحاجة لترتيبات مسبقة، واستخدام دورة المياه يُحسب بالدقيقة”.
قبل 7 أعوام انفصلت نداء (25 عاما) عن زوجها، ولجأت بطفلها أيهم إلى منزل عائلتها في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وتقطن المنزل والدتها وشقيقتاها مع أسرة شقيقها علي المكونة من 8 أفراد وأسرة شقيقها علاء المكونة من 4 أفراد.
حالة نداء وعائلتها ليست استثنائية في غزة؛ فحسب المجلس النرويجي للاجئين يعيش 120 ألف فلسطيني في هذه البقعة الجغرافية المكتظة (360 كيلومترا مربعا) في منازل بلا نوافذ أو أسقف أو أبواب آمنة.
منازل غير محمية
من بين أوجه كثيرة للمعاناة تواجهها نداء، تفتقد الخصوصية في هذا المنزل الصغير المكون من غرفتين فقط، مخصصتين لأسرتي شقيقيها، بينما تقيم هي وطفلها أيهم ووالدتها وشقيقتاها في الصالة أو الصالون.
ولأن الشمس لا تدخل هذا المنزل المعتم على مدار اليوم، فقد استوطنته الرطوبة، وزادت من معاناة أيهم المريض بالكلى، وتقول والدته إنه “يعاني منذ ولادته قبل 7 سنوات، ونواظب على التردد على وحدة غسيل الكلى”.
ويحتاج المرضى من أمثال أيهم إلى مكان تتوفر به التهوية وحرارة الشمس، حسب والدته، وهو ما يفتقده حاليا، لتزداد صحته تردّيا.
وقالت نداء “بسبب حالته الصحية والنفسية، والجهاز الطبي الملتصق بصدره، فإن أيهم محروم من التعليم والذهاب إلى المدرسة كغيره من الأطفال”.
وتنحدر نداء من أسرة لاجئة منذ نكبة 1948، والدها متوفى ويعمل شقيقها الأكبر موظفًا في السلطة الفلسطينية، والآخر عامل بأجرة بسيطة، وتعتمد في إعالة نفسها وطفلها على المساعدات الإنسانية.
منازل كالقبور
وليس بعيدا عن منزل نداء في حي الشجاعية، يقيم إيهاب الحمارنة (34 عاما) وأسرته المكونة من 7 أفراد، برفقة شقيقيه بهاء وأسرته (6 أفراد) ولؤي وأسرته (5 أفراد)، في منزل متهالك بحي التفاح شمال شرقي مدينة غزة.
وفي غرفة خارجية ملاصقة للمنزل المكون من 3 غرف موزعة على الأشقاء الثلاثة وأسرهم، تقيم والدتهم مع شقيقتهم وزوجها. ويقول إيهاب للجزيرة نت “مساحة المنزل 100 متر مربع، ولا نمتلك أي إمكانية لتحسينه وتوسيعه”.
إيهاب عاطل عن العمل ويعتمد أيضا على مساعدات إغاثية تقدمها له دوريا وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تقدر أن 80% من الغزيين يعتمدون على هذه المساعدات لتدبير شؤون حياتهم.
ويتلقى إيهاب، وهو لاجئ هجّرت عائلته إبان النكبة عام 1948، مساعدة شهرية بقيمة 100 دولار من اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة.
ويقول “نحن أموات نعيش في قبر فوق الأرض (..) هذا ليس منزلا”. ومن يجول ببصره في أرجاء البيت سيشاهد بابه الخارجي المتهالك، وقطعا من البلاستيك (النايلون) تغطي المساحة المخصصة للنوافذ.
وفي حروب وجولات التصعيد العسكري الإسرائيلي على غزة، لحقت أضرار مادية بمنزل إيهاب، وزادته سوءا، ولا قدرة مالية لديه لإصلاح الضرر.
وقال المجلس النرويجي للاجئين إن نحو ألفي منزل ما زالت مدمرة بسبب جولات القصف والتصعيد الإسرائيلية المتكررة خلال العقد الماضي، وقد ضاعف الحصار الممتد منذ 15 عاما الأزمات الاقتصادية وانتشار البطالة.
ووفقا لمدير منطقة غزة في المجلس النرويجي للاجئين حذيفة اليازجي، فإن مواد البناء متوفرة بصعوبة في السوق المحلية، ولا يستطيع معظم السكان تحمّل تكاليف الإصلاحات الضرورية في منازلهم بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية.
وفي بيان تفصيلي حول واقع المنازل غير المحمية في غزة، دعا المجلس النرويجي للاجئين إسرائيل إلى رفع الحصار، بينما دعا المانحين إلى تقديم الدعم لمساعدة الفلسطينيين في إعادة تأهيل منازلهم.
جريمة إسرائيلية موسمية
هذه الدعوة النرويجية، وغيرها من الدعوات المماثلة، تقابلها إسرائيل بمزيد من سياسات القهر والعدوان ضد أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع الساحلي المحاصر.
فسلطان القرعان (33 عاما) وأسرته المكونة من 8 أفراد كانوا ضحايا واحدة من أحدث هذه السياسات، عندما ارتكب الاحتلال جريمة يكررها سنويا في موسم الشتاء، بفتح السدود المنتشرة خلف السياج الأمني المحيط بالقطاع من الجهة الشرقية، لتغمر المياه المتدفقة عشرات المنازل، ومساحات من الأراضي الزراعية.
وفي إحدى الليالي الماطرة، قبل بضعة أسابيع، فوجئ سلطان بسيل من المياه يتدفق بسرعة كبيرة يغمر منزله المتواضع المكون من 3 غرف على مساحة لا تتجاوز 70 مترا مربعا في منطقة وادي السلقا وسط القطاع.
وحسب المجلس النرويجي للاجئين، فإن 100 أسرة فلسطينية في المنطقة التي يقطنها سلطان تضررت جراء المياه التي غمرت منازلها، إثر فتح السدود الإسرائيلية.
وقال سلطان للجزيرة نت “نجوت وأبنائي بأعجوبة، فقد تحوّل البيت إلى بركة من المياه والطين، وغرق كل شيء، الأثاث والأغطية، وحتى الحصان وهو مصدر رزقي الوحيد”.
ويعمل سلطان على عربة يجرها حصان، يجمع الرمال والحجارة ويبيعها، ليكسب يوميا نحو 15 إلى 20 شيكلا (الدولار يعادل 3.6 شيكلات)، بالكاد تكفي لتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرته.
وبسبب غرقه بمياه السدود، أصيب الحصان بمرض أقعده عن العمل. ويقول سلطان إنه لا يمتلك المال لعلاجه وتوفير الطعام المناسب له.
ويصنف المجلس النرويجي للاجئين 21 ألفا و500 وحدة سكنية في غزة أنها دون المستوى ولا تلبي الحد الأدنى من متطلبات مساحة المعيشة، وتفتقر إلى الحماية من الطقس وكذلك إلى مرافق النظافة والخصوصية، وتتطلب درجات مختلفة من إعادة التأهيل.
ويقدّر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني متوسط عدد أفراد الأسرة في غزة بـ5.8 أفراد، وذلك يعني أن هناك ما يقرب من 120 ألف شخص يعيشون في منازل غير محمية في غزة.
وقال اليازجي للجزيرة نت إن المجلس النرويجي للاجئين يدعم العائلات في غزة من خلال أعمال إصلاح المنازل، بالإضافة إلى تقديم مساعدة نقدية حيوية تتيح للعائلات شراء الاحتياجات الضرورية مثل الطعام والوقود.
وفي فلسطين يعمل المجلس النرويجي للاجئين على تقديم الدعم الإنساني وتعزيز احترام القانون الدولي في إحدى أصعب أزمات النزوح في التاريخ المعاصر، حسب اليازجي الذي أضاف أن عمل المجلس النرويجي للاجئين “يتضمن التدخلات الطارئة، والتعليم، والمساعدة القانونية والحماية، والإسكان والماء والصحة البيئية”.