الاخبار العاجلةسياسة

اتهامات بـ”تقاعس” حكومي.. هل تنجح مصر في القضاء على “مافيا” الأسعار؟

القاهرة- وسط تحذيرات متكررة مؤخرا من وجود ما وصفها البعض “بمافيا” المحتكرين في الأسواق المصرية تتحدى الرقابة الحكومية وتعطّل أجهزة الدولة وتشعل الأسعار؛ يتساءل مراقبون عن قدرة الأجهزة التنفيذية والرقابية على مواجهتها وأداء دورها في ظل أزمة اقتصادية عميقة.

وقال الإعلامي -المحسوب على الدولة- نشأت الديهي إن ارتفاعات الأسعار الأخيرة “مفتعلة بصورة مقصودة، وربما يكون هذا الأمر مخططا، وهناك مافيا تحاول عرقلة الدولة”. في المقابل، يرى مسؤول أسبق بوزارة التموين المصرية تحدث للجزيرة نت أن “المافيا” عادت بقوة كما كانت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، مؤكدا أن للوزارة تجربة ناجحة في مواجهة تلك “المافيا” عام 2012.

وانقسمت الآراء حول تكوينات تلك “المافيا”؛ فبينما يرى البعض أنها “مجموعات معادية للدولة”، يرجّح مراقب سياسي في حديث خاص احتمالية وجود “مراكز قوى جديدة” داخل الدولة تعرقل أدوات الرقابة على الأسواق المصرية، داعيا لتحقيق رقابي. ويرى اتجاه ثالث أنهم “كبار التجار الجشعون فحسب”.

السلاسل التجارية تحاول جذب الجمهور رغم ارتفاع الأسعار بعروض مخفضة 3- صورة خاصة من المراسل
محاولات لجذب الجمهور بعروض مخفضة رغم ارتفاع الأسعار (الجزيرة)

تفعيل المواجهة

وتتحرك الحكومة المصرية في هذا الملف على عدة مسارات، منها ما يلي:

  • تدشين مشروع قومي: فقد أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في 12 فبراير/شباط الجاري بدء “المشروع القومي للمستودعات الإستراتيجية للسلع الأساسية”، الذي تقرر تنفيذه بعدة محافظات بهدف تخزين السلع الأساسية من خلال وزارة التموين والتجارة الداخلية من أجل تعزيز الأمن الغذائي بالبلاد.
  • توفير البدائل: إذ وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتوسع في إقامة المعارض والمنافذ الثابتة والمتحركة لتوفير السلع الغذائية للمواطنين بأسعار مخفضة تصل إلى 30% وبجودة مناسبة، وبدأت مبكرا معارض “أهلا رمضان” التي وصلت حاليا إلى 341 معرضا في أرجاء مصر.
  • تفعيل السبل الرقابية: تمتلك الحكومة المصرية عددا من الأجهزة الرقابية لمواجهة المحتكرين والمغالين في الأسعار، ومن أبرزها: جهاز حماية المنافسة، وجهاز حماية المستهلك، والإدارة العامة لشرطة التموين التي تقوم بحملات متواصلة لكنها ما تزال غير كافية، وفق المراقبين.
  • تحفيز الوازع الديني: فقد كثفت وزارة الأوقاف بالتعاون مع الأزهر مؤخرا نشاط الدعاة التابعين لهما في الحديث عن حرمة استغلال الأزمات والمغالاة في الأسعار والاحتكار.

“حيتان” جديدة

من جانبه، يرى عبد التواب بركات مستشار وزير التموين المصري الأسبق عام 2012، والأستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية بالقاهرة؛ أن مصر عادت إلى حقبة ما قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، عندما كانت لكل سلعة مجموعة “حيتان” معدودة على أصابع اليد الواحدة، ومرتبطة بعلاقات سياسية مع النظام الحاكم، وتحتكر كل شيء، مما أوجد “مافيا” لعدد من السلع؛ كالقمح والسكر.

ويقول بركات للجزيرة نت إن “الحكومة الحالية تستخدم أذرعها الإعلامية التي تحاول “تعليق” الفشل في توفير السلع الأساسية وضبط الأسعار على شماعة الحرب في أوكرانيا تارة وجائحة كورونا تارة أخرى، إلى جانب جشع التجار، ومؤخرا “المافيا”. ويضيف “الحقيقة أن المافيا موجودة داخلها”.

ويوضح بركات أن شركات الدولة -وتحديدا المحسوبة على المؤسسة العسكرية- هي التي تتحكم في كل شيء، وتسيطر على استيراد القمح والسكر وزيت الطعام وحليب الأطفال واللحوم المجمدة والدواجن المجمدة والأسماك.

وبالتالي، يقول المستشار السابق إن هذه المؤسسات “هي التي يجب أن تُسأل عن كل شيء ليعرف المصريون كيف تم السماح بإنتاج “مافيا” الاحتكار والفساد التي كانت موجودة في عهد الرئيس الأسبق مبارك، ومن الذي يسمح الآن بخلق أزمات عديدة في الأرز والسكر واللحوم المجمدة وزيت الطعام وعلف الدواجن؟”

وتساءل الأكاديمي المصري، الذي عمل في الدولة لمدة عام: كيف يتم السماح باستيراد دواجن مجمدة حاليا رغم أن قانون حماية صناعة الدواجن يمنع ذلك؟ وكيف يتم شراء الأرز من المزارعين بأسعار بخسة لا تتجاوز 6850 جنيها للطن وبنظام التوريد الجبري، ثم بيعه للمستهلك بسعر مرتفع أو تصديره إلى ليبيا ودول الخليج رغم قرار يمنع تصديره.

اقرأ ايضاً
لوبوان: تولكاتشيف.. الرجل الذي باع الاتحاد السوفياتي لأميركا

وقال إن هذه السياسة حولت مصر من دولة مكتفية ذاتيا إلى مستوردة، وتسببت في ارتفاع السعر مؤخرا إلى 25 جنيها واختفاء الأرز من الأسواق. وتساءل: هل اتهام النظام الفلاحين والتجار بافتعال الأزمة محاولة للتغطية على أشياء أخرى تحدث خلف الستار؟”

وحول تجربتهم عام 2012، في مواجهة “المافيا”، قال بركات “انتهج الرئيس الراحل محمد مرسي سياسة تمكين المزارعين من الوصول للأسواق وشراء القمح والأرز والقطن والقصب وبنجر السكر بأسعار مجزية، وأوقف مافيا الاحتكار والفساد، وقرر شراء اللحوم الحيّة من السودان عبر هيئة السلع التموينية بسعر 30 جنيها وطرحها للمستهلك بسعر 31 جنيها، وأوقف مافيا اللحوم، وقرر شراء القمح من المزارعين بأعلى من السعر العالمي فزاد الإنتاج المحلي وتوقّفت مافيا القمح حتى منتصف 2013”.

ووفق بركات، فإن وزارة التموين عام 2012 قامت بشراء الأرز مباشرة من الفلاحين بسعر 2050 جنيها للطن، وهو أعلى من السعر الذي فرضه التجار بـ700 جنيه، ثم طرحته للمواطن بسعر 1.5 جنيه، وبالتالي ربح الفلاح، ولم يعان المواطن من الغلاء.

زيوت الطعام تشهد ارتفاعا كبيرا في الأسعار في الفترات الاخيرة بمصر - الصورة خاصة من المراسل
زيوت الطعام تشهد ارتفاعا كبيرا في الأسعار مؤخرا في مصر (الجزيرة)

احتكار كبير

من جهته، يقول السياسي والنقابي أحمد رامي الحوفي إن المشهد الحالي يحكمه مؤشران:

  • أولهما: غياب الإرادة السياسية للسلطة عن مواجهة ما يوصف إعلاميا “بالمافيا” أو “المحتكرين”، مضيفا أن الدولة لو أرادت البطش بهؤلاء فهي قادرة كما فعلت مع رجال أعمال آخرين لم يتورطوا في شيء مثل صفوان ثابت ونجله.
  • المؤشر الثاني -حسب الحوفي، الذي شغل منصب أمين صندوق نقابة صيادلة مصر سابقا- ظهور علامات استفهام خطيرة حول تراخي الدولة أمام المحتكرين، مما يشير إلى احتمال وجود ما وصفه بـ”مراكز قوى جديدة” تقف وراء هؤلاء من داخل الدولة، خاصة أنه لا يوجد رجل أعمال يستطيع الآن تحديها خوفا من السجن.

وتساءل الحوفي: “أين هيئة الرقابة الإدارية وكل جهات الرقابة من كل ذلك الغلاء الممنهج؟ وهل يوجد فعلا من يغلّ يد الأجهزة المترهلة في الأساس عن ملاحقة المحتكرين؟”

وكشف محمود العسقلاني رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك” (مجتمع مدني) عن وجود ما وصفه بـ”كارتيل (ميثاق) احتكاري كبير يتحكم في الأسعار بمصر”، مؤكدا أهمية بدء التحقيق وملاحقته.

واتهم العسقلاني -في بيان صحفي قبل أيام- من وصفهم بـ”كبار التجار” بإحداث الأزمة، قائلا “لا يمكن ضبط سوق الأرز الاحتكارية في ظل وجود كارتيل احتكاري كبير يتلقى تعليمات وأسعار بالرفع والخفض وحجب السلعة وتعطيش السوق في ظل ضعف الرقابة وقلة عدد مفتشي التموين”.

الأمن السياسي على حساب الاقتصاد

من جانبه، يوضح مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي -في حديث للجزيرة نت- أن الحل يكمن في وقف الاهتمام بالأمن السياسي على حساب الأمن الاقتصادي.

وطالب بيومي بفتح المجال العام لإحداث انفراجة سياسية سريعة، بالتوازي مع إطلاق الحريات الإعلامية، وإعادة الاعتبار للنقابات المهنية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، لإحداث توازن في المجتمع يستطيع مواجهة “المافيا” المنتشرة التي نجحت في “ليّ ذراع الدولة” مرات عديدة بسبب فشل الحكومة في ردع الفساد.

ويشدد بيومي على أهمية تعديل قانون “الكسب غير المشروع” ليستطيع مواجهة الثراء المتوقع للبعض في ظل ما هو مرصود من تمدد قوة المحتكرين وغياب أجهزة الرقابة الحكومية عن أداء دورها، مما يهدد نظم مكافحة الفساد أو محاولات إرساء قيم النزاهة والشفافية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى