الاخبار العاجلةسياسة

الصين أولا.. لماذا لم تغير حرب أوكرانيا أولوية الاستخبارات الأميركية؟

واشنطن – أكثر من عام على الحرب الروسية في أوكرانيا والتي تسببت في حالة من عدم الاستقرار الإستراتيجي في أوروبا، بما يهدد مصالح واشنطن التاريخية مع شركائها في حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، رغم ذلك فإن وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” (CIA) تؤمن بأن الخطر الصيني لا يزال على رأس أولوياتها.

ولم تغير الحرب في أوكرانيا وزيادة التهديدات الصادرة من موسكو من تركيز المجمع الاستخباراتي الأميركي على الصين، وصعودها وتهديداتها.

كما لا يجتمع الحزبان الرئيسيان الجمهوري والديمقراطي على أهداف مشتركة في الوقت الراهن إلا على الاتفاق على ضرورة مواجهة الصين، وتوفير كل الموارد اللازمة لذلك.

وعلى الرغم من توتر علاقتهما، فإن حجم التبادل التجاري بين الدولتين بلغ 691 مليار دولار عام 2022، منها 537 مليار دولار صادرات صينية مقابل 154 مليار دولار صادرات أميركية.

ومع ذلك، يمكن للدولتين الوقوع في فخ الانزلاق لحرب لا يرغبان في خوضها بسبب سوء التقدير في بكين أو واشنطن، أو تشكيكهما في رد الطرف الآخر على الاستفزازات العسكرية في المناطق المتنازع عليها، مثل بحر جنوب الصين أو العدوان الصريح ضد تايوان، وهو ما تدعي الاستخبارات الأميركية العمل على تجنبه.

مركز استخباراتي لمراقبة الصين

في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز إنشاء وحدة متخصصة في قضايا الصين تعرف اختصارا باسم “سي إم سي” (CMC)، موضحا أن الوحدة “تهدف إلى تعزيز عمل الوكالة الجماعي بشأن أهم تهديد جيوسياسي تواجهه أميركا في القرن الـ21، أي حكومة صينية متزايدة العداوة”.

وتعد هذه المرة الأولى في تاريخ الوكالة التي تؤسس فيها وحدة متخصصة لدولة واحدة، حيث تتبع الوكالة نظام التقسيم الجغرافي لأقاليم العالم على شاكلة شرق آسيا، أو الشرق الأوسط، ولم يتغير هذا النظام حتى في أوج الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي سابقا. ويعكس الاستثناء فيما يخص الصين قلقا متزايدا في واشنطن من تبعات صعود بكين وتزايد احتمالات المواجهة المستقبلية بينهما.

ويعطي بيرنز الأولوية لعمل الوكالة المتعلق بالصين، وخلق فريق جديد عبر عدة إدارات بالوكالة، ويقود حملة توظيف للمتحدثين باللغة الصينية وعدد من لهجاتها المحلية، إضافة لخبراء في الشؤون الصينية بصفة عامة. ولا يزال بيرنز يحضر اجتماعا أسبوعيا مع وحدة الصين الجديدة.

ودفع ذلك بمدير السي آي إيه ليصبح رأس الحربة في فريق الأمن القومي الأميركي المعني بمواجهة الصين، وآلت إليه مهمة الحديث عن التطورات فيما يتعلق بالمخاطر الصينية.

آليات المواجهة

تركز الاستخبارات الأميركية جهودها على الصين من خلال عدة آليات، يأتي على رأسها “تحالف العيون الخمس الاستخباراتي” المكون من بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا والولايات المتحدة.

ومنذ وصول الرئيس جو بايدن للحكم قبل عامين، تم تفعيل التحالف الرباعي “كواد” (Quad) مع اليابان والهند وأستراليا، والتحالف الثلاثي “أوكوس” (AUKUS) مع بريطانيا وأستراليا، وتهدف كلها لاحتواء مخاصر الصعود الصيني.

ووصفت وكالة الاستخبارات المركزية الصين بأنها “منافس رئيسي”، لكنها أكدت أن “التهديد يأتي من الحكومة الصينية وليس من شعبها”، ووضعت إدارة بايدن الصين في قلب أجندة سياستها الخارجية، وكشفت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي أن الولايات المتحدة والصين في “منافسة من أجل الفوز بالقرن الـ21”.

اقرأ ايضاً
شاهد.. السودانيون يحرقون العلم الإسرائيلي رفضا للتطبيع

في الوقت ذاته، وصلت العلاقات الأميركية الصينية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود إثر إسقاط واشنطن منطاد التجسس الصيني من ناحية، ومن ناحية أخرى نشر الاستخبارات الأميركية تقديراتها عن نية الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة موسكو ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين قريبا.

السلوك الصيني

في ظهوره التلفزيوني المتكرر مؤخرا، ذكر بيرنز أن الصين لديها شكوك حول قدرتها على غزو تايوان، إلا أن بيرنز قال إنه لا يزال من المهم أخذ التهديد الذي تتعرض له الجزيرة على محمل الجد.

ويضيف بيرنز أن القيادة الصينية “صُدمت بالمقاومة الأوكرانية الشرسة للغزو الروسي، وبالثمن الاقتصادي الذي تدفعه روسيا”، ويبدو من المرجح أن تكون انتكاسات الرئيس بوتين خلال غزو أوكرانيا قد أثرت على حسابات بكين.

كما ذكر بيرنز سابقا أن الرئيس الصيني قد أصدر تعليمات للقيادات العسكرية بأن تكون جاهزة بحلول عام 2027 لغزو تايوان، لكن هذا لا يعني أنه قرر الغزو في عام 2027 أو أي عام آخر أيضا.

تضرر صورة الصين في الغرب

يعتقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية أن الصين تشعر بضرورة إصلاح صورتها التي تضررت بشدة في الغرب -خاصة مع الشركاء التجاريين الرئيسيين في أوروبا- من خلال إظهار جهودها لحث موسكو على التوصل إلى تسوية سياسية للحرب. وركزت الجهود الصينية مؤخرا على إعلام العواصم الغربية بأن بكين تقف بحزم ضد استخدام الأسلحة النووية من قبل روسيا.

لكنّ كشفَ الاستخبارات الأميركية عن تفكير بكين في مد موسكو بأسلحة تسبب في حملة غربية ضد أي خطوة صينية مستقبلية في هذا الاتجاه. وتحدث أركان إدارة بايدن عن احتمال رفع السرية عن بعض المعلومات الاستخباراتية، التي ساعدتهم للوصول إلى هذه الاستنتاجات، حتى يتمكنوا من مشاركتها مع الحكومات الحليفة والرأي العام العالمي.

وذكر وزير الخارجية توني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين أن أي قرار صيني بتقديم أسلحة لروسيا سيدفع لفرض عقوبات غربية على مسؤولي الحكومة الصينية وشركات وبنوك مختلفة. وهاجم بلينكن بكين لعدم إدانتها الغزو الروسي حتى بعد مرور عام على وقوعه، قائلا “إنها من ناحية تحاول تقديم نفسها علنا على أنها محايدة وتسعى إلى السلام، ومن ناحية أخرى تكرر في الوقت نفسه رواية روسيا الكاذبة عن الحرب”.

على الجانب الآخر، تنتقد الصين تقديم أميركا وحلفائها الغربيين شحنات أسلحة ضخمة لأوكرانيا، وتنفي وجود أي خطط لإرسال أسلحة إلى روسيا.

الرؤية الصينية للعالم

تؤمن الاستخبارات الأميركية بأن الصين تشارك روسيا في الرغبة في رؤية عالم يدار ليس على أساس ما تسميه واشنطن “القيم العالمية”، ولكن على أساس المصالح الأمنية للدول الكبرى. وعلى الرغم من غياب الدعم العسكري الصيني لروسيا، تعتقد الصين أن الغزو الروسي يعزز هذه النظرة المشتركة للعالم.

وتذهب تقديرات الاستخبارات الأميركية إلى أن الصين لا تريد أن يدفع بوتين أي ثمن لغزوه، خشية أن يعيد ذلك تأكيد أهمية النظام القائم على القواعد الذي تسعى إلى كسره.

أخيرا، لا تسعى واشنطن ولا بكين إلى صراع عسكري مع الآخر حيث ستكون نتائجه بلا شك كارثية على العالم كله.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى