إجراءات نقل اللاجئين الأفغان في بريطانيا تعصف بمصير أبنائهم التعليمي
لندن- منذ حوالي عام ونصف العام هبطت طائرات من كابل إلى برمنغهام في بريطانيا، لتحمل أحلام فتاتين أفغانيتين بالتعليم وبحياة أفضل لهما ولعائلتيهما، لكنهما تواجهان الآن إجراءات تفرضها السلطات البريطانية للانتقال من سكنهما قبل أسابيع قليلة من موعد امتحاناتهما النهائية، ما سيعصف بمسيرتهما التعليمية كاملة.
وقبل أسابيع، تلقت عائلتا الفتاتين اللتين فضلتا عدم نشر اسميهما، إخطارا مفاجئا من بلدية برمنغهام بإخلاء مسكنهما المؤقت في فندق “أيبيس” بأطراف العاصمة لندن، والانتقال إلى مناطق أخرى حتى نهاية مارس/آذار الجاري.
والطالبتان من بين 22 طالبا وطالبة أفغانيين تمكّنوا من الالتحاق بإحدى المدارس الأكاديمية القريبة من مكان إقامتهم بالفندق، وبات مستقبلهم التعليمي مهددا بسبب إخطارات الإخلاء والنقل.
وتقول عائلاتهم إن النقل ليس المشكلة الرئيسية، ولكن توقيته المتزامن مع امتحانات الثانوية (GSCE) النهائية، والمقرر عقدها ابتداءً من 15 مايو/أيار المقبل، يهدد باضطراب أكاديمي حاد لهم، ويمنعهم بالتأكيد من التقدم للامتحان بسبب طول إجراءات النقل لمدارس أخرى، واختلاف أنظمة ومناهج المدارس أيضا.
من كابل إلى برمنغهام
وصلت عائلات هؤلاء الطلبة إلى مدينة برمنغهام (وسط البلاد) في أغسطس/آب 2021، أي بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان مباشرة.
وتم احتجاز العائلات في الحجر الصحي بسبب وباء كورونا حينها، ثم نقلت إلى فندق “أيبيس” في أطراف لندن، واستمرت إقامتهم فيه حتى اليوم، بما سمح لأبنائهم وبناتهم بالالتحاق بأكاديمية “فولهام كروس” (Fulham Cross Academy) التعليمية والتي تبعد 20 دقيقة سيرا على الأقدام من الفندق.
ويشغل اللاجئون الأفغان طابقين كاملين مكتظين من الفندق، ويصل عدد أفراد العائلة الواحدة منهم أحيانا إلى 9 أفراد. ولم يكن من السهل عليهم الحصول على منازل مستقلة في أنحاء البلاد التي تعاني من أزمة سكن غير مسبوقة، وتحتاج إلى ما يقرب من 654 ألف وحدة سكنية جديدة.
وتلجأ البلديات والإدارات المسؤولة عن إيواء المشردين واللاجئين إلى إسكانهم في فنادق بعقود طويلة الأجل، ولكنها باتت توجه للاجئين الأفغان إخطارات بالإخلاء أو النقل إلى أماكن أخرى بعضها خارج العاصمة لندن.
تطور نفسي وأكاديمي
وكانت الحكومة البريطانية قد قدمت منحة مالية لدعم أكاديمية “فولهام كروس” التعليمية في برامجها المكثفة للفتيات اللواتي يطلبن رعاية نفسية وتعليمية إضافية عن أقرانهن.
وأشارت الدكتورة مها عبد الرحمن مساعد المدير بالأكاديمية إلى التطور المهم الذي طرأ على شخصيات الفتيات الأفغانيات منذ وصولهن وحتى اليوم؛ من فتيات خجولات إلى قائدات لمجتمعهن.
وهذا بالإضافة إلى التقدم الأكاديمي الملحوظ، إذ تتوقع إدارة الأكاديمية أن يجتزن الاختبارات ويلتحقن بالجامعة، إذ تسعى إحداهن لدراسة الهندسة وأخرى لطب الأسنان، “إن سُمح لهن بخوض الاختبارات في موعدها”.
تكريم متزامن مع الترحيل
وأشارت مديرة الأكاديمية لورا جراينجر، إلى وجود 15 فتاة أفغانية إلى جانب 7 طلاب من جنسيتهن يواجهون التهديد نفسه بسبب إجراءات نقل عائلاتهم إلى مناطق أخرى.
وتابعت “حقق الطلاب الأفغان إنجازات أكاديمية عدة خلال فترة وجودهم في أكاديمية “فولهام كروس”، ليس على مستوى المنطقة التعليمية فحسب ولكن على مستوى البلدية”.
أحد هؤلاء الطلبة هو مرتجى مخلص الذي ينتظر تكريمه هذا الأسبوع من البلدية على تفوقه الاستثنائي، أي قبل أيام من موعد نقله لمدينة أخرى دون تأمين تعليمه مع إدراجه في قائمة انتظار للالتحاق بمدرسة في مدينته الجديدة.
وتتعرض شقيقتا مرتجى لنفس المصير حيث يهددهما النقل بالحرمان من الدراسة بعد حصولهما على شهادات تفوق، وتواجهان خطر الإبعاد عن التعليم لمدة قد تتجاوز الـ20 أسبوعا بحسب متوسط قوائم الانتظار بالمدن التي سيتم نقلهما إليها.
وقالت المديرة المشاركة للأكاديمية فيكتوريا تولي، إنّ الأزمة لا تكمن في الاختبارات فحسب، ولكن المناهج تختلف من مدينة لأخرى. وتحتاج العائلات وأبناؤها مدة طويلة للتكيف مع مجتمعهم الجديد.
وتقول “ربما لو تم الإخطار بالنقل أو الإخلاء في سبتمبر/أيلول لكان الأمر مقبولا أكاديميا، ولكن ما جرى يعني أنه لم يتم الأخذ في الاعتبار ظروف الطالبات والطلاب وتأثير نقلهم على دراستهم وصحتهم النفسية واستقرارهم الأسري”.
لا حلول قريبة
تواصلت الجزيرة نت مع عدة مسؤولين للاطلاع على أي حلّ مرتقب، لكن يبدو أن الأزمة شديدة التعقيد؛ فالنقل الجديد المقرر لعائلات طلاب هذه الأكاديمية هو نقل لفنادق أخرى مؤقتة ومتفرقة وبعيدة عن بعضها.
وأكدت إدارة الأكاديمية أن وجود الطلاب الأفغان في مجموعة واحدة أسهم بشكل كبير في دعمهم النفسي والأكاديمي، حيث استطاع هؤلاء مساندة بعضهم وكل من يأتي من أقرانهم من طلاب وطالبات جدد، وتسهيل تعليمهم اللغة الإنجليزية من خلال الاندماج بينهم.
وتفريق الطلاب في مدارس ومناطق مختلفة سيلحق الضرر بهم، رغم أن هذا ليس أكبر مخاوف إدارة الأكاديمية؛ حيث شهدت هذه المنطقة التعليمية حالة نقل عصفت بمصير أحد الطلبة الأفغان وهددت التحاقه الجامعي بعد تخطيه السن القانونية لاجتياز امتحان الثانوية الذي تأجل تقدمه له بسبب نقل عائلته من مكان لآخر. وهو المصير الذي تخشى إدارة الأكاديمية والعائلات من تكراره مع 22 طالبا جديدا.
ووجّه العديد من اللاجئين الأفغان انتقادات بخصوص عدم تعرض اللاجئين الأوكرانيين لمثل هذه المواقف، وأوضحت فيكتوريا تولي المديرة المشاركة للأكاديمية أن قانون استقبال اللاجئين الأفغان يختلف عن مثيله للأوكرانيين والذي يشترط وجود عائلة بريطانية مضيفة لدخول البلاد، وبالتالي لا يواجه الأوكرانيون أزمة في توفير السكن مثل الأفغان الذين يقيمون في سكن تابع للمجالس المحلية.
ونقلت صحيفة الغارديان في تقرير نشر مؤخرا، عن مسؤول في وزارة الداخلية بلندن، أن بريطانيا استقبلت أكثر من 7500 أفغاني تم إجلاؤهم من بلادهم، لكن هناك نقصًا في المساكن التي توفرها السلطات المحلية. كما أن “الفنادق لا تقدم حلاً طويل الأمد”.