طرد الفلسطينيين من منازلهم يتزايد وإسرائيل تشدد سيطرتها على الضفة
لا يريد عاصم خاطر (36 عاما) أكثر من بناء سياج حول فناء منزله، لحماية أطفاله الثلاثة من السقوط أثناء اللعب في الوادي المجاور الذي لا يبعد 4 أمتار فقط من المنزل، لكنه إذا فعل ذلك، فإنه يغامر بهدم منزله المكون من طابقين بالكامل على يد الجيش الإسرائيلي في قرية برقين، غربي مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة.
وعلى مدار الـ17 عاما الماضية، منعت السلطات الإسرائيلية التي تحتل الضفة الغربية الفلسطيني “خاطر” من إجراء أي تغييرات أو إضافات على المنزل الذي انتهى من بنائه عندما كان عمره 21 عاما، على أرض خاصة ورثها بوثائق تحمل اسم والد جده الراحل.
ويشير خاطر إلى مستوطنة بروشين الإسرائيلية غير القانونية، على بعد 400 متر على التل المقابل لهم مباشرة.
هذا ما نعلمه لأطفالنا
وقال خاطر للجزيرة نت التي نشرت تقريرا عن الاستيلاء المتزايد للإسرائيليين على منازل وأراضي الفلسطينيين “يأتون إلى هنا ويستعمرون. إنهم مستعمرون وليسوا مستوطنين، هذا ما نعلِّمه لأطفالنا باستمرار”.
وذكر التقرير أنه عندما انتقل خاطر إلى منزله في عام 2007 مع عروسه دعاء، ظهر الجيش الإسرائيلي على عتبة منزلهم مع أمر “بوقف العمل”، وهو حظر على إجراء أي تغييرات على منزلهم، بحجة أن منزله بُني بدون تصريح صادر عن الجيش الإسرائيلي في “المنطقة ج”، التي تبلغ مساحتها 60% من الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية الحصرية.
مراقبة لصيقة من السلطات والمستوطنين
وأضاف أن السلطات الإسرائيلية ظلت تراقب منزل خاطر والمنطقة المحيطة به طوال 17 عاما بدوريات مستمرة وطائرات المراقبة بدون طيار، وصادرت أي أدوات بناء وهدم أي منشآت جديدة.
ويقول التقرير إن السلطات الإسرائيلية لم تكن تراقبه فحسب، بل تم تمكين المستوطنين الإسرائيليين من المستوطنات غير القانونية القريبة من مراقبته.
وتمنح الحكومة الإسرائيلية المستوطنين في الضفة الغربية حوالي 5.5 ملايين دولار سنويا لمراقبة البناء الفلسطيني في المنطقة (ج) والإبلاغ عنه وتقييده. وتُستخدم هذه الأموال لتوظيف مفتشين وشراء طائرات بدون طيار وصور جوية وأجهزة لوحية ومركبات بين أشياء أخرى.
مضاعفة ميزانية المراقبة
وورد في التقرير أنه في الرابع من أبريل/نيسان الجاري، طلبت السلطات الإسرائيلية مضاعفة هذا المبلغ في ميزانية الدولة إلى 11.1 مليون دولار.
وقال خاطر “لا يمكنك إضافة أي شيء إلى منزلك على الإطلاق، حتى الأدوات التابعة للحكومة الفلسطينية تتم مصادرتها”.
وفي يونيو/حزيران 2022، بعد 17 عاما من انتقالهما، تفاجأ الزوجان بالجيش الإسرائيلي يعود بأمر هدم وفترة سماح مدتها 3 أيام يمكنهم خلالها تقديم التماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية.
وبينما قدم خاطر الالتماس وينتظر ردا، يمكن للجيش الإسرائيلي هدم منزله في أي لحظة.
خوف دائم
وقال خاطر للجزيرة “من المفترض أن يكون المنزل هو المكان الأكثر أمانا للإنسان، لكننا نخشى باستمرار أن نستيقظ ونجدهم هنا، ننام الساعة الثالثة صباحا كل يوم ونستيقظ قبل السادسة صباحا، لأننا نتوقع أن يأتوا في وقت متأخر من الليل أو في الساعات الأولى من الصباح. هذه هي الطريقة التي نعيش بها”.
عائلة خاطر هي واحدة من بين عشرات الآلاف في المنطقة (ج) بالضفة الغربية الذين يعيشون في خوف دائم من إجبارهم على مغادرة منازلهم وأراضيهم من قبل إسرائيل.
ورصد التقرير قيام القوات الإسرائيلية بالفعل بتهجير 218 فلسطينيا قسرا من منازلهم في عمليات هدم بالمنطقة (ج) في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، وهو ما يمثل أكثر من ثلث 594 فلسطينيا نزحوا إلى هناك في عام 2022 بأكمله، وفقا لأرقام الأمم المتحدة.
تهجير قسري
وقال إن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الجديدة دفعت خططها السابقة للتهجير القسري لآلاف الفلسطينيين في منطقتي مسافر يطا والخان الأحمر في المنطقة (ج)، بالإضافة إلى زيادة هدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة.
وأوضح أن ما يقرب من 12% من السكان الفلسطينيين يعيشون في الضفة الغربية حاليا في المنطقة (ج)، أي حوالي 375 ألف نسمة. وفي حين أن 46% على الأقل من هذه المنطقة تتكون من أراض فلسطينية خاصة، فإن أقل من 1% يمكن الوصول إليها من قبل الفلسطينيين، ومعظمها مبني بالفعل عليها.
والمنطقة (ج) هي منطقة ريفية إلى حد كبير وتضم الأرض الوحيدة المتبقية للتوسع والتنمية الفلسطينية. كما أنها الجزء الوحيد المتاخم للضفة الغربية.
تحويل الضفة إلى 165 جيبا
إن وجود المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، والجدار الفاصل، ومئات من نقاط التفتيش والقواعد العسكرية، حوّل الضفة الغربية إلى 165 “جيبا” فلسطينيا غير متصلة تعاني من الضغط الشديد للمستوطنات والقيود الشديدة على الحركة.
وفي الوقت نفسه، يقول التقرير، يتم استخدام أكثر من 70% من المنطقة (ج)، حوالي 44% من الضفة الغربية، للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية ومناطق إطلاق النار العسكرية، من بين مناطق محظورة أخرى.
وسعت الحكومة الإسرائيلية إلى ضم المنطقة رسميا بعد أن شيدت مئات المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية منذ عام 1967، والتي تم بناء معظمها إما كليا أو جزئيا على أراض فلسطينية خاصة، وهي الآن موطن لحوالي 700 ألف مستوطن إسرائيلي.
وتعد المستوطنات انتهاكا للقانون الدولي وتعمل على منع إقامة أي دولة فلسطينية محتملة على الأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
إجبارهم على التقهقر
ويستمر التقرير ليقول إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة كثفت بشكل ملحوظ إنفاذ أوامر الهدم في المنطقة (ج)، مما تسبب في ذعر السكان، والجيش الإسرائيلي ليس هو الطرف الوحيد الذي يضايق الفلسطينيين في هذه المنطقة.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كان الجيش الإسرائيلي يشغّل خطا ساخنا يسميه “غرفة الحرب ج” للمستوطنين للاتصال والإبلاغ عن أعمال البناء الفلسطينية في المنطقة.
واختتم التقرير بالقول إن “إسرائيل تريد إجبار الفلسطينيين على التقهقر إلى أصغر مساحة ممكنة من الأرض وإخراجهم من بلادهم. هذا كل شيء”.