لوبوان: ماكرون وبوتين.. خداع وكذب وهواتف
قالت مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية إن التقارب الفرنسي الروسي تحطم على جدار الحرب في أوكرانيا، خاصة أن الرئيس إيمانويل ماكرون “أظهر سذاجة كبيرة” عندما راهن على علاقته الشخصية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأصيب في النهاية بخيبة أمل قاسية “بعد فشله في إقناع صديقه بالتخلي عن خطط غزوه لأوكرانيا”.
واستعادت المجلة -في مقال بقلم جوليان بيرون- ذلك اليوم الذي بعث فيه يوري أوشاكوف، المستشار الدبلوماسي لفلاديمير بوتين، إلى الفرنسيين رسالة يقول فيها إن رئيسه يود التحدث إلى نظيره الفرنسي، وذلك قبل 3 أيام من بدء الحرب، في خطوة غير عادية، لأن التوتر كان قد تصاعد في أوكرانيا وبدأت أجهزة المخابرات الأميركية تتحدث عن هجوم روسي بري وشيك، هذا بالإضافة إلى أن باريس كانت، في العادة، هي التي تطلب إجراء محادثات مع موسكو وليس العكس.
وتفاجأ الفرنسيون بهذا الطلب كثيرا لأن المفاوضات بين الرئيسين تواصلت حتى وقت متأخر من مساء اليوم السابق، وانتهت بعد ماراثون هاتفي بين موسكو وواشنطن وبرلين ولندن، تمكن خلاله ماكرون من إقناع بوتين بفكرة الاجتماع مع الرئيس الأميركي جو بايدن، معتقدا أنه لا يزال من الممكن تجنب الحرب.
ولكن بوتين قال يومها لنظيره الفرنسي: “إيمانويل.. أردت أن أحذرك من أنني على وشك الاعتراف باستقلال جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية”، مما أثار دهشة الحاضرين الذين تيقنوا أن الحرب كانت حتمية.
خيبة الأمل
وبعد مرور أكثر من عام على المكالمة، لا يزال أحد مستشاري الرئيس الفرنسي يتساءل عما كان بوتين ينويه في أثناء مفاوضات ما قبل الحرب، ولماذا وافق على التفاوض على تفاصيل مقابلة محتملة مع بايدن؟ إلا إذا كان يريد تضييع الوقت، مما أفشل جهود فرنسا وخيب أمل ماكرون، كما يرى بيير فيمون، الممثل الخاص لماكرون لدى روسيا.
قبل الحرب والابتعاد عن روسيا، أقام الرئيسان علاقة ودية، رغم أن ماكرون لم يكن المرشح المفضل للكرملين الذي كان يفضل مارين لوبان أو فرانسوا فيون المعروفين بتناغمهما مع روسيا، ومع ذلك استمر التقارب بينهما ووصل ذروته عام 2019، عندما دعا الرئيس الفرنسي وزوجته فلاديمير بوتين إلى بريغانسون لتناول العشاء على شرفة الحصن، وكانت الأجواء دافئة والمحادثة مفعمة بالحيوية.
بعد أيام من مأدبة الاحتفال، أعرب ماكرون عن رغبته في التقارب مع روسيا خلال كلمة ألقاها أمام السفراء الفرنسيين في باريس، وقال إن إبعاد روسيا عن أوروبا سيكون خطأ كبيرا، ملمحا إلى خوفه من تركها لتكون حليفا للصين، وأضاف -أمام جمهور مذهول- أن “لدينا دولتنا العميقة، وأنا أعلم أن كثيرين منكم لا يثقون بروسيا”، ملمحا إلى ما يعرف عن الخارجية الفرنسية من كراهية للروس.
التفاوض في الوضع الحالي سيكون غير مواتٍ للغربيين. يجب إيجاد توازن للقوى على المستوى العسكري من أجل جعل موسكو تدرك الحاجة إلى الحوار
كوفيد-19 يحبط خطط بوتين
ومع أن الدبلوماسيين استقبلوا الخطاب بهدوء، فإن بعضهم حاول التحذير من لعبة الكرملين المزدوجة، لكن ساكن قصر الإليزيه استمر في طريقه، ووافق الرئيس الفرنسي على حضور موكب التاسع من مايو/أيار 2020 في موسكو، بمناسبة الذكرى 75 لانتصار روسيا (الاتحاد السوفياتي) على ألمانيا النازية.
وكان الكرملين وقتها -حسب كاتب التقرير- يستعد بعناية لهذا الحدث الذي يشير إلى عودة روسيا إلى مصاف القوى العظمى، ولكن وباء كوفيد-19 أحبط خطط بوتين، ليستعرض قواته أمام مدرج من دون شخصيات أجنبية، بعد أن كان قد دعا الرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب بالإضافة إلى ماكرون، وكان يحلم باحتفال كبير لإقناع الغربيين.
وبعد آخر لقاء جمع الرئيسين في موسكو وبينهما طاولة طويلة، قال ماكرون لمرافقيه على متن الطائرة التي أعادته إلى فرنسا إن “الرجل الذي قابلته ليس هو الشخص الذي أعرفه”، ومع ذلك بذل قصارى جهده للبقاء على اتصال معه، حتى إنه تولى دور الوسيط بين بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد إعلان الحرب، وتمكن من انتزاع بعض التنازلات، خاصة في ما يتعلق بشحنات الحبوب وأمن محطة زاباروجيا للطاقة النووية.
ولكن الروابط بين الرئيسين كُسرت، ليقول ماكرون في قمة دولية فبراير/شباط الماضي إن “الوقت ليس للحوار”، ليعلق بيير فيمونت بالقول إن “التفاوض في الوضع الحالي سيكون غير مواتٍ للغربيين. يجب إيجاد توازن للقوى على المستوى العسكري من أجل جعل موسكو تدرك الحاجة إلى الحوار”.