الاخبار العاجلةسياسة

النوم 3 ساعات والتناوب لصلاة التراويح.. الجزيرة نت تزور مواقع المرابطين في مخيم جنين

جنين- فيما يشدو الإمام بالقرآن في صلاة التراويح، يتفحص مقاتل من كتيبة جنين سلاحه بيده اليمني، مستندا بظهره على جدار إسمنتي وأمامه مجموعة من أكياس الرمل التي تشكل ساترا أماميا، وذلك عند مدخل مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية.

ينتظر المقاتل “أبو محمد” زملاءه ليخرجوا من المسجد ويستلموا مكانه في الرباط، ليستطيع اللحاق بما تبقى من صلاة التراويح، موضحا تقسيم نهار رمضان بين المقاتلين في شوارع المخيم، حيث يبدأ باكرا بقراءة القرآن ثم صلاة الفجر، وبعدها تبدأ مناوبات الحراسة حتى موعد الإفطار.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول أبو محمد “حياتنا ليست طبيعية، نقضي أيامنا على الثغور وفي الحراسات والرباط. أوقاتنا مليئة، وكل أوقاتنا تمر في الرباط، لا يوجد لدينا وقت فراغ أبدا”.

تزدحم ساحة المخيم المضاءة ليلا بالشبان، حيث تعتبر متنفس شباب المخيم في ليالي رمضان، وعلى أطراف المخيم ومداخله يرابط المقاتلون حتى الفجر، تحسبا لأي اقتحام من القوات الخاصة في جيش الاحتلال الإسرائيلي.

يقول هؤلاء المقاومون إن حياتهم في رمضان تغيّرت منذ العام الماضي، حيث تقتصر على العبادات والرباط، لذلك فأوقاتهم محدودة وأماكن وجودهم أيضا، إذ لا يمكنهم التنقل بحرية حتى داخل المخيم، والخروج من المخيم شبه مستحيل.

يقول أبو محمد “حياتنا الاجتماعية متوقفة تماماً، وتحركاتنا حتى داخل المخيم مقرونة بالوضع الأمني، فالانتقال من حارة إلى حارة مرهون بدرجة الأمان في هذا الانتقال، حتى التواجد في المسجد لأداء صلاة التراويح لا يتوفر يوميا، نحن كمجاهدين نحاول حماية أنفسنا، ولكن في الدرجة الأولى نهتم بحماية أهالي المخيم”.

ويرى أن وجود المجاهدين في المساجد قد يعرض المصلين للخطر أيضا، لذا يحاول مقاتلو كتيبة جنين التناوب على صلاة التراويح وفق ما تقتضيه ظروفهم الأمنية، لضمان عدم مباغتة قوات الاحتلال المخيم في أوقات انشغال المقاومين وغفلتهم.

فلسطين 17-نيسان 2023 مخيم جنين - الجزيرة نت مقاوم من كتيبة جنين خلال رباطة في المخيم ويرفع إشار السبابة
يبدأ يوم المرابطين في جنين خلال رمضان مبكرا بقراءة القرآن ثم صلاة الفجر وبعدها تبدأ مناوبات الحراسة حتى الإفطار (الجزيرة)

رمضان.. رباط وعبادة

ليلة أمس الموافقة للسابع والعشرين من رمضان، أدى المقاومون صلاة التهجد في المسجد وقرؤوا القرآن، واستدعى ذلك زيادة في الترتيبات الأمنية داخل المخيم وعلى محيط المسجد.

يتلقى أبو محمد بعد خروجه من المسجد إشارة على جهاز اللاسلكي، يطلب منه العودة إلى مكانه في الرباط، ومراقبة سيارة بيضاء تمرّ بالقرب من مدخل المخيم الجنوبي باتجاه مركز مدينة جنين.

يتحرك أبو محمد مسرعا للعودة إلى موقعه على خط الرباط، فيما يستمر خروج المقاومين من المسجد، وبحركة سريعة ومنظمة يعودون إلى مواقعهم، وتستمر ليلة أخرى في المراقبة والحماية.

وتختلف تفاصيل أيام وليالي رمضان هذا العام عن سابقاتها، بسبب اقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة وعمليات الاغتيال التي تقوم بها لشباب المخيم، فقد اختفت تقريبا ليالي السمر في حواري المخيم وبين شبابه، وقلّت حركة المارة في الشوارع، وغابت بهجة رمضان والاحتفالات بقرب عيد الفطر.

المخيم في حالة تأهب دائمة، خصوصا في ساعات الليل، وهو الوقت الذي اعتاد الأهالي في سنوات سابقة استغلاله لقضاء أوقاتهم في سوق المدينة لشراء حاجياتهم والتحضر للعيد.

يقول أبو محمد “تقريبا كل بيت من بيوت المخيم يوجد فيه على الأقل مطارد واحد، هذه الحالة عامة في المخيم، لذا لا يمكن لنا عيش أيام رمضان بالشكل الطبيعي، فضلا عن حالة الحزن التي تسود بيوت المخيم وترافق عائلاته، وهذا ما يلغي أية فرحة برمضان وأي بهجة لقرب العيد”.

فلسطين 17-نيسان 2023 مخيم جنين - الجزيرة نت مقاوم من كتيبة جنين خلال رباطة في المخيم ويرفع إشار السبابة
بعد الإفطار، يبدأ المرابطون في الحماية موزّعين بين مراقبة تحركات آليات الاحتلال والتجول لرصد أي حركة مريبة (الجزيرة)

بعيدون عن أهاليهم

لأيام عدة، يبقى المقاومون أياما طويلة بعيدا عن منازلهم وأهاليهم، وقد يمرّ على أحدهم قرابة الأسبوع دون رؤية والدته أو تناول وجبة إفطار رمضان مع أفراد أسرته.

على سطح مرتفع يتخذه المقاوم “ع. ب” مكانا لرباطه، ويشرح للجزيرة نت صعوبة أيام المقاومين خلال الشهر المبارك وما مرّ عليهم في الرباط والمراقبة.

ويقول المتحدث “نحن نعيش في توتر مستمر خوفاً من غدر الاحتلال، وكمقاومين نبقى مستيقظين حتى ونحن نيام، ساعات نومنا لا تتعدى 3 ساعات، وتكون موزعة بين المقاومين على مدار اليوم، وذلك تجنبا لأي غدر للاحتلال ومحاولة اقتحام للمخيم، نحن لا نريد أن نستشهد ونحن نيام، كلنا نريد أن ننال الشهادة ونحن على الثغور ومعنا سلاحنا”.

ويضيف “نحن نعمل كخلية مشتركة في أنحاء المخيم، ويقسم العمل فيما بيننا، لكن الأهم أن يومنا يبدأ فعليا من بعد الإفطار، هنا يبدأ عملنا في الحماية والمراقبة والرباط، موزعين بين مراقبة تحركات آليات الاحتلال، وبين التجول في المخيم لرصد أي حركة مريبة، أو أي سيارة غريبة، ونبقى على هذه الحال حتى نصلي الفجر، ثم يخلد جزء منا للنوم ساعات قليلة، ويحرس جزء آخر”.

يقترب موعد السحور في المخيم، فيتذكر “ع. ب” أيام رمضان التي كان يقضيها مع عائلته، وبصوت يغالبه الحنين يتحدث عن والدته، “أحن لكل شيء بصراحة، سحور والدتي، جمعتي مع العائلة على مائدة الإفطار، سهراتي مع أصحابي، أنا وبقية المقاومين معرضين للشهادة بأي لحظة، ونحن هيَّأنا أنفسنا وأهالينا. أشتاق لأمي كثيرا وأتمنى أن أكون معها في رمضان”.

ويضيف “الحياة التي نعيشها ليست سهلة، بصراحة لا يوجد طعم للحياة، الكل ينتظر آخرته هنا، والحزن كبير في بيوت المخيم، فالكل فاقد، وبيوت العزاء كثيرة. حياتنا كشباب مقاوم صعبة، لكن نحن اخترنا هذا الطريق ونحن راضون عن هذا الخيار وسنسير فيه حتى النهاية”.

استعدادات العيد مختلفة

ويرى “ع. ب” أن فرحة العيد منقوصة لفقد كثير من الشباب واستشهادهم، وأن حياتهم كلها رباط، وحياتهم الاجتماعية معدومة بشكل عام، ويتذكر تفاصيل العيد عندما كان أصغر سنا، فيقول “كنت أستيقظ في وقت مبكر يوم العيد، أرتدي ملابسي الجديدة وأنزل مباشرة على دكان الحارة في المخيم، أشتري الحلويات والسكاكر وأزور أقاربي”.

ويضيف “العيد منقوص الفرحة، حيث تعودنا على الفقد والاحتلال، لكن أنا كنت على الأقل أنام مرتاحا قبل عامين، كنت أستطيع مشاركة أقاربي اجتماعات رمضان وزيارات العيد، اليوم سأصلي العيد وأرى أهلي ثم أعود للرباط كأي يوم عادي، وهكذا سينتهي العيد لدينا كشباب مطاردين مقاومين”.

ويؤمن المقاومون في مخيم جنين بأن الله عوّضهم عن حياتهم الصعبة بأمور لم يكونوا يتخيلونها، فبالرغم من بعدهم عن أهاليهم فإن محبتهم زادت بين الناس، وكل المنازل فُتحت لهم، وقدمت لهم احتياجاتهم من الطعام في الإفطار والسحور.

يقول “ع.ب” إنه يحب أكل “الشيشبرك وأحب الفوارغ، ولا يمكن أن تتصوري أني بالرغم من بعدي عن أهلي إلا أني أكلت الفوارغ في رمضان 4 مرات، لأن سيدات المخيم يعلمن حبي لهذه الأكلة، فيسارعن في طبخها لي ولإخوتي المجاهدين. الناس لا تحبني لشخصي هي تحب ما أعمل، تحب جهادي، تحب مقاومتي للاحتلال، نحن لا نقدس الشخص نفسه، حالة النضال والجهاد هي المقدسة”.

وعن استعداد المقاومين لعيد الفطر القريب، يجمع مقاتلو المخيم أن أبرز فعاليات العيد ستكون زيارة قبور الشهداء والدعاء لهم، وأن فرحة العيد هي أن يكونوا في الشارع لحماية ظهور المقاومين ومدافعين عن المخيم، مؤكدين أن كل بيوت المخيم فقدت ولداً أو أباً أو عزيزاً، لذا فزيارة أهالي الشهداء واجب عليهم كمقاومين لمواساتهم وإشعارهم أن أبناءهم لا يمكن أن ينسوا.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى