الاخبار العاجلةسياسة

الإسلاميون وخصومهم.. حسابات الربح والخسارة في صراع البرهان وحميدتي

الخرطوم- مع بدء المعارك في الخرطوم السبت الماضي، اعتبر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” الإسلاميين من أنصار الرئيس المعزول عمر البشيرأن القتال الذي يخوضه الجيش ضد قواته يقوده الإسلاميون لاستعادة السلطة التي فقدوها، في الوقت الذي يعتقد فيه مراقبون أن الإسلاميين سيستفيدون بخروج حميدتي من المعادلة السياسية لتحالفه مع خصومهم الذين يستقوون به.

بعد سقوط نظام البشير في أبريل/نيسان 2019، تم حظر حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ومصادرة مقاره وممتلكاته في الخرطوم والولايات.

وعقب تشكيل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، تم إنشاء لجنة لـ”إزالة التمكين” واسترداد الأموال العامة، بهدف تفكيك نظام البشير، برئاسة عضو مجلس السيادة ياسر العطا، وضمت اللجنة خصوم الإسلاميين من قيادات تحالف قوى الحرية والتغيير الذي يمثل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، لكن العطا استقال من رئاسة اللجنة لاحقا واتهمها بممارسة الانتقام والتشفي والبعد عن العدالة والنزاهة.

وأصدرت اللجنة قرارات بفصل آلاف الموظفين من الخدمة المدنية والسفراء والدبلوماسيين والمستشارين القانونيين والقضاة، باعتبارهم من الإسلاميين والموالين لهم، وترافق ذلك مع إحالة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مئات ضباط الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة للتقاعد.

كما صادرت اللجنة ممتلكات وعقارات وأموال وشركات ومصانع عشرات من قيادات النظام السابق وقدّرتها حينها بملياري دولار، واعتبر الإسلاميون قرارات اللجنة تصفية حسابات سياسية وانتقاما من خصومهم، ولم تستند على أسس قانونية أو عدلية، ولم تكن هناك لجنة لاستئناف القرارات لديها.

وقبيل إجراءات البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 ضد شركائه في الحكم “تحالف قوى الحرية والتغيير”، وحلّ مجلسي السيادة والوزراء وإقالة حكام الولايات وفرض حال الطوارئ، بدأت المحكمة العليا إلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين.

وأعادت المحكمة العليا كل من فصلتهم لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال العامة، كما أعادت الممتلكات والعقارات والشركات والمصانع المصادرة، واعتبرت المحكمة قرارات اللجنة معيبة وتخالف القانون وأسس العدالة.

ارتياح الإسلاميين

أثارت قرارات المحكمة العليا غضب قوى الحرية والتغيير التي اعتبرت ما تم “ردة على الثورة التي أطاحت بحكم الإسلاميين، وانحيازا من البرهان إليهم”، ورأت أن هناك تحالفا خفيا بين الطرفين لضمان استمرار قائد الجيش في موقعه السيادي والاستقواء بالإسلاميين على معارضيه.

وقالت مصادر قريبة من مجلس السيادة للجزيرة نت إن جهات إقليمية ودولية رأت أن فصل آلاف الموظفين من الخدمة المدنية والدبلوماسية والعدلية أدى إلى عجز في أداء الدولة، بسبب خسران كوادر ذات خبرة وتملك معلومات ومعرفة بأجهزة الدولة ومؤسساتها، ولم تستطع قوى الحرية والتغيير تعويض الكوادر التي فصلت من وظائفها، لأنها ظلت سنوات طويلة في المعارضة.

ورأت المصادر أن الإسلاميين أبدوا ارتياحا لإقصاء البرهان خصومهم في قوى الحرية والتغيير الذين نكلوا بهم وزجوا بقياداتهم في السجون وصادروا ممتلكاتهم، وهو ما قرب مواقف الطرفين.

وأفادت بأن المزاج العام في المؤسسة العسكرية مرتاب من موقف تيار في تحالف قوى الحرية والتغيير، ظل ينادي بتفكيك المؤسسة باعتبارها موالية لنظام البشير، وقاد رموز هذا التيار التحالف للتقارب مع حميدتي في مواجهة الجيش، تحت ذريعة حمايته من العسكريين القريبين من الإسلاميين، والضغط على البرهان لتوقيع اتفاق سياسي يمكنهم من السلطة ويقصي الأطراف الأخرى.

دعم مشروط

وفي أول يوم للمواجهات في الخرطوم السبت الماضي، خرج حميدتي عبر الجزيرة مباشر، وقال إن الإسلاميين هم من أوصل البرهان إلى السلطة في أبريل/نيسان 2019 بعد سقوط نظام البشير، والآن تقاتل كتائب و”مجاهدون” تنتمي لهم معه ضد قوات الدعم السريع من أجل إعادتهم إلى السلطة التي فقدوها.

وكرر حميدتي -في تغريدة أمس الاثنين- اتهاماته هذه، وقال إنه “يقاتل إسلاميين راديكاليين”، ووصف البرهان بأنه “إسلامي متطرف”.

ويؤكد الوزير السابق والكاتب الإسلامي عبد الماجد عبد الحميد أن الإسلاميين يساندون الجيش رغم سلوك قيادته تجاههم، وتحالفها مع قوى الحرية والتغيير ضدهم بعد الثورة، ويقول للجزيرة نت إن موقفهم مع الجيش كمؤسسة هو حرص على وحدة السودان واستقراره، معتبرا ذلك موقفًا مبدئيًا وليس طارئًا.

ويرى عبد الحميد أن الإسلاميين سيربحون من انتصار الجيش في معركته، في حال أقدمت المؤسسة العسكرية على تغيير قيادتها واختارت قيادة جديدة تستفيد من الظروف السياسية وتقود البلاد إلى مرحلة جديدة، تهيئ الظروف لانتخابات حتى تأتي حكومة منتخبة تتصدى للتحديات.

وفي حال لم يحدث ذلك، فإن القوى الإقليمية والدولية ستتدخل وتفرض على البرهان الجلوس إلى طاولة مفاوضات، وتقديم تنازلات لن تكون في صالح الجيش والقوى الوطنية والإسلامية، بحسب عبد الحميد.

ويضيف أن “قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي” تحالفت مع حميدتي عبر الاتفاق الإطاري، حتى يكون رافعة لإعادتها إلى السلطة وتهميش بقية القوى السياسية وإقصائها، لكنها تفاجأت بالتعامل القاسي للجيش مع قوات الدعم السريع على طريقة “الصدمة”، وستخسر مع حميدتي لأنها بلا رصيد سياسي ولا عمق اجتماعي وفقدت الشارع وباتت معزولة.

الإسلاميون وراء الشقاق

في المقابل، اتهم المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي شهاب إبراهيم الإسلاميين بأنهم “سعوا إلى إحداث شقاق وفتنة بين الجيش والدعم السريع من جهة، والجيش وقوى الحرية والتغيير من جهة أخرى، لقطع الطريق أمام العملية السياسية بعدما اقتربت من نهايتها”.

وفي حديث مع الجزيرة نت، قال إبراهيم إن “قوى الحرية والتغيير لم تتحالف مع حميدتي الذي كان شريكًا للبرهان في الانقلاب على التحول المدني الديمقراطي، وإن الصدام بينهما حاليًا هو من ثمرات ذلك الانقلاب وتداعياته”.

وأوضح المتحدث أنهم طرحوا الاتفاق الإطاري حتى يكون مخرجا لتجاوز آثار الانقلاب ومعالجة وجود جيشين في البلاد، حيث نص على دمج الدعم السريع في الجيش، وعزز ذلك بورقة مبادئ الإصلاح والأمني والعسكري التي وافق عليها الطرفان، لكن فلول النظام السابق استخدموا كل الطرق لإحداث انقسام في المكون العسكري، ووضع الجيش في مواجهة مع القوى المدنية، لوضع العراقيل أمام العملية السياسية التي ستقضي على أحلامهم في العودة إلى السلطة.

البرهان والإسلاميون

بدوره، يعتقد المحلل السياسي عماد الهادي أن البرهان يستفيد من التناقضات بين القوى السياسية لتمكين نفسه في السلطة، ويبحث عن حلفاء في المستقبل لضمان استمراره في الحكم عبر الانتخابات المقبلة بعد نهاية المرحلة الانتقالية.

واستفاد الإسلاميون من انقلاب البرهان -بحسب الهادي- بإزاحة خصومهم من السلطة، مما أتاح لهم حرية الحركة وبرزت قياداتهم وباتت تمارس نشاطها السياسي، مضيفا أنه إذا غاب حميدتي عن المشهد السياسي فإن ذلك سيكون في صالحهم أيضا، لأن قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي ستفتقد حليفا قويا بعد الانشقاقات التي ضربتها.

وأضاف أن البرهان ليس إسلاميا، وكان قريبا من حزب البعث العربي الاشتراكي كما اعترف بذلك، لكن يمكنه الاستفادة من دعم الإسلاميين ولن يستمر معهم طويلا، لأنه يدرك أن هذا التقارب له ثمن باهظ.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى