الاخبار العاجلةسياسة

حرب غزة.. لماذا تتغلغل “القومية المسيحانية” في الجيش الإسرائيلي؟

القدس المحتلة- تتغلغل المعتقدات الدينية اليهودية في مختلف وحدات الجيش الإسرائيلي المشاركة في عمليات التوغل البري بغزة. وتشير الأناشيد الكاهانية التي تتغنى بها هذه القوات إلى أن فكر “القومية المسيحانية” منتشر بينها، ولا سيما وهي ترفع على الدبابات المتوغلة شعارات عودة الاستيطان إلى “غوش قطيف”.

ويتلخص فكر “القومية المسيحانية” المرافق للجنود اليهود بالإيمان بالمسيح المنتظر والمنقذ والمخلص، الذي سيأتي في آخر الزمان ليخلص شعب إسرائيل، وفق معتقداتهم.

ومع بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تطوع المئات من الشبان “الحريديم” (المتدينين) للقتال على جبهة غزة، على الرغم من أن قانون التجنيد لا يلزمهم بالخدمة العسكرية، كونهم يكرسون حياتهم في المدارس الدينية لتعليم الديانة اليهودية والتوراة.

عكست هذه التغيرات في الجيش الإسرائيلي، مع اتساع الحرب على غزة، التنافس بين الأحزاب والتيارات الإسرائيلية، بتوظيف البعد الديني التوراتي من أجل الحشد والتعبئة بصفوف الإسرائيليين، للانخراط في القتال بالمعارك البرية في غزة، وهو ما يهدد ما يسمونه “روح الجيش، كجيش قومي”، بحسب تقديرات وتحليلات الباحثين الإسرائيليين.

جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة يصلون صلاة "رأس الشهر" داخل كنيس صنعوه بأربع جرافات من طراز D9.
جنود الاحتلال في غزة يصلون صلاة “رأس الشهر” داخل كنيس صنعوه بأربع جرافات من طراز “دي 9” (الجزيرة)

تحولات في الجيش

واستعرض تحقيق لمركز الإعلام والديمقراطية “شومريم” تغلغل فكر “القومية المسيحانية” في صفوف وحدات الجيش الإسرائيلي التي تخوض معارك برية في غزة، واستعانتها بالحاخامات الذين يتوافدون إلى جبهة القتال ويحمسون الجنود للانتقام من الفلسطينيين، ويحثونهم على أداء صلوات وشعائر تلمودية جماعية حتى في شمال غزة، والترويج لإعادة بناء “الكنيس القديم” في غزة.

وقالت حين شليتا، الصحفية الاستقصائية التي أعدت التحقيق في التحولات التي تحدث بالجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، إن الانطباع الأولي من رصد العديد من الظواهر يشير إلى أن الجيش قد تخلى عن الإعداد الذهني المبني على الإيمان، باعتباره “طريق المشروع الصهيوني” حسب وصفها، واستبدله بالاستعداد “المبني على التبرير الديني”.

وتقول الصحفية إن “مثل هذا النهج ينتج عنه تسييس الأهداف القتالية وصبغها بالاعتبارات الدينية التوراتية، وهو يتكامل بشكل جيد مع التحولات التي مر بها المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة”.

تيار ديني توراتي

وبحسب التحقيق، فإن انتخابات الكنيست قبل عام وتشكيل حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، المعتمدة على الأحزاب الدينية والحريدية وتيار المستوطنين و”الصهيونية الدينية” وحزب “عظمة يهودية”، كانت أولى مراحل التحولات والتغييرات بالجيش الإسرائيلي، والتي عُبّر عنها داخل وحداته القتالية بدعوات الانتقام من الفلسطينيين بسبب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأمام تعاظم فكر “القومية المسيحانية” بصفوف وحدات جيش الاحتلال، وتأثر الجنود خلال المعارك البرية بغزة بدعوات الحاخامات للقتال والانتقام، خصوصا من تيار “الصهيونية الدينية”، يكتفي الجيش الإسرائيلي في ردوده بأنه سيتم التعامل مع التصريحات السياسية الدينية والأناشيد الكاهانية، دون الكشف عن الآليات للتعامل مع هذا الفكر، بحسب شليتا.

وفي مقابل ذلك، يرفض الجيش الإسرائيلي التطرق إلى الإعداد الديني التوراتي الذي يتم تحت رعاية الجنرالات، بحسب ما كشف عنه تحقيق موقع “شومريم”، الذي أكد أن تغلغل التيار “الديني التوراتي” في صفوف الوحدات العسكرية التي تحارب في غزة، يتم بالتعاون مع كبار الضباط في الميدان، سواء بالمشاركة النشطة أو بغض الطرف عن هذه التحولات والحراك الديني التوراتي.

ومن خلال مقاطع الفيديو التي ينشرها الجنود الإسرائيليون على شبكات التواصل الاجتماعي، بحسب رصد مركز “شومريم”، يبدو أن الإعداد الذهني الوحيد لجنود المشاة قبل الذهاب إلى المعارك البرية في قطاع غزة يعتمد على الشعائر التلمودية والتوراتية.

اقرأ ايضاً
على خلفية الحرب الكلامية بين الحائري والصدر.. ما طبيعة الصراع بين المرجعيات الشيعية في العراق وإيران؟

ولفت التحقيق إلى أن لواء “جولاني” استضاف الحاخام إيفرجان هرنتغين لصلاة جماعية، قبل بدء التوغل البري في غزة، وقيل “إنه لشرف عظيم أن يباركنا” عند دخوله القاعة التي تعج بالجنود.

ومن أجل شحذ الجنود بالهمة والطاقة، وصف المنادي الحاخام إيفرجان بالقول إنه “نعمة تضاف إلى كل وسائل الحماية الجسدية والروحية التي لدينا بالفعل”، علما أن هذا الحاخام بحسب الصحفية الاستقصائية “ألزمته المحكمة قبل عامين بدفع ضريبة بقيمة 30 مليون شيكل (7.8 مليونات دولار) على دخل أتباعه ومؤمنيه، حيث أصبح حاميا روحيا”.

تحريض وعنصرية

كما جاء ضيف آخر لاستقبال الجنود قبل التوغل البري في غزة، وهو حاخام مدينة صفد شموئيل إلياهو، الذي أمرت المحكمة العليا في عام 2020 بتقديمه إلى إجراءات تأديبية، بعد تصريحات عنصرية وسياسية، وابنه هو وزير التراث عميحاي إلياهو، الذي قال مؤخرا إن “إسقاط قنبلة ذرية على غزة، هو خيار ممكن”.

وتساءل مركز “شومريم” عن الرسائل التي يبعثها الجيش الإسرائيلي من خلال إدخاله الحاخامات في دوائر الجنود بمختلف الوحدات القتالية، وعن السماح لمثل الحاخام إلياهو بأن يكون المرجع الروحي الذي يشجع الجنود قبل الذهاب إلى الحرب في منطقة مأهولة ومكتظة بالسكان المدنيين.

واستذكر التحقيق ما صرح به إلياهو عام 2018، حيث قال إن “كل من يرفع يده على يهودي، واجب ووصية على الجنود ورجال الشرطة والمواطنين أن يقتلوه”.

وقبيل بدء التوغل البري في غزة، أعلن الحاخام إلياهو برسالة موجهة للجنود الإسرائيليين أنه “لا يوجد أشخاص غير متورطين، وقبل أن تدخلوا، سنقوم جميعا برد ديني ووطني وسننتصر”، على حد قوله.

أساس قديم

لا شيء من هذا يشكل مفاجأة بالنسبة للبروفيسور يجيل ليفي، الباحث بالعلاقة بين الجيش والمجتمع في إسرائيل، حيث سبق واستعرض في كتابه “القائد الأعلى: ثيوقراطية الجيش في إسرائيل”، قائلا إن حكم رجال الدين يخترق صلاحيات الجيش، في محاولة للتأثير على مجالات السلوك المخصصة حصريا لقياداته السياسية.

ويجيب ليفي في حديثه لموقع “شومريم” عن سبب هذا التحول في الجيش قائلا “يرجع ذلك أساسا إلى محاولة مدرسة هسدير الدينية والمدارس الإعدادية الدينية تبرير طبيعة الطريق الذي اختاروه، من خلال إعادة تصميم سلوك الجيش وثقافته”.

ويقول ليفي إن “الجيش الإسرائيلي يتحمل النفوذ الديني ويتقبله كونه أمرا واقعا، لأنه بات يعتمد أكثر على المجندين المتدينين، ويبحث عن مصادر جديدة لشرعية التضحية العسكرية”، وهو التحول الذي يهدد روح الجيش الإسرائيلي كونه”جيش الشعب”.

ويقول الباحث الإسرائيلي ليفي إن “الحاخامية العسكرية استغلت مخاوف الجنود من أجل أن يدخل الدين إلى المكان الذي يتواجد فيه الخوف الأساسي من الموت، ويتضح ذلك من خلال احتشاد الجمهور الأرثوذكسي المتطرف “الحريديم” والمتدين القومي بشكل جماعي لتلبية الحاجة للقتال في غزة”.

وتحدث ليفي عن العلاقة بين الجيش والمجتمع في إسرائيل، حيث ينظر الجنود الإسرائيليون، بمن فيهم العلمانيون، إلى التعاليم التلمودية بأنها نوع من التعويذة، “والاعتقاد بأنها سترة روحانية لا تقل عن السترة العسكرية”.

وقال إن “المواجهة القائمة على الإيمان هي إحدى الطرق التي تسمح للجنود بالتعامل مع الشعور بالخطر وعدم اليقين أثناء المعركة، إن تغليف الحرب بعباءة الحرب الدينية يعطي معنى متجددا للتضحية في الجيش، بل إن الحرب الدينية تشحن الجنود بالعداء الشديد تجاه العدو”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى