زادت من أوجاع المرضى.. أزمة شح الدولار تصل القطاع الصحي بمصر
القاهرة- بصحبة طفلها المصاب بنزف مفرط في الدم، تخوض “أُم رمضان” رحلة شاقة أسبوعيا إلى وحدة أمراض الدم مستشفى “أبو الريش” بالقاهرة، خلال تلك الرحلة لا تعرف السيدة المصرية أي شيء عن الدولار، لكنها تعرف فقط تلك اللحظة التي يتم فيها حقن ولدها بما يحتاج من الدم والبلازما.
لكن الاضطراب المستمر في سعر الدولار مقابل الجنيه المصري وما تبعه من رفع الحكومة لسعر مشتقات الدم، صدم “أم رمضان” التي تقطع مسافة 115 كيلومترا تقريبا من بني سويف جنوب القاهرة. وعندما لم تجد مبتغاها عليها أن تعود إلى بلدتها مرة أخرى، بينما يعاني طفلها من آلام لا تطاق، خاصة أن التأخير في علاج رمضان تسبب في التهاب بالمفاصل وتشوهات عضلية، بحسب حديثها للجزيرة نت.
وقبل أيام قررت الحكومة زيادة أسعار مشتقات الدم بنسبة تجاوزت 60%، مما سبّب ارتباكا في المراكز الحكومية والخاصة، وسط توقعات بتفاقم الأزمة بسبب استمرار صعود الدولار مقابل الجنيه، وفقا للطبيب بمركز أمراض الدم في مستشفى “أبو الريش” سيد البشلاوي، الذي أكد أن أعداد المرضى خاصة من الأطفال في تزايد مستمر.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح البشلاوي أن معدلات الإصابة في مصر تتجاوز الواحد بين كل 10 آلاف حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
ويتحدث البشلاوي عما يسميها مأساة من نوع خاص بسبب ارتفاع سعر مشتقات الدم سيعاني منها مرضى النزف المفرط “الهيموفيليا”، موضحا أن الطفل رمضان شأنه شأن كثيرين يعانون من اضطراب نزيف وراثي، فلا يمكن وقف النزيف بسهولة نظرا لعدم وجود عوامل تخثر كافية في دمائهم، وعوامل التخثر مطلوبة لتجلط الدم وحتى منع النزيف المفرط، وهو ما يستدعي متابعة مستمرة وتعويضا دائما عن الدم المفقود.
ووفق لائحة الأسعار الجديدة التي جرى تعميمها على جميع المراكز ارتفع سعر كيس الدم العادي متضمنا اختبارات التوافق والفصيلة من 210 جنيهات إلى 325 جنيهًا للجهات الحكومية، و750 جنيهًا للجهات الخاصة، في الوقت الذي ارتفع سعر كيس الدم (SAGM) إلى 375 جنيها للجهات الحكومية، و800 جنيه للجهات الخاصة. (الدولار رسميا حوالي 31 جنيها).
مبررات حكومية
تعترف وزارة الصحة بالأزمة، لكنها تؤكد أن تكلفة كيس الدم تصل إلى نحو 1300 جنيه (42 دولارا)، وأن أسعار الدم ومشتقاته “مدعومة” إلى الآن بواقع 80% للجهات الحكومية، و55% للجهات الخاصة، موضحة أن معظم حالات نزف الدم المفرط تتلقى العلاج على نفقة الدولة.
وفسّرت الوزارة الأزمة بسبب أن “كل المواد والمستلزمات مستوردة من الخارج وارتفع سعرها مؤخرا”، لذلك فإن قرار رفع سعر مشتقات الدم جاء بهدف “ألا تتوقف الخدمة”.
ويوضح سعيد فرج (مزارع) من منطقة القناطر بمحافظة القليوبية، أنه يتلقى بالفعل نصف ما يحتاجه من كميات الدم التعويضية منذ سنوات، لكنه يضطر كما يقول للجزيرة نت للحصول على أكياس إضافية من مراكز خيرية بالمجان، مشددا على أنه عانى كثيرا في الشهور الماضية “ولم يعد الأمر سهلا”.
قوائم الانتظار
في هذا السياق، يحذر الطبيب سمير بركات بمركز أبحاث الدم بجامعة عين شمس من خطورة الاتجار في أكياس الدم ومشتقاته، مشددا على أن المشاركة في توفير الدم مقابل مبلغ مادي يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير بركات إلى أن مرضى “النزف المفرط” مجرد نموذج محدود، لكن الخطر الأكبر يتعلق بالعمليات الجراحية المستمرة في كل مكان، مشيرا إلى قوائم انتظار طويلة في مختلف المستشفيات رغم التحرك الحكومي والمبادرات الرئاسية.
في هذا الإطار، يلفت المتحدث الرسمي لوزارة الصحة حسام عبد الغفار في بيان إلى إجراء مليون و659 ألفا و672 عملية جراحية، ضمن مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإنهاء قوائم الانتظار ومنع تراكم قوائم جديدة في التدخلات الجراحية الحرجة التي تشملها المبادرة، وذلك منذ انطلاقها في يوليو/تموز عام 2018.
وذكر عبد الغفار في تصريح للصحف المحلية أن المبادرة وهي مجانية بالكامل تشمل جراحات (القلب، العظام، الرمد، الأورام، والقسطرة المخية، قسطرة القلب، المخ والأعصاب، زراعة الكلى، زراعة الكبد، زراعة القوقعة).
أزمة المستلزمات الطبية
من جهتها، ترى مروة طلعت (طبيبة أطفال) أن حق الناس في العلاج لا ينبغي أن يكون معلقا على مبادرات رئاسية، مضيفة أن “الحكومة يجب أن تقوم بما عليها”.
وفي حديثها للجزيرة نت، تقول الطبيبة المصرية إن أطنانا من المستلزمات الطبية العاجلة محجوزة في الموانئ لعدم سداد قيمتها بالدولار للجهات الموردة، موضحة أن معظم هذه المستلزمات عبارة عن أدوات ضرورية للجراحة.
في الاتجاه نفسه، يتحدث رئيس الشعبة العامة للمستلزمات الطبية بغرفة القاهرة التجارية محمد إسماعيل عبده، عن حجز 183 شحنة في الموانئ تضم مئات المستلزمات الطبية التي لا غنى عنها لإنقاذ المرضى.
وذكر عبده، في بيان، أن الشحنات المحجوزة تضم مستلزمات طبية ضرورية لإجراء العمليات الجراحية، ومنها مرشحات أجهزة الغسيل الكلوي التي من دونها لا يمكن إجراء جلسات الغسيل الكلوي، ومستلزمات طبية ضرورية للمرضى في فترة النقاهة من العمليات الطبية.
ووفقا للبيان الذي نشرته مواقع وصحف مصرية، فإن “تكدس تلك الشحنات في الموانئ والمستمر منذ يناير/كانون الثاني الماضي وحتى الآن، تسبب في حدوث اضطراب ونقص كبير في مخزون المستشفيات والمراكز الطبية التابعة لوزارة الصحة ولهيئة التأمين الصحي الشامل وأيضا المستشفيات الجامعية”.
ويوضح فهيم جورج -صاحب مركز خاص لتجارة المستلزمات الطبية بمنطقة القصر العيني بالقاهرة- أنه يواجه صعوبة بالغة في توفير لوازم تجارته.
ويتحدث جورج للجزيرة نت عن ارتفاع كبير في الأسعار بسبب شح الدولار وعجز الحكومة عن تدبيره، مشيرا إلى أن التجار دفعوا المبالغ المطلوبة للشحنات المحجوزة في الموانئ بالجنيه المصري للبنوك منذ شهور حسب الاشتراطات الحكومية، لكن البنك المركزي لم يوفر الدولار المطلوب للجهات الموردة في الخارج.
استحقاق دستوري
ودخل وزير المالية محمد معيط على خط الأزمة التي تهدد القطاع الصحي، وقال على صفحة الوزارة الرسمية على فيسبوك إنه “تم الوفاء بالاستحقاق الدستوري للقطاع الصحي في الموازنة الجديدة، رغم ما تفرضه التحديات العالمية الراهنة من ضغوط غير مسبوقة على اقتصادات مختلف الدول بما فيها مصر”، موضحا أن مخصصات القطاع الصحي في العام المالي المقبل تبلغ 397 مليار جنيه (13 مليار جنيه)، بزيادة 92.5 مليار جنيه عن سابقه.
وذكر أن القطاع الصحي يتصدر الأولويات الرئاسية على نحو يسهم في توفير خدمات جيدة، باعتبار ذلك حقا أصيلا من حقوق الإنسان، على حد تعبيره.
وتعليقا على ذلك، يقول أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية سيد النعماني إن الصحة ليست رقما في الموازنة، وإنما حقيقة يجدها الناس على أرض الواقع.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار النعماني إلى أن جميع المواثيق الدولية تطالب الحكومات بتهيئة الظروف، التي يمكن فيها لكل فرد الحصول على الرعاية الصحية المناسبة والميسورة التكلفة وذات الجودة المعقولة وفي التوقيت المناسب.
كما ذكر أن المقومات الأساسية للصحة تشمل أيضا الحصول السكن الملائم وعلى مياه الشرب النظيفة والإمداد الكافي من الغذاء السليم.