الاخبار العاجلةسياسة

رغم الهدنة.. معارك السيطرة بين الجيش والدعم السريع تشعل الخرطوم

الخرطوم- يمضي سكان العاصمة السودانية منذ ليل الاثنين ساعات طويلة من الخوف والترقب، وذلك بعد احتدام المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع في أحياء واسعة شهدت تصعيدا غير مسبوق من الطرفين، في سياق حربهما الضروس التي دخلت شهرها الثاني.

وسيطرت على سماء الخرطوم خلال اليومين الماضيين طلعات مكثفة للطيران الذي قصف عددا من المواقع والأهداف التابعة لقوات الدعم السريع، حيث قصف مباني مستشفى شرق النيل، بعد أن أكد الجيش في وقت سابق أن قوات الدعم السريع حولتها إلى مركز إمداد، وأن المقاتلين يختبئون بين مبانيها.

ووقّع الجيش والدعم السريع في 11 مايو/أيار الجاري اتفاق جدّة بالسعودية، الذي نص على هدنة إنسانية وفتح ممرات آمنة للمدنيين وفتح طرق لتوصيل المساعدات الإنسانية بأمان وسحب القوات من الأحياء السكنية، لكن أيا من ذلك لم يجد نصيبا على الأرض، بل اشتدت بعده المواجهات الرامية للسيطرة على مساحات ميدانية أكبر.

ويعيش من تبقى من المدنيين العالقين في مساكنهم بالخرطوم أوضاعا بالغة التعقيد، بحسب تقارير بثتها منظمات محلية. حيث يعاني قاطنو أحياء عديدة خاصة جنوب الخرطوم حصارا قاسيا، بسبب تمركز القوات التابعة للطرفين قريبا من منازلهم، وهو ما يضعهم في دائرة الاشتباك العنيف.

ورصدت الجزيرة نت تمركزا للجيش في ضاحية العزوزاب، كما روى شهود عيان من منطقة جبرة أن قوات مشاة تتبع الجيش ظهرت في المكان للمرة الأولى منذ بدء المواجهات المسلحة.

تفاصيل المعارك

وكشفت مصادر عسكرية للجزيرة نت عن تصعيد واسع لقوات الدعم السريع  طوال أمس الثلاثاء، ومحاولات لا تكاد تنقطع تستهدف السيطرة على قاعدة وادي سيدنا الجوية العسكرية في منطقة أم درمان.

وقالت المصادر إن الجيش يراقب خطة هجومية شاملة لقوات الدعم السريع للاستحواذ على مناطق محددة بينها القاعدة الجوية بالخرطوم، وهي المحاولة الثانية منذ بدء المواجهات منتصف أبريل/نيسان الماضي.

وشهدت المنطقة المحيطة بجسر الحلفايا الرابط بين أم درمان والخرطوم بحري مواجهات هي الأعنف بين الطرفين، استخدمت فيها أنواع من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمدفعية والطيران، وفقا لشهود عيان تحدثوا للجزيرة نت، مؤكدين أن الاشتباكات تلك أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى في صفوف الدعم السريع.

وذكرت مصادر أن قوات الدعم السريع سيطرت على مركز كهرباء “أبو حليمة” شمال الخرطوم بحري، فيما دارت مواجهات عنيفة في ضاحية الكدرو للمرة الثانية خلال أسبوع، حيث يحاول كل طرف قطع الطريق أمام تقدم الآخر، خاصة أن الموقع يمثل نقطة إستراتيجية قريبة من مصفاة الجيلي للنفط التي يسيطر عليها الدعم السريع.

وقال المتحدث باسم الجيش السوداني في بيان إن اشتباكات وقعت الثلاثاء مع من سماهم المليشيا في شمال بحري ووسط الخرطوم، وإن الجيش وجّه ضربات مركزة على عدد من مواقعها، نتجت عنه خسائر كبيرة في القوات والأسلحة والمركبات.

كما تحدث عن كمائن في شمال بحري، نتج عنها تدمير 4 سيارات مسلحة والاستيلاء على 6 أخريات، مع القبض على عدد من القناصين و60 من منسوبي الدعم السريع في شمال أم درمان، وذلك أثناء فرارهم من اشتباكات شمال بحري عبر نهر النيل.

في المقابل، أكد متحدث باسم الدعم السريع التصدي لهجوم من الجيش في الخرطوم وتكبيده خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد العسكري، وقال في بيان “تمكنت قواتنا من الاستيلاء على معسكر الدفاع الجوي وفرع الرياضة العسكري وجميع المواقع العسكرية في منطقة شارع (61) بالخرطوم”، كما تحدث عن أسر عدد كبير من الجنود.

وفي وقت مبكر من صباح الثلاثاء، أعلنت قوات الدعم السريع الاستيلاء على معسكر “السواقة” وعدد من معسكرات شمال الخرطوم بحري بالكامل، وأسر أكثر من 700 من القوات الحكومية، وهو ما لم تعلق عليه القوات المسلحة.

أهداف عسكرية

ويرى الخبير في العلوم العسكرية المقدم المتقاعد أحمد عبد الجليل أن المواجهات في محيط جسر الحلفايا ومنطقة الكدرو والخرطوم بحري، تمثل أهمية عسكرية للطرفين من شقين.

اقرأ ايضاً
أسلحة الموت الجماعي.. لماذا تتمسك إسرائيل بصفقة القنابل الأميركية "الغبية"؟

فقوات الدعم السريع -كما يقول عبد الجليل للجزيرة نت- تحاول السيطرة على مدخل الجسر، لتأمين الوقود للقوات في المدينة وأيضا بعض الأجزاء في الخرطوم، وذلك بعد قطع الإمداد عنها وضرب قاعدتها في منطقة شمبات.

ولفت إلى أن المحور الثاني والأهم يتمثل في تأمين مركز هجوم مناسب على قاعدة وادي سيدنا العسكرية والسيطرة عليها، لإيقاف الطيران الحربي الذي يشن “غارات جوية ناجحة” تضع الجيش في مركز تفوق كبير على الأرض.

ويتحدث عبد الجليل عن أن الجيش دفع بإمدادات كبيرة جدا لتأمين مدخل جسر الحلفايا وبعض المعسكرات المهمة في المنطقة خاصة معسكر الأسلحة والذخيرة.

معركة محتدمة

وفي جنوب الخرطوم شهدت المناطق المحيطة بسلاح المدرعات في منطقة “الشجرة” مواجهات عنيفة الثلاثاء، فيما بدت أنها محاولة لقوات الدعم السريع للسيطرة على أهم القواعد العسكرية للجيش السوداني.

لكن الخبير العسكري اللواء مهندس سليمان أحمد البارون، أكد للجزيرة نت أن تلك المحاولة محكوم عليها بالفشل، لأن سلاح المدرعات يعد أحد أقوى الوحدات المحترفة والمتطورة في الجيش، مشيرا لامتلاك الجيش مجموعة من الدبابات الحديثة التي تعمل بتقنيات متقدمة وبطواقم محترفة عالية التدريب.

وتدور مواجهات محتدمة أيضا بين الجانبين في وسط الخرطوم لم يحسمها أي طرف حتى الآن، وفق مسؤول في إعلام الدعم السريع.

ونفى المسؤول للجزيرة نت شنهم هجمات للسيطرة على قاعدة وادي سيدنا العسكرية وسلاح المدرعات، موضحا أن قواتهم صدت هجوما متزامنا في بحري والخرطوم، وصفه بـ”الخرق الواضح للهدنة”.

وقال إن الجيش حاول السيطرة على مراكز لقواتهم لكنهم تمكنوا من صده، متهما سلاح الجو بـ”قصف المناطق السكنية والمستشفيات وتدمير مستشفى شرق النيل”، وهو ما ينفيه عادة الجيش.

وشهد الأسبوع الماضي اشتباكات عنيفة بين الطرفين في سلاح “الإشارة” بالخرطوم بحري، ومنع الجيش محاولات الدعم السريع السيطرة عليه.

ويعد سلاح الإشارة موقعا إستراتيجيا لأي قوة عسكرية، لوقوعه بين جسري النيل الأزرق وكوبر الرابطين بين بحري والخرطوم، لذلك تحاول قوات الدعم السريع زيادة سيطرتها على العاصمة عبر تأمين منطقة سلاح الإشارة وما حولها، وبعض المواقع القريبة منه بينها مقر جهاز المخابرات.

وفي أمّ درمان، انخفضت وتيرة المواجهات في عدة مناطق، حيث يسيطر الجيش على أجزاء واسعة ومواقع عسكرية مهمة.

حسم عسكري

ويرجّح المحلل السياسي محمد حامد جمعة أن الوضع يمضي في اتجاه حسم عسكري مدخله تحسين المواقف الميدانية.

وقال جمعة للجزيرة نت إن الجيش يبدو وكأنه فك الاختناق حول القيادة العامة التي تراجعت في خارطة الاشتباكات، كما يبدو أن محور العمليات في وسط الخرطوم يميل لصالحه من واقع تجاهل بيانات الدعم السريع لذاك المحور وعدم التركيز عليه.

ولفت المتحدث إلى أن المعارك في وسط بحري -المنطقة العسكرية- اقتصرت أحيانا على مواجهات ضعيفة، وانتقال القتال الضاري للأطراف في مناطق “الكدرو والجيلي”، وهو ما يشير إلى أن قوات الدعم السريع تسعى لفتح ثغرة في جدار تطويق الجيش، لتستفيد من دعم تجمعاتها بتلك الأطراف أو التواصل مع مجموعات هناك، وهذا يعني بوادر تراجع التركيز على منطقة بحري، وبالتالي التأكيد على صحة التقديرات أن معركة المنطقة الحمراء تتحول لصالح الجيش.

وأضاف المحلل السياسي أن الجيش يتقدم من الجنوب من مناطق الشجرة وجبرة نحو منطقة العمارات، وهي بلا وزن من الناحية العسكرية، رغم اجتهاد الدعم السريع في دخول مواقع عسكرية ليست ذات قيمة كفرع الرياضة العسكرية وبعض الرئاسات الإدارية لبعض الوحدات، مما يعني تضاؤل الأهداف العسكرية مقارنة بسيطرة مطلقة للجيش على سلاح المدرعات، وتمسكه بتفوق بقاعدة وادي سيدنا، وعزل الدعم السريع في أم درمان دون مهدد منظور لسلاح المهندسين.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى