الاخبار العاجلةسياسة

الأكراد يهددون بالتصعيد.. ما تفاصيل تعديلات الموازنة العراقية والتي عطلت إقرارها؟

بغداد – لا يزال مشروع قانون الموازنة المالية العراقية لعام 2023 يراوح مكانه بعد مضي 5 أشهر على بدء العام المالي، إذ رغم حسم اللجنة المالية النيابية غالبية مواد الموازنة وإعلان مجلس النواب عن جدولة إقرارها أمس السبت، فإن خلافا طارئا على بعض بنودها أدى لتأجيل التصويت عليها إلى إشعار آخر.

وكان كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الإسلامي الكردستاني قد انسحبا من اجتماعات اللجنة المالية الخميس الماضي احتجاجا على تعديل طرأ على المادتين 13 و14 من قانون الموازنة، بما عدّه الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه مسعود البارزاني انقلابا على الاتفاقيات السياسية التي أفضت لتشكيل تحالف إدارة الدولة وتشكيل الحكومة الحالية التي يتزعمها محمد شياع السوداني.

لقاء السوداني مع مسعود بارزاني (المكتب الاعلامي للسوداني)
السوداني (يسار) كان التقى مسعود البارزاني واتفقا على الموازنة المتعلقة بالإقليم (المكتب الإعلامي للسوداني)

تفاصيل الخلاف

كانت اللجنة المالية البرلمانية قد صوتت على عدة تعديلات تتعلق بإقليم كردستان، منها تعديل في المادة (13- ثانيا- أ) التي كانت تنص على التزام إقليم كردستان بتصدير ما لا يقل عن 400 ألف برميل من النفط يوميا، في حين باتت هذه الفقرة بعد التعديل تنص على تسليم الإقليم النفط الخام المنتج في حقوله بمعدل لا يقل عن 400 ألف برميل يوميا إلى وزارة النفط لتصديرها عبر شركة سومو الحكومية، أو استخدامها محليا في المصافي العراقية، بحسب ما يؤكده الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة المعقل بالبصرة (جنوبا) نبيل المرسومي.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف المرسومي أن التعديلات شملت النقطة (ج) من المادة ذاتها التي كانت تنص على التزام وزارة المالية بتسديد مستحقات الإقليم شهريا، وإجراء التسويات الحسابية على أساس ربع سنوي، بمعنى أن الإقليم كان يستلم مستحقاته في موازنة 2023 قبل أن يسلم النفط، إلا أن التعديل ألزم حكومة الإقليم بتسديد إيراداتها النفطية وغير النفطية قبل أن تستلم حصتها من الموازنة.

ولا تقف التعديلات عند ذلك، إذ جرى تعديل المادة (14- أولا) التي كانت تنص على إيداع الإيرادات الكلية لنفط الإقليم في حساب مصرفي واحد، غير أن التعديل بات يلزم الإقليم بإيداع إيرادات النفط في حساب مصرفي يفتح في البنك المركزي العراقي، في الوقت الذي كان يسعى فيه الإقليم لفتح حساب في مصرف سيتي بنك الأميركي، وفق المرسومي.

ويتفق عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر مع طرح المرسومي، ويضيف أن التعديلات معرقلة لإرسال المستحقات المالية لمواطني الإقليم، حيث لا يمكن الاشتراط على الإقليم تنفيذ الالتزامات الواردة في التعديلات الخاصة بإلزامه تسليم النفط للحكومة الاتحادية، في وقت يمكن فيه أن تكون الحكومة الاتحادية أو شركة سومو الحكومية هي السبب في عدم إرسال الإقليم لما في ذمته من أموال أو نفط.

وفي تصريح خاص بالجزيرة نت، يؤكد كوجر -النائب عن الاتحاد الإسلامي الكردستاني- أن التعديلات الأخرى نصت على أنه في حال حدوث أي خلاف في الآراء بين الطرفين، فإن الإقليم يعطى مدة 15 يوما لتصحيح هذا الخلاف، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنه لا يوجد في القانون ما تسمى بوجهات النظر، فضلا عن نص آخر ينص على أنه في حال عدم رضا إحدى محافظات الإقليم، فإنه يطلب من بغداد التدخل، وهو ما يراد به استهداف سياسي لوحدة الإقليم من خلال عزل محافظة السليمانية عن بقية المحافظات.

على الجانب الآخر، وفي تغريدة على تويتر عقب تعديل بعض بنود الموازنة، يقول حسين مؤنس عضو اللجنة المالية ورئيس حركة حقوق النيابية -الممثلة لكتائب حزب الله- إن الموازنة باتت متوازنة، والإقليم على الطريق المستقيم بعد سنين من التهرب والتهريب.

من جهته، غرد عضو اللجنة المالية النيابية مصطفى جبار سند قائلا إنه يتمنى على الحكومة عدم تنفيذ اتفاق بغداد أربيل، نظرا للفارق الكبير بين ما تنفقه الحكومة الاتحادية على الإقليم وما يرسله الإقليم من أموال.

وكان مراسل الجزيرة نت قد حاول التواصل مع النائبين لتبيان موقفهما، والتعليق على رفض الحزب الديمقراطي التعديلات التي أدخلتها اللجنة المالية، إلا أن عدم الرد على الاتصالات حال دون ذلك.

اتفاقيات مسبقة

وعن طبيعة الخلاف الحالي، يرى المرسومي أن الخلاف سياسي بالدرجة الأولى، إذ سبق أن اتفق الأكراد مع تحالف إدارة الدولة على بنود الموازنة المالية الخاصة بالإقليم، لا سيما أن التعديلات لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وأن الحكومة الاتحادية لا يمكنها استيعاب 400 ألف برميل نفط مستخرج من الإقليم يوميا بسبب محدودية طرق النقل وعدم قدرة شركة سومو على استيعاب هذه الكمية الكبيرة.

أما النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني فقد أكد أن موقف حزبه واضح برفض أي تعديل على هذه المواد، لا سيما أن الحكومة الحالية برئاسة السوداني تأسست وفق هذا الاتفاق، وأن هناك مخاوف من أن هذا التعديل سيجر للانقضاض على بقية الفقرات التي اتُفق عليها سياسيا في تحالف إدارة الدولة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الدوبرداني أن هذه التعديلات مدفوعة من بعض الأحزاب الكردية بسبب قرب الانتخابات المحلية بالإقليم، في إشارة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني -ومقره محافظة السليمانية شرق الإقليم- الذي لم ينسحب نوابه من اجتماعات اللجنة المالية بعد تعديل المواد الخلافية.

وكان النائب الثاني لرئيس البرلمان العراقي شاخوان عبد الله قد أكد أنه في حال تعديل المادتين 13 و14 من مشروع قانون الموازنة المتعلقتين باستحقاقات إقليم كردستان، فإنه لن يتم السماح بعقد جلسة مجلس النواب للتصويت عليها.

في حين نشر المكتب الإعلامي لنائب رئيس البرلمان في ساعة متأخرة من مساء أمس السبت كتابا رسميا موجها للجنة المالية، يطالب فيه اللجنة بتصويب عدد أعضائها إلى 23 عضوا بدلاً من 24، مع تعليق أعمالها إلى حين إعادة هيكلية اللجنة بالعدد المقرر، فيما يبدو أنه محاولة للضغط على اللجنة للعدول عن تعديلاتها.

 

 

أزمة سياسية جديدة

في السياق، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن هذه الخلافات تعد بداية لتآكل الاتفاق السياسي الذي أقره تحالف إدارة الدولة، وأن هذا التحالف يبدو أنه لم يعد المظلة الجامعة للكتل السياسية، في الوقت الذي تعود فيه الخلافات بين الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة المنضوية ضمن الإطار التنسيقي من جهة، وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة أخرى.

ويعتقد الشمري أن الحزب الديمقراطي الكردستاني أخطأ عندما قدم النوايا على حساب الضمانات، وما يدل على ذلك انقلاب الإطار التنسيقي على الاتفاق السياسي، ويقول “إن الطعن وعدم تمرير ما اتفق عليه السوداني والبارزاني فيما يتعلق بالموازنة يعد أول ردة فعل تجاه سياسيات السوداني التي يمضي بها بعيدا عن الإطار التنسيقي، بما يؤشر لبداية التضييق عليه كرئيس للحكومة وكشخصية لديها مشروع سياسي”.

ويضيف الشمري، في حديثه للجزيرة نت، أن العراق يشهد مرحلة جديدة من التوتر بين بغداد وأربيل، بما يعني الدخول في أزمة سياسية إذا مُرِر قانون الموازنة بعيدا عن إرادة الحزب الديمقراطي وبما سيحرج الحكومة الحالية التي ستكون ملزمة بقانون الموازنة.

ولا يتفق الباحث السياسي غانم العابد مع أطروحات الشمري، إذ يرى أن حكومة السوداني ليس بإمكانها التخلي عن تعهداتها للأكراد، خاصة أنها متهمة من الكتل السياسية السنية بالتنصل عن الاتفاق السياسي وقانون العفو العام.

ويعتقد العابد، في حديثه للجزيرة نت، أن الموازنة ستمرر في نهاية المطاف بعد التوصل لصفقة بين الطرفين، مع إمكانية إضافة ملاحق للموازنة لا تغضب البيت الكردي ولا تجعله يتجه للانسحاب من تحالف إدارة الدولة، لا سيما أن الحكومة الحالية جاءت وفق اتفاق هش لا يتحمل خلافات كبيرة تؤدي لإسقاطها، وهذا ما يعتقده كذلك الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي بأن اللجنة المالية ستتراجع عن تعديلاتها في نهاية المطاف لأجل إقرار الموازنة.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى