عام على عزل 57 قاضيا.. قضاة في تونس يحتجون على قيس سعيّد
تونس- في حركة تصعيدية، نظم قضاة تونسيون بزيهم القضائي -اليوم الخميس- وقفة احتجاجية أمام مبنى المحكمة الابتدائية بتونس، مستنكرين ما سموه استهدافا لاستقلالية القضاء ومحاولة لتطويعه من قبل السلطة بعزلهم وملاحقتهم بتهم كيدية.
ورفع المحتجون شعارات رافضة لما اعتبروه تدخلا من السلطة التنفيذية في عمل القضاء، على غرار “قضاء الحريات لا قضاء التعليمات”، و”تعيينات بالولاء أرفع يديك عن القضاء”، كما نددوا بمنع الصحفيين من دخول ساحة المحكمة الابتدائية من قبل الأمن.
وتأتي الوقفة الاحتجاجية بعد مضي عام على عزل 57 قاضيا بقرار من الرئيس التونسي قيس سعيّد، إثر اتهامه إياهم بالفساد وحماية “الإرهابيين”. كما تأتي الاحتجاج على رفض السلطة تنفيذ أحكام صادرة من المحكمة الإدارية في أغسطس/آب 2022 لفائدة 49 قاضيا من المشمولين بالعزل، للسماح لهم بالعودة إلى عملهم.
خرق للقانون
وحول مستجدات ملف القضاة المعزولين، يقول عضو هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين المحامي العياشي الهمامي -للجزيرة نت- إن السلطة تواصل رفضها وتعنتها في تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية بإرجاع 49 قاضيا لعملهم، معتبرا ذلك “فسادا وخرقا صارخا للقانون والتزامات الدولة باحترام استقلال القضاء”.
ويرى الهمامي أن القضاء يتعرض إلى “تدخل سافر ومفضوح” من قبل الرئيس قيس سعيد “لتطويعه خدمة لمشروعه”، لكنه يؤكد أن هذا التحرك الاحتجاجي سيزيد من وحدة الصفوف للدفاع عن سلطة قضائية مستقلة، ضمانة للحقوق والحريات ضد محاولات تخويف القضاة بالعزل والملاحقة.
ويقول إن هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين متمسكة بأن الاتهامات المنسوبة لهؤلاء القضاة والملاحقين بتهم الفساد والتستر على الإرهاب هي تهم “كيدية ومفبركة”، كاشفا عن تأجيل النظر بشأن طلب رفع الحصانة عن 13 قاضيا ملاحقين بتهم التستر على “الإرهاب” إلى 20 يونيو/حزيران الجاري بطلب من الدفاع.
وكان قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، قد طلب من المجلس الأعلى المؤقت للقضاء نهاية العام الماضي، رفع الحصانة عن 13 قاضيا من بين القضاة المعزولين لمحاكمتهم، وقال الهمامي “لن يقع رفع الحصانة عنهم.. إلا إذا استجاب المجلس الأعلى المؤقت للقضاء لضغوطات وتعليمات السلطة”.
ويضيف “منذ إصدار الرئيس قيس سعيّد مرسوما يتيح له طرد أي قاض بشكل مباشر دون العودة للمجلس الأعلى للقضاء، انتشر مناخ من الخوف بصفوف القضاة الذين أصبحوا مرعوبين من عزلهم وملاحقتهم إذا لم يتقيدوا بالتعليمات”، مشيرا إلى أن هذا المناخ يهدد الحقوق والحريات لجميع المتقاضين في تونس.
تصفية الخصوم
من جانبه، يقول المحامي والناشط السياسي عبد الرؤوف العيادي -للجزيرة نت- إن “استمرار عزل القضاة وملاحقتهم بتهم فارغة من كل المؤيدات يدخل ضمن سياسة الرئيس سعيد لتطويع السلطة القضائية لمصلحته”، مؤكدا أن الهدف من ذلك هو تصفية خصومه وإقصاؤهم، على حد تعبيره.
ويؤكد العيادي أن المحامين أنفسهم أصبحوا محل تتبعات قضائية باعتبار أنهم يترافعون على نشطاء سياسيين موقوفين في قضايا التآمر على أمن الدولة، معتبرا أن جميع الاتهامات الموجهة إليهم من قبل أطراف مجهولة خالية من أي قرائن أو أدلة، وتابع “كل الملاحقات تتم تحت ضغط تمارسه وزيرة العدل”.
ورغم إقرار المحامية والناشطة السياسية المعارضة سامية عبو بعدم إصلاح المنظومة القضائية خلال العقد الماضي وتطويع جزء منها من السلطات المتعاقبة بعد الثورة، فإنها تؤكد -للجزيرة نت- أن “السلطة الحالية باتت تتدخل بشكل سافر ومكشوف في شؤون القضاء من خلال تلفيق الملفات والعزل”.
وتقول إن الرئيس سعيّد “نصب نفسه حاكما وجلادا في الوقت نفسه، بيده مفاتيح السجن يزج فيه من يشاء قبل أن تثبت الإدانة”، مشيرة إلى ارتفاع وتيرة المحاكمات الجائرة والتوقيفات التعسفية للنشطاء والمدونين والصحفيين والنقابيين والمواطنين لمجرد التعبير عن آرائهم وانتقاد السلطة، بحسب نظرها.
محاسبة في إطار القانون
في المقابل، أكد الرئيس قيس سعيّد “على ضرورة محاسبة كل من أذنب في حق الوطن والشعب في إطار احترام كامل للقانون”، وذلك عند استقباله يوم الجمعة الماضي كلا من رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة العدل ليلى جفال.
وكان الرئيس سعيد التقى وزيرة العدل ليلى جفال يوم 23 مايو/أيار الماضي، مؤكدا خلال ذلك اللقاء على أهمية استقلال القضاة، وشدد على ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق الشعب ونهب مقدّراته وما زال يعمل على بثّ الفتنة وتأجيج الأوضاع الاجتماعية.
وقال “كما نريد ألا يُظلم أحد، لا نريد أيضا أن يبقى من ظلموا الشعب ونكلوا به وما زالوا في غيّهم في افتعال الأزمة تلو الأزمة خارج المساءلة، في إطار محاكمات عادلة يعامل فيها الجميع على قدم المساواة”.