بعد رحلات محفوفة بالمخاطر.. سودانيون بين نيران المعارك ورمضاء العبور إلى مصر
وادي حلفا- لم تسع الفرحة السوداني مهند عبد الله وهو يلوح بجواز سفره أمام مئات من الشباب المنتظرين بعد حصوله على تأشيرة دخول إلى مصر من قنصليتها في مدينة وادي حلفا بأقصى شمال السودان على الحدود مع مصر.
وبذلك أنهى عبد الله انتظارا دام زهاء 32 يوما هي مجموع الأيام منذ خروجه من العاصمة السودانية فرارا من الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان الماضي، ولا تزال تدور بعنف حتى اليوم.
وجد عبد الله وآلاف من الشباب السودانيين أنفسهم أمام إجراءات تحتّم عليهم الحصول على تأشيرة مسبقة لدخول الجارة الشمالية وفق ما تنص عليه اتفاقية “الحريات الأربع” التي تسمح بمرور النساء والأطفال والرجال فوق 50 عاما دون الحاجة للحصول على التأشيرة.
وتمنح اتفاقية “الحريات الأربع” التي وقعها السودان مع مصر في عام 2004 حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك لشعبي البلدين، لكنها لم تطبق كاملا على أرض الواقع.
وكان يُفترض أن يسمح الاتفاق الذي أقره برلمانا البلدين في ذلك الوقت للمواطنين المصريين والسودانيين بالإقامة والتنقل في البلد الآخر وكذلك بالعمل وتملّك العقارات والقيام بكل النشاطات المشروعة في كلا الدولتين دون قيود صارمة.
وتقول الخرطوم إنها التزمت بالاتفاق لكن الجانب المصري وضع قيودا على السودانيين من أعمار محددة تضطرهم إلى الحصول على تأشيرة دخول مسبقة بينما أعفيت النساء والأطفال منها.
رحلة الهروب
ظنّ مهند عبد الله (23 عاما) وغيره من المنتظرين أن الحرب من الأسباب الإنسانية التي تجعل التعامل معهم يتناسب وحجم الكوارث التي تركوها خلفهم؛ فرائحة الموت لا تفارقهم بينما تتقافز مشاهد الدمار وأعمال السلب والنهب التي حلّت بمعظم مناطق العاصمة أمام أعينهم، ومع ذلك يقول -للجزيرة نت- إنهم وجدوا أنفسهم في معاناة بالغة في انتظار الحصول على التأشيرة لمصر.
وصل الشاب من الخرطوم إلى مدينة وادي حلفا القريبة من الحدود المصرية، بعد رحلة برية بحافلات استغرقت يومين فرارا من الاشتباكات والعمليات العسكرية التي امتدت إلى ضاحية “اركويت” حيث يقيم مع أسرته، ولا سيما عقب دخول مقاتلي الدعم السريع إلى منازل عدة بتلك الأحياء وتزايد حوادث النهب والسلب بواسطة عصابات “النيقرز” كما يقول.
وفرّ عبد الله بصحبة والديه وأخواته، فعبروا جميعا إلى مصر لعدم انطباق الحصول على التأشيرة عليهم، وبقي هو في انتظار منحه التأشيرة مع مئات من الشباب الذين تخلفوا عن أسرهم.
ولا تختلف قصة عبد الله كثيرا عن صديقه حسام إبراهيم (24 عاما) الذي وصل إلى وادي حلفا بعده بأيام، وقال إن أولى العقبات التي واجهها كانت تمديد أجل صلاحية جواز سفره المنتهية.
ويروي -للجزيرة نت- أنه تمكّن من علاجها في دقائق معدودة بإدارة جوازات حلفا، لكنه ما زال في قائمة الانتظار للحصول على تأشيرة دخول تمكنه من اللحاق بأسرته التي سبقته إلى القاهرة أيضا.
حلول مؤقتة
ومنذ تفجر الحرب في السودان، وتفاقم أزمة تدفّق العابرين، تسعى إدارة الجوازات والسجل المدني بمدينة وادي حلفا لمعالجة عقبات السفر كإصدار وثائق السفر المؤقتة، وتمديد الجوازات المنتهية 6 أشهر أخرى، وإضافة الأطفال الذين لا يملكون جوازات لذويهم دون رسوم مالية، ويتم ذلك خلال دقائق معدودة.
يقول أحد ضباط الجوازات -للجزيرة نت- إن توجيهات إدارة الجوازات بوزارة الداخلية السودانية كانت تنص على ضرورة معالجة كل العقبات التي تمكّن الراغبين من السفر وتسهيل الإجراءات دون تأخير، وعلى الرغم من الازدحام الذي تعجّ به إدارة الجوازات والسجل المدني فإن الشكاوى من التأخير “قليلة للغاية”.
ويشير إلى أن العمليات الإجرائية تصل يوميا إلى نحو 600 عملية بين إضافة أبناء أو تمديد جوازات، فضلا عن استخراج 400 إلى 500 “إفادة مؤقتة للرقم الوطني” من السجل المدني، موضّحا أن توقف إصدار جوازات جديدة ووثائق ثبوتية منذ اندلاع الحرب للمسافرين في الخرطوم وحلفا ودنقلا حدا بهم إلى إصدار تلك الوثائق المؤقتة تسهيلا على المواطنين.
ولم تتمكن عائلات كثيرة من حمل وثائقها الثبوتية معها بفعل العمليات العسكرية التي منعت وصولهم إلى ديارهم من جديد بعد أن فروا منها خلال احتدام المعارك.
في انتظار الفرج
وتقول سالي منير، وهي سيدة سودانية من الطائفة القبطية تسكن حي المسالمة بأم درمان، إنها خرجت مع زوجها وأسرتها برفقة عدد من أقاربها بعد اشتداد القصف حيث تقيم.
وتروي للجزيرة نت كيف أن “الله أنقذهم من الموت” مرتين؛ الأولى حين خرجوا سالمين من القصف، والثانية عندما شب حريق في الحافلة التي استقلوها من أم درمان إلى حلفا قبيل وصولهم إلى منطقة الملتقي (300 كيلومتر شمال الخرطوم) حيث قضى الحريق على أمتعتهم ووثائقهم الثبوتية الخاصة بها وبأبنائها وزوجها.
وتقول سالي إن سلطة الجوازات لم تتمكن حتى الآن من الوصول إلى حل لمشكلتها فقد توقف إصدار الجوازات الجديدة في كل السودان منذ اندلاع الحرب، فضلا عن تعليق الجانب المصري لمرور حملة الوثائق الاضطرارية منذ نهاية الأسبوع الماضي لكل الفئات.
وكانت إدارة الجوازات بالاتفاق مع الجانب المصري ومنذ بداية الأزمة تصدر وثائق اضطرارية للنساء والأطفال دون 16 والرجال فوق 50 عاما ممن فقدوا جوازاتهم؛ حيث لا تزال سالي وأسرتها في الانتظار دون معرفة مصيرها وإن كانت ستتمكن من السفر أم ستظل عالقة بوادي حلفا.
ومنذ بدء القتال في الخرطوم مع منتصف أبريل/نيسان الماضي، تصل إلى وادي حلفا يوميا 15 إلى 20 حافلة محمّلة بالمسافرين بخلاف السيارات الخاصة من الراغبين في عبور الحدود إلى مصر.
ويقول هؤلاء إن الإجراءات تسير ببطء بسبب التدقيق القنصلي والأمني في معبري أشكيت وأرقين حيث يصل عدد التأشيرات المستخرجة يوميا من القنصلية المصرية بوادي حلفا في أحسن الحالات إلى 50 تأشيرة يوميا للسودانيين.
وتُخصص القنصلية المصرية 3 نوافذ لطالبي التأشيرات، إحداها عامة للأعمار من 16 إلى 49، ونافذة للسودانيين من أصول مصرية، وثالثة للحالات الخاصة من المرضى الذين يشتكون من قلة عدد التأشيرات الممنوحة لهم وتأخيرها بسبب التدقيق في الوثائق الطبية المرفقة، فضلا عن ضرورة منح تأشيرات للمرافقين.