إفادات خاصة للجزيرة نت.. كيف يعمل الصحفيون في ظل الحرب بالسودان؟
الخرطوم- لم يكن الصحفي مجاهد باسان موقنا بنجاته من الموت عند إيقافه بمنطقة الجريف شرقي الخرطوم من قبل قوات الدعم السريع ووضع السلاح على رأسه، حيث تم التشدد معه والتحقيق عقب إبرازه لهويته الصحفية، وهو الأمر الذي حدا به لاحقا إلى إخفائها وإبراز رخصة القيادة فقط.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، قال باسان “إنني عقب نجاتي أصبحت أحمل رخصة القيادة حتى لا أتعرض للتوقيف أو الاعتقال”، موضحا أن “الصحفيين أكثر عرضة للانتهاك من قبل ميليشا الدعم السريع”.
وتابع “لا نستطيع العمل بحرية وأمان، أقوم أحيانا كثيرة بإخفاء هويتي الصحفية خشية الوقوع في الأسر أو التعرض للمضايقات”.
الصحفي والمدرب الإعلامي خالد سعد يعكس وجها آخر من المعاناة، وقال للجزيرة نت “ما زلت مقيما بصعوبة في الخرطوم، أقوم بتغطيات ميدانية في حدود الاستطاعة، ولا أستطيع نشرها لعدم توفر الطاقة الكهربائية أو عدم توفر خدمة الإنترنت إلا في أوقات نادرة”.
وأدت الحرب إلى توقف مؤسسات تلفزيونية وإذاعية، وتوقف أكثر من 20 صحيفة ورقية عن الصدور، وتحوّل بعضها إلى مواقع إلكترونية.
ظلال الحرب
في هذا السياق، قال مسؤول العلاقات الخارجية بنقابة الصحفيين السودانيين طاهر المعتصم إن العشرات من الإعلاميين تعرضوا لانتهاكات ولاقتحام منازلهم، وكانت قوات الدعم السريع الطرف الأكثر انتهاكا، كما رصدت انتهاكات من الجيش السوداني، كاعتقال عضو مجلس نقابة الصحفيين شوقي عبد العظيم ومصادرة جواز سفره.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف المعتصم أن أغلب المؤسسات متوقفة عن العمل باستثناء بعض القنوات الفضائية، ورصدت النقابة قبل الحرب فقدان 250 صحفيا لعملهم، مؤكدا أنها تضاعفت بنسبة كبيرة بعد الحرب.
وشدّ بعض الصحفيين الرحال خارج السودان، وبلغت نسبة المغادرين العشرات، وتوجد النسبة الأكبر منهم في مصر بعدد 50 إعلاميا وهو رقم قابل للزيادة، بينما توجهت نسبة أقل إلى كل من تشاد، وإثيوبيا، ونيروبي، وجنوب السودان، فضلا عن عن السعودية والإمارات، حسب المعتصم.
وتضع الصحفية دُرة قمبو مقاربة أخرى في الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع، كالتضليل من الطرفين، وتقول للجزيرة نت إنها محاولة معتادة لاستغلال الصحافة في ظل صراعها الدائم مع السلطة، واصفة العمل في ظل الحرب بأنه صعب للغاية، فالمصادر العسكرية من الطرفين شحيحة جدا في تقديم المعلومات.
وترى أن ذلك يؤثر على القدرة في جمع المعلومات والتحقق المباشر منها وفي الوقت المناسب، واللجوء إلى الوسائل التقليدية التي تستغرق وقتا أطول.
وأشارت إلى خطورة تحركات الصحفيين في الشارع، خاصة عند المرور بمنطقة تفتيش أي من الطرفين، فالإعلامي دائما متهم بالانحياز للطرف الآخر، حسب وصفها.
اعتقال وتهديد
في إطار متصل، يوثق تقرير لنقابة الصحفيين السودانيين عددا من الانتهاكات منذ اندلاع الاشتباكات، حيث لم يتوقف استهداف الصحفيين والمؤسسات الإعلامية من قبل طرفي الصراع، بالإضافة إلى الاعتداء على مقار المؤسسات الإعلامية والقصف المدفعي، ونزوح أعداد كبيرة خارج الخرطوم، واللجوء خارج السودان، فضلا عن العالقين في مناطق حدودية.
ويشير تقرير النقابة إلى تعرض عدد من الصحفيين والصحفيات للاعتقال، والتهديد، والاختفاء، والإصابات، والنهب.
وتعرض المراسل بإدارة الأخبار بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون نادر شلكاوي للاعتقال، ثم الترحيل إلى معسكر الدعم السريع بمنطقة صالحة جنوبي أم درمان، قبل أن يفرج عنه لاحقا.
كذلك تعرض مراسل الجزيرة نت أحمد فضل للضرب واقتحام مقر إقامته من قبل قوات الدعم السريع، بجانب تعرض مراسلي الجزيرة أسامة سيد وأحمد البصيلي لإطلاق نار من قناصة في شارع الستين بالعاصمة الخرطوم، وتعرض الصحفية زمزم خاطر للاعتقال من قبل قوة تابعة للجيش بشمال دارفور.
التعرض للاعتقال أو الضرب لم يكن المعاناة الوحيدة التي ألقت فيها الحرب بظلالها على عمل الصحفيين، إذ يقول الصحفي محمد أزهري إن هناك صعوبة في الحصول على المعلومات، وعدم توفر وسائل الحماية المطلوبة، وإن وجدت فإنها توفر بطريقة شخصية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف أزهري أن العمل في ظل الحرب بين الجيش والدعم السريع ضرب من ضروب المجازفة بالنفس، خاصة العمل الميداني، وخطورة توثيق الأحداث أو تغطيتها عبر الكاميرا، فربما يعرض ذلك الصحفي للموت برصاص القناصين.
وتابع “لا يحترم أيّ من الطرفين المتنازعين الصحفيين، خاصة أفراد قوات الدعم السريع، وغالبا يعتبرون الصحافة جريمة تعرض ممتهنها للاعتقال”.
غياب الإعلام الوطني
بدوره، قال الأمين العام للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات عبد العظيم عوض إن الحرب قضت على الصحافة تماما، مشيرا إلى أن غيابها أدى إلى انتشار أخبار السودان من الوسائط الإلكترونية والإعلام الخارجي، مع غياب تام للإعلام الوطني.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف عوض أن القنوات الأجنبية في كثير من الأحيان غير مسؤولة في تقديم وعرض أخبار الشأن السوداني.
ويرى أن توقف الإذاعة السودانية من أكبر أضرار الحرب، فقد كان بإمكان برامجها أن تلعب دورا في احتواء المعارك، متابعا “إذاعة أم درمان منذ تأسيسها في عام 1940م لم يتوقف بثها إلا في 15 أبريل/نيسان (موعد اندلاع الاشتباكات) لأول مرة في تاريخها”.