ضغوط شديدة لليمين المتطرف وقيادات المستوطنين.. هل تمت العملية العسكرية في جنين مثل ما خطط لها الاحتلال؟
القدس المحتلة- أثبتت الخسائر غير المتوقعة التي تكبدها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العملية العسكرية على جنين ومخيمها اليوم الاثنين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما زال رهينة لتيار وأحزاب اليمين الاستيطاني الدينية المتطرفة التي دعت من خلال رئيس “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش إلى شن عملية عسكرية واسعة على شمالي الضفة وإحكام السيطرة عليها.
وتمارس الحكومة ضغوطا شديدة على قوات الأمن لشن عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة، وازدادت الضغوط في الأسابيع الأخيرة بذريعة شن المقاومة الفلسطينية عدة هجمات وعمليات إطلاق نار، والحملة التي يقودها المستوطنون للمطالبة بتجديد السيطرة على منطقة جنين.
ووسط السجال في المشهد الإسرائيلي، أجمع محللون على أن أي عملية عسكرية شاملة بالضفة لن تخرج لحيز التنفيذ من دون ضوء أخضر من المؤسسة العسكرية التي لديها “في الدرج” سيناريو من هذا القبيل، حيث إن التنفيذ سيكون رهينة للأحداث والتطورات الميدانية، وليس لرغبات السياسيين.
وقلل محللون من احتمالات إخراج سيناريو عملية عسكرية شاملة في شمالي الضفة إلى حيز التنفيذ بسرعة، وذلك رغم دعوات أحزاب اليمين وحشد تيار المستوطنين بالضغط على نتنياهو ومحاولة ابتزازه للرضوخ لمطالبهم.
مخاوف وتطورات
لكن المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل يقول إن “الجيش الإسرائيلي لا زال يعارض عملية كبيرة، لكن يبدو أن جهاز الشاباك يغير رأيه تدريجيا”.
وعزا التغيير الحاصل لدى الشاباك إلى سببين: الأول تصاعد كبير في مستوى تحضير ونجاعة العبوات الناسفة التي يتم إعدادها في مخيم جنين. والسبب الثاني هو الخوف من انتشار المقاومة في شمال الضفة إلى مناطق أخرى خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.
وبمعزل عن العمليات العسكرية المحدودة للاحتلال خلال الفترة الأخيرة على جنين ومخيمها، يعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن الدعوات للتيار الاستيطاني بشن عملية عسكرية شاملة تأتي لأن اليمين المتطرف في الحكومة شعر بفائض من القوة والسيطرة على نتنياهو.
ولا يستبعد الباحث في الشأن الإسرائيلي سيناريو عملية عسكرية شاملة على شمالي الضفة وليس على جنين ومخيمها وحسب، لكنه قلل في حديثه للجزيرة نت من احتمال مثل هذا السيناريو، لأن هذه العملية ستكون لها تداعيات على إسرائيل في مختلف مناحي الحياة، علما أن نتنياهو أثبت مؤخرا أنه ليس محكم السيطرة على حكومته أو حتى حزب الليكود الذي يترأسه.
وأوضح شلحت أن نتنياهو عاد ليكون قابلا للابتزاز، حيث ساد الاعتقاد بأنه بعد المصادقة على الميزانية العامة وتقديم نتنياهو تنازلات كبيرة للشركاء بالائتلاف لتجنب إسقاط الحكومة والتوجه إلى الانتخابات، سيعود نتنياهو رئيسا للحكومة من دون إمكانية إخضاعه للمزيد من الابتزاز.
وخلافا للدوافع السياسية والابتزازات لرئيس الوزراء نتنياهو، أشار شلحت إلى أن سياسة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تجاه الفصائل الفلسطينية المسلحة هي القوة، وفي حال لم يحقق الاحتلال أهدافه يكون التوجه الأمني للاحتلال استعمال المزيد من القوة، لكن ليس إلى درجة التورط في المخيمات وتكبد الخسائر العسكرية والبشرية.
أزمات وتحفظات
ويعتقد أن العملية العسكرية المحدودة في جنين ومخيمها فجر اليوم الاثنين لم تتم مثلما خطط لها من قبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث تورطت قوات الاحتلال بعناصرها وآلياتها العسكرية، واضطر الجيش للاستعانة بسلاح الجو لأول مرة منذ 20 عاما لتخليص جنوده الذين في حالة تشبه الأسر.
وعلى هذا الأساس، وفي سياق تصاعد وتيرة المقاومة تحديدا في شمالي الضفة، يقول شلحت إن “تمادي إسرائيل في استخدام القوة لا يؤدي إلى كبح المقاومة، وبالتالي هذه العملية تعكس حالة الأزمة التي تتواجد بها الحكومة الإسرائيلية”.
وفي ما يتعلق بالجدل بشأن هذه العملية في الأوساط الإسرائيلية، يقول شلحت إن “هذا الجدل يؤكد أن نتنياهو قابل للابتزاز من قبل شركاء الائتلاف، كما أن استخدام القوة العسكرية المفرطة لا يمكن أن يؤدي إلى كبح المقاومة الفلسطينية التي تحاول وضع قواعد اشتباك جديدة بالضفة”.
ورغم التنافس بين الأحزاب اليمينية والاستيطانية في حكومة نتنياهو لشن عملية عسكرية واسعة، والذي يأتي في سياق مكاسب سياسية، فإن المختص في الشأن الإسرائيلي يقول إن “صاحب القول الفصل هو المؤسسة العسكرية التي ما زالت تتحفظ على شن عملية واسعة في شمالي الضفة”.
الضفة ولبنان
وفي قراءة للعملية العسكرية وسقفها وما سبقها من تحشيد من قيادات المستوطنين، يعتقد الإعلامي الإسرائيلي يواف شطيرن المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية أن العملية العسكرية في جنين ومخيمها تأتي في صلب وجوهر أجندة وبرامج الأحزاب اليمينية الاستيطانية بالحكومة من أجل توسيع المشروع الاستيطاني وإحكام السيطرة الإسرائيلية التامة على الضفة الغربية.
ورجح شطيرن -في حديثه للجزيرة نت- أن العملية العسكرية في جنين ومخيمها، ونصب الكمين، وتفجير عبوة؛ خلّفت إصابات في صفوف القوات الإسرائيلية وخسائر في الآليات والعتاد العسكري، مما يعيد إلى الأذهان مشاهد الحرب في جنوب لبنان؛ الأمر الذي يقلق الجيش الإسرائيلي ويثير مخاوفه.
وأشار إلى أن ما حصل في جنين ومخيمها بمثابة مؤشرات ورسائل للإسرائيليين حيال تداعيات سيناريو شن عملية عسكرية شاملة، حيث أظهرت نتائج العملية العسكرية -فجر الاثنين- أنه لا يوجد للجيش الإسرائيلي إمكانية وحرية للتنقل في الضفة الغربية كما كان بالسابق.
منذ ساعات.. جنين ومخيّمها يعيشان أجواء معركة 2002.
العدو يستخدم المروحيات لأول مرة منذ تلك التاريخ.
اشتباكات عنيفة بعد تفجير إحدى آليات العدو بعبوة نافسة، واستنجاد جنودهم بالمروحيات.
3 شهداء وعشرات الجرحى حتى الآن.
صنعوا البطولة وبذلوا الدّم.
سلام عليهم وعلى أرض لا تستكين للغزاة. pic.twitter.com/HucWHqVVfW— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) June 19, 2023
سيناريوهات وتداعيات
وأوضح الإعلامي الإسرائيلي أن ما حدث في جنين ومخيمها يعد تحولا نوعيا في المواجهة والصراع بين الفصائل الفلسطينية المسلحة والقوات الإسرائيلية، وعليه تتصاعد مطالب أحزاب اليمين الاستيطاني بشن عملية عسكرية شاملة لأهداف سياسية وإرضاء جمهورها، وذلك خلافا لموقف المؤسسة العسكرية التي تبدي تحفظات كثيرة.
وعزا الإعلامي الإسرائيلي السجال إلى التباين في المواقف والأهداف من وراء أي عملية عسكرية شاملة، إذ تعود أهداف تيار وأحزاب اليمين الاستيطاني لدوافع سياسية ولإرضاء جمهور الناخبين، بينما تحفظ المؤسسة العسكرية يعود إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يريد التورط في حرب عصابات بالضفة الغربية تكبده خسائر فادحة في العتاد والأرواح.
ويعتقد أنه لا يمكن للجيش الإسرائيلي حسم حرب عصابات، خاصة أنه ليس بمقدوره تصفية فصائل المقاومة، وبالتالي عملية عسكرية شاملة بالضفة ستجبر إسرائيل على دفع أثمان باهظة في الممتلكات والأرواح، وأيضا في صفوف المدنيين، وستكون لذلك تداعيات على مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية، وكذلك عودة العمليات المسلحة في العمق الإسرائيلي.