الاخبار العاجلةسياسة

بعد أن هدأت عقب انتخابات الرئاسة.. السوريون يتصدرون السجالات السياسية في تركيا مجددا

أنقرة ـ مجددا عاد اللاجئون السوريون لتصدّر النقاشات السياسية الساخنة في تركيا بعد نحو شهر على الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تمكن فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه من الفوز على المعارضة رغم استخدامها لملف اللاجئين السوريين الذي يعد من المواضيع الحساسة في الشارع التركي.

وبينما تفصل البلاد عن الانتخابات المحلية 9 أشهر، بدأت الحكومة والمعارضة التحضير لمعركة مصيرية أخرى لا تقل أهمية لكلا الطرفين -حسب مراقبين- عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي عقدت في مايو/أيار الماضي، مع تأكيد حزب العدالة والتنمية الحاكم عزمه استعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة.

وبينما يركز حزب العدالة والتنمية الحاكم على نقد أداء بلديات المعارضة، تحرص البلديات على إثارة قضية اللاجئين السوريين وضرورة عودتهم إلى بلادهم كجزء من حملتها الانتخابية.

ففي إزمير، التي تعد أبرز معاقل حزب الشعب الجمهوري المعارض، حمّل رئيس البلدية تونج سوير المهاجرين في المدينة مسؤولية التسبب بانتشار التلوث فيها. وردا على ذلك، اتهم أيوب قدير إنان، رئيس الذراع الشبابية لحزب العدالة والتنمية والنائب عن إزمير، سوير “بالتذرع بالسوريين لتبرير تقاعسه”.

مقارنة تركيا بفرنسا

ومن جانبه، سارع زعيم حزب الظفر اليميني المعادي للاجئين أوميت أوزداغ إلى التحذير من أن يقدم السوريون على أعمال مشابهة لما يحدث في فرنسا منذ أيام، زاعما أن الوضع في تركيا سيكون أخطر بسبب وجود أسلحة في أيدي “التنظيمات الإرهابية”.

وردّ محمد تشيليك الناطق باسم حزب العدالة والتنمية على التغريدات التي تبنّت مقولة أوزداغ ونشرها صحفيون وسياسيون، قائلا إن من غير المقبول مقارنة سياسة الهجرة التركية بالسياسات الاستعمارية لفرنسا.

وأضاف تشيكيك “هؤلاء يستهدفون اللاجئين ويرتكبون جريمة كراهية ويدعون لخلق مشاكل في تركيا من شأنها تعكير أجواء السلام السائدة في عموم البلاد”، لافتا إلى أن “الشعب التركي لقّن هؤلاء درسًا خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة”.

من جهته، تحرك الادعاء العام في البلاد على خلفية المقارنة بين فرنسا وتركيا، وأعلن فتح تحقيق بحق حسابات بعد نشرها تغريدات “تحرض على الكراهية”.

 

 

إشاعات ومظاهرات

ولم تقف الشائعات عند حد التخويف من المستقبل، فقد تداولت حسابات معارضة مقاطع فيديو، لم يتم التحقق منها، قالت إنها للاجئين سوريين يسبحون في مناطق يحظر فيها السباحة، “مثيرين فزع المواطنين”.

وإثر تداول هذه المقاطع، رصد رواد مواقع التواصل الاجتماعي قيام بلدية إزمير بتسيير دوريات في بعض المناطق الساحلية بالمدينة بهدف منع السباحة في الأماكن غير المخصصة للسباحة.

ويوم الأحد أدى تداول إحدى الشائعات التي تفيد بقيام سوريين بتسميم كلب ومهاجمة منازل لمواطنين أتراك إلى خروج مظاهرة لشبان في مدينة ديلوفاسي بولاية كوجالي تدعو لطرد السوريين، إلا أن والي كوجالي أكد في بيان لاحقا أن ما حدث كان مشاجرة بين أتراك على خلفية مقتل الكلب، وأن السوريين الذين كانوا حاضرين لم يشاركوا في الشجار لكن حاولوا التدخل، مؤكدا إحالة 10 منهم إلى إدارة الهجرة.

ويرى مراقبون أن اجتياح الشائعات المتعلقة بالسوريين وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا مرتبط بتصريحات السياسيين وإثارة الخوف بهدف استخدام هذه الورقة للفوز بالانتخابات البلدية في مارس/آذار المقبل.

 

 

ما أسباب إثارة مشكلة الوجود السوري مجددا؟

رغم أن الحملة الانتخابية التي أطلقتها المعارضة في الانتخابات الأخيرة ركزت في وعودها على مشكلة اللاجئين دون أن تسفر عن النتيجة المرجوة، فإن تمسكها بهذا الملف رغم ذلك يطرح تساؤلا عن الأسباب الحقيقية. الكاتب والباحث السياسي التركي أنس يلمان يعزو ذلك إلى عدة أسباب في تعليق له على الموضوع أدلى به للجزيرة نت.

وحسب يلمان، فإن السبب الأول هو أن “المعارضة التركية وإن خسرت الانتخابات الأخيرة إلا أنها لمست نجاحها بشكل ما في إثارة المشاكل وتهييج الشارع بحيث وصلت الفتنة إلى بعض الأوساط التي لم نكن نتخيل أن تصل إليها”.

والثاني هو عدم امتلاك المعارضة ورقة أخرى غير ورقة اللجوء “بعدما استنزفوا كل أوراقهم في الانتخابات العامة”، ولذلك فإن الهدف الأقصى لهم هو “أن يحافظوا على البلديات التي في أيديهم على أقل تقدير”، كما يقول الباحث السياسي.

والسبب الثالث، حسب المتحدث نفسه، هو شعور المعارضة بأن لديها هذه المرة فرصة مناسبة، وهي 9 أشهر قبل الانتخابات المحلية لتصعيد استخدام ورقة الوجود السوري في الدعاية الانتخابية.

منطقة ميدان أسنيورت في اسطنبول الذي يضم أحد أبرز تجمعات السوريين في المدينة - إبراهيم العلبي - تركيا - أرشيف (2022)
ميدان أسنيورت في إسطنبول أحد أبرز تجمعات السوريين في المدينة (الجزيرة)

توحد التيار

وبجانب هذه الأسباب، فإن تصاعد حضور ملف اللاجئين السوريين في الطريق إلى الانتخابات المحلية بصورة تفوق ما كان عليه الحال قبل الانتخابات العامة قد يتطلب سببا إضافيا.

ويعتقد أنس يلمان أن “توحّد التيار المناهض لوجود السوريين” هو السبب الرئيس في ذلك، مضيفا أن انضمام حزب الظفر بقيادة أوميت أوزداغ إلى تحالف المعارضة جعل الجامع المشترك بينها أقوى لا سيما بعدما برزت مساعي الأحزاب المحافظة لتوحيد صفوفها بشكل منفصل.

وحسب الباحث التركي، فإن استخدام ورقة السوريين ليس جديدا بل بدأ مع انتخابات البلدية عام 2019، إلا أنه مع الوقت ومع رؤية تأثير ذلك على الشارع التركي “اكتسبت المعارضة خبرة في تهييج الشارع، ولذلك فهم يصعدون استخدام هذا الملف إلى مستوى أكثر خطورة مع كل انتخابات”.

مقتضيات التحالف

من جهته، أضاف المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمنية أحمد حسن سببا آخر لحضور ملف اللاجئين في الوسط السياسي والشعبي بعيدا عن التحضير للانتخابات البلدية المرتقبة، قائلا إن الأحداث الجارية في فرنسا تعد سببا رئيسا في ذلك.

وقال حسن، في حديث للجزيرة نت، إن أوزداغ اعتبر أحداث فرنسا فرصة لإعادة طرح ملف اللاجئين باعتباره تهديدا للأمن القومي.

ويأتي اعتماد هذا الخطاب في المرحلة الحالية، حسب المحلل السياسي ضمن سياق التحالف بين حزبي الظفر والشعب الجمهوري الذي يمتلك مكنة إعلامية ضخمة مقارنة بأوزداغ الذي يسعى لاستغلال ذلك لمصلحة الترويج لمشروعه.

ويرى حسن أن أوزداغ وكليجدار أوغلو لم يعد لديهما ما يخسرانه على عكس بقية الأحزاب، ولذلك يمكن رصد حدة عالية وجرأة أكبر في الخطاب السياسي مع الاعتماد على إبراز التهديدات الأمنية.

سوريون ينتظرون دورهم لدخول مبنى شعبة الأجانب في إدارة الهجرة في منطقة بايزيد وسط اسطنبول - إبراهيم العلبي - تركيا - أرشيف 2022
حملات تفتيش على التراخيص والأوضاع القانونية للسوريين بإسطنبول (الجزيرة)

كيف تتعامل الحكومة؟

وكان والي إسطنبول الجديد داود غول قد أكد في تصريحات سابقة أنهم لن يسمحوا بتجاوز القانون فيما يتعلق بأوضاع اللاجئين، متعهدا بترحيل أي مهاجر مخالف يقيم في إسطنبول، وتبعت تلك التصريحات حملة تفتيش للسلطات على التراخيص والأوضاع القانونية للمحلات التجارية المملوكة من قبل السوريين في إسطنبول.

ويرى الكاتب والباحث السياسي أنس يلمان أن حزب العدالة والتنمية التركية اكتسب خبرة في التعامل مع المعارضة فيما يتعلق بملف اللجوء والملفات الأخرى التي تعوّل عليها في الانتخابات، تماما كما اكتسبت المعارضة خبرة في استخدام ملف السوريين.

ورجح يلمان أن يركز التحالف الحاكم على نقد أداء البلديات الخاضعة لسيطرة المعارضة وتقديم الوعود المتعلقة بالخدمات والبنية التحتية في مقابل عدم السماح بتصعيد ورقة الوجود السوري، مع الحرص على إعادة إبراز “السياسات التمويهية” للحكومة القائمة على تحقيق العودة الطوعية للاجئين والتقارب مع النظام السوري.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى