بعد 6 سنوات على استعادة الموصل من تنظيم الدولة.. ما وضع المدينة اليوم؟
الموصل– “الوضع الأمني مستقر بصورة مثالية، عمليات إعادة الإعمار جيدة لكنها بطيئة في مختلف القطاعات باستثناء القطاع الصحي الذي لا يزال متدهورا”، بهذه الكلمات يصف أحمد الزيدي أحد مواطني مدينة الموصل القديمة الوضع في مدينته التي كانت الحكومة العراقية قد أعلنت استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العاشر من يوليو/تموز 2017.
ويؤكد الزيدي في حديثه للجزيرة نت أن الزائر للموصل قد لا يصدق أنها المدينة ذاتها التي خرجت من حرب مدمرة عام 2017، لكن الواقع يؤكد أن عمليات الإعمار ورغم أنها قد توصف بالجيدة فإنها دون الطموح، ولا سيما في ظل تدهور البنى التحتية مثل المستشفيات وقطاع النقل العام والكهرباء وفرص العمل، وفق قوله.
وفي ما يتعلق بالمدينة القديمة التي تعد الأكثر تضررا من الحرب، يؤكد الزيدي أن ملايين الأطنان من الأنقاض قد تم رفعها، لكن عمليات الإعمار الفعلية من قبل الحكومة اقتصرت على شبكات المياه والكهرباء والطرق، لافتا إلى أن ما تم إعماره من البيوت والعمارات التجارية كان على حساب القطاع الخاص، وفق قوله.
عمليات الإعمار
وعلى صعيد عمليات إعادة الإعمار، يقول محافظ نينوى نجم الجبوري إن المحافظة (مركزها مدينة الموصل) شهدت تدميرا شبه كامل خلال سيطرة تنظيم الدولة وخلال عمليات تحريرها، وإن مسلحي التنظيم كانوا قد دمروا أغلبية البنايات الحكومية والمستشفيات، ولا سيما أن التنظيم استهدف المدينة بأكثر من ألف سيارة مفخخة خلال العمليات العسكرية، مبينا أن حجم الخسائر قدر بنحو 15 مليار دولار.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الجبوري -الذي كان يشغل منصب قائد عمليات نينوى العسكرية خلال تحرير المحافظة- أن عمليات الإعمار خلال السنوات الماضية شهدت إعادة بناء أغلبية البنايات الحكومية وتعبيد طرق المدينة مع إعادة إعمار وبناء 7 مستشفيات وعشرات المراكز الصحية، مع العمل على المباشرة بإعادة إعمار بقية المستشفيات،
وقال “بالطبع، هذا الإعمار لا يمثل طموح الحكومة المحلية، لكن استطعنا وضع المدينة على المسار الصحيح، خاصة أن أغلبية الأقضية والنواحي التابعة للمحافظة باتت مثالا جيدا يحتذى به في بقية المحافظات العراقية”.
وقد لا يقف الأمر عند ذلك، إذ يشير إلى أن الحكومة المحلية استطاعت إعادة إعمار 345 مدرسة خلال العام الحالي فقط مع وجود عشرات المدارس الأخرى قيد البناء، أما بشأن تعويضات المواطنين عن خسائر الحرب فيعلق الجبوري قائلا “استطعنا صرف تعويضات تقدر بنحو 305 ملايين دولار لآلاف المواطنين، ولا زلنا بحاجة لقرابة 270 مليون دولار أخرى لإتمام ملف التعويضات الخاصة”.
وفي ما يتعلق بالمدينة القديمة، أكد الجبوري أن عمليات إعمار الجامع النوري ومنارته الحدباء وكنيسة الساعة التاريخيين لا تزال مستمرة، ومن المؤمل اكتمالهما العام القادم بجهود منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، لافتا إلى أن المدينة القديمة ستشهد إنشاء كورنيش الميدان المطل على الواجهة النهرية لنهر دجلة، إذ إن المشروع قيد الدراسة وسيحال إلى شركات أجنبية قريبا، حسب قوله.
بدوره، أكد مدير طرق وجسور نينوى رضوان الشهواني أن جميع جسور مدينة الموصل الخمسة التي تربط شطري المدينة على نهر دجلة قد أعيد إعمارها وافتتاحها بعد أن كانت مدمرة بالكامل، مضيفا أنه قد تم استحداث جسرين اثنين داخل المدينة، وهما الجسر الحديدي التوأم للجسر القديم، مع بدء العمل بالجسر السادس شمال المدينة.
وفي تصريحه للجزيرة نت، أكد الشهواني أن هناك عشرات الجسور في محافظة نينوى التي قد تم تدميرها، وأن جميع هذه الجسور قد أعيد إعمارها، وأهمها جسر بادوش والكيارة ومنيرة والزاب والكوير الذي يعد أطول جسور العراق بطول يناهز ألف متر.
إعمار منقوص
وقد لا يتفق الموصليون مع تصريحات المسؤولين الحكوميين، إذ يقول الصحفي الموصلي جمال البدراني إن الوضع في المدينة وعمليات إعادة الإعمار تبدو واضحة، وإن هناك اختلافا جذريا من الناحية العمرانية، لكن القطاع الخاص كان له دور كبير في ذلك.
أما عن جهود الإعمار الحكومية فيشير إلى أنها قد لا ترتقي ولا تقارن بالمبالغ الطائلة التي صرفتها الحكومة الاتحادية، مبينا أن نوابا برلمانيين من مدينة الموصل كانوا قد كشفوا عن تخصيص بغداد أكثر من 4 مليارات دولار لإعمار محافظة نينوى خلال السنوات الست الماضية، الأمر الذي يجعل الموصليين يتساءلون عن حجم الإعمار الحكومي مقارنة بكم هذه الأموال، وفق قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف البدراني أن أغلب عمليات الإعمار “ترقيعية” واقتصرت على إعادة تعبيد الطرق وإنشاء بعض جسور المشاة داخل الموصل، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن جميع الجسور الرئيسية التي تم إعمارها كانت من قبل المنظمات الدولية والحكومة الاتحادية.
كما انتقد البدراني وضع المؤسسات الصحية وعدم اكتمال إعادة إعمار مطار الموصل الدولي والمستشفيات، مشيرا إلى أنه “رغم حجم الانتقادات وعمليات الإعمار التي هي دون الطموح حكوميا فإنه لا أحد ينكر أن الموصل باتت أفضل حالا مما كانت عليه قبل 6 سنوات، وأن وضعها بصورة عامة أفضل من ناحية الإعمار حتى من العاصمة بغداد”.
من جهته، يشير أحمد الزيدي إلى أن “عشرات المساجد التاريخية المعروفة أعيد إعمارها من خلال التبرعات، وأن ما يشهده الزائر للمدينة من نهضة عمرانية في مجال مراكز التسوق والعمارات التجارية كان القطاع الخاص هو صاحب اليد الطولى في ذلك”.
دور الصراع السياسي
من جانبه، يرى الناشط الموصلي محمد عباس أن المجتمع المدني والفرق التطوعية كانت هي التي بدأت حملات إعادة الإعمار والإغاثة، مما شجع الحكومة المحلية على البدء بمساعدة الجهد المدني لإعادة الحياة إلى الموصل، ثم ما لبثت المنظمات الدولية وتلك التابعة للأمم المتحدة أن بدأت عملها في المدينة، مما أسهم في تحريك عجلة الإعمار.
ومع ذلك، يرى عباس -في حديثه للجزيرة نت- أنه رغم جهود الإعمار الحكومية الواضحة فإن الصراع السياسي بين الأحزاب أثر على نوع الإعمار وجودته، مبينا أن حركة الإعمار الحقيقية بدأت بعد انتهاء جائحة كورونا عام 2021، وهو ما انعكس إيجابا على الوضع البلدي في الموصل.
وفي ما يتعلق بالقطاعات الخدمية والبنى التحتية، يؤكد عباس أنه لا يمكن إنكار الجهود الخدمية للحكومة المحلية واستحداث العديد من المتنزهات والمشاريع الخدمية.
لكنه أشار إلى أن مشاريع أخرى لا تزال تشهد قصورا واضحا، إذ إن المجمع الطبي في الجانب الأيمن (الغربي) للموصل لا يزال مهدما، مع الأخذ بالاعتبار أنه يضم أكثر من 5 مستشفيات عامة وتعليمية وتخصصية لأمراض الدم والأورام والمزمنة، فضلا عن قصور واضح في العديد من مشاريع البنى التحتية، ويعزو ذلك إلى الصراع السياسي الدائر في المحافظة، والذي يخشى أن يستفحل بصورة أكبر مع اقتراب انتخابات المجالس المحلية في ديسمبر/كانون الأول القادم، وفق تعبيره.
ولا يقف عباس عند ذلك، إذ يرى أن الحكومة المحلية ونواب المحافظة في المجلس التشريعي لم يفلحوا حتى الآن في الحد من الصعوبات التي يواجهها الموصليون في ما يتعلق بالإجراءات الأمنية التي تتطلب من المواطنين الحصول على تصريح أمني من جهازي الامن الوطني والاستخبارات عند مراجعة الدوائر الحكومية، الأمر الذي أسهم في تكبدهم أعباء كبيرة رغم تعهدات الحكومة الاتحادية بإنهاء هذا الملف في أكثر من مناسبة.