من إفلاس إلى إفلاس.. مؤرخ فرنسي للوفيغارو: فرنسا أصبحت رجل أوروبا المريض
رغم أن معظم الديمقراطيات تشهد حركات احتجاجية وأحداث عنف، فإن ما يقع في فرنسا يبدو استثناء بسبب سعة انتشار الحركات وفقدان سيطرة الدولة على النظام العام، حيث يمثل اندلاع العنف تسارعا لا يمكن إنكاره في عملية تفكك الأمة الفرنسية.
بهذه الجملة افتتحت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية مقالا للمؤرخ وعالم الاجتماع نيكولا بافيريز، حاول فيه أن يوضح أن فرنسا أصبحت رجل أوروبا المريض، وأنها تتردى من إفلاس إلى إفلاس.
وأوضح الكاتب أن حصيلة موجة العنف الحضري التي اجتاحت فرنسا منذ وفاة الشاب نائل المأساوية في نانتير، تجاوزت حصيلة أعمال الشغب في عام 2005 وهي تتحدى الفهم، خاصة أن العنف تجاوز كل الحدود، ولم يقتصر على ما يسمى بالأحياء ذات الأولوية، فهو يهاجم بالدرجة الأولى سلطة الدولة، من خلال المباني والموظفين العموميين ورموز الاستهلاك، من خلال نهب المحلات التجارية والبنوك ووكالات التأمين.
وقد نجحت منذ عام 2015، 4 حركات -كما يرى الكاتب- في خلق مناخ من الحرب الأهلية، حيث مهدت موجة الهجمات الإسلامية الطريق لزعزعة مؤسسات وقيم الجمهورية، ثم أظهرت “السترات الصفراء” انحدارا وشعورا بالإهمال لدى فرنسا الهامشية، كما عبرت الاحتجاجات الضخمة ضد إصلاح نظام التقاعد عن قلق الطبقة الوسطى من بدء إفقارها، وأخيرا أبرزت انتفاضة الضواحي فوضى في قطاعات كاملة من البلد والسكان، أهلها لتكون في مجتمع مواز لا تحكمه قوانين الجمهورية، بل قوانين الاتجار بالمخدرات والطائفية.
ويرى الكاتب أن تنوع هذه الثورات والغضب يثبت أن أصلها لا يمكن العثور عليه في العنصرية الممنهجة في المجتمع والدولة، بل يكمن في تسارع سقوط فرنسا، التي أصبحت رجل أوروبا المريض، بسبب إفلاس اقتصادي مع توقف النمو، وإفلاس اجتماعي مع انخفاض نصيب الفرد من الثروة، وإفلاس مالي مع ارتفاع الدين العام، ثم إفلاس مدني وإفلاس سياسي، وأخيرا إفلاس أخلاقي تغذيه ديناميكيات الكراهية والعنف والخوف التي تقوي عدم ثقة المواطنين في الديمقراطية وتنذر بوصول السلطة إلى اليمين المتطرف.
غير أن الأدهى -حسب نيكولا بافيريز- هو أن القادة الفرنسيين ما زالوا، في مواجهة خطورة هذا الوضع، غير قادرين على فهم الأزمة الوجودية التي تمر بها البلاد، وبالتالي كلما تصاعد العنف انهارت الأمة، وكلما تفككت الأمة تزايدت قوة التهديدات الداخلية والخارجية، وبقي كل شيء كما كان.
ففي مواجهة الاحتجاجات مثلا، اكتفى الرئيس إيمانويل ماكرون بالقول إنه “يجب أولا توصيف الأحداث قبل استخلاص النتائج”، ثم تنظيم خلية دعم نفسي لرؤساء البلديات في الإليزيه، كما حول وزير الاقتصاد والمالية برونو لومير، في تحدٍ للقانون، تكلفة أعمال الشغب لشركات التأمين، وأعلن تمديد المبيعات أو إرجاء الرسوم على المخازن المحروقة والمنهوبة، في حين رأى الكاتب أن ذلك انفصال للسياسة عن الواقع لم يكن له مثيل من قبل.
وخلص الكاتب إلى أن وحشية المجتمع ودوامة الانحدار في البلد تتطلب نقلة وطنية، تبدأ بالاعتراف بأن النموذج الفرنسي للنمو من خلال الديون لم يعد قابلا للاستمرار، مع أولوية الإنتاج والابتكار والاستثمار بقوة في التعليم وفي الإنسان مع تنظيم صارم للهجرة، ودعا ماكرون إلى إعطاء الأولوية المطلقة لاستعادة فرنسا.