زيارة هرتسوغ لواشنطن.. كيف يمكن قراءتها في تحديات العلاقة مع حكومة نتنياهو اليمينية؟
واشنطن- يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ اليوم بالبيت الأبيض. ويلقي الأخير -الذي يقوم بزيارة الولايات المتحدة بمناسبة الذكرى السنوية 75 لتأسيس إسرائيل- كلمة غدا أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس. وتوقع عدد من الخبراء، تحدثت إليهم الجزيرة نت، أن هرتسوغ سيسعى إلى إبراز الإيجابيات ودفع السلبيات وخلافات الطرفين إلى الهامش.
وتأتي زيارة هرتسوغ إلى واشنطن في الوقت الذي لم يقم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة واشنطن منذ عودته إلى رئاسة الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلا أن البيت الأبيض أكد أن بايدن دعا نتنياهو لزيارة واشنطن لاحقا هذا العام.
الزيارة وشبح نتنياهو
وقبل هبوط طائرة الرئيس الإسرائيلي في واشنطن، تحدث بايدن لنتنياهو هاتفيا، طبقا لبيان من البيت الأبيض. وناقش المسؤولان، حسب البيان “مجموعة واسعة من القضايا العالمية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك” وعبر بايدن عن قلقه “إزاء استمرار نمو المستوطنات ودعا جميع الأطراف إلى الامتناع عن اتخاذ المزيد من التدابير الانفرادية”.
وجاء في نهاية البيان تأكيد الرئيس بايدن “في سياق النقاش الحالي في إسرائيل حول الإصلاح القضائي، على الحاجة إلى أوسع توافق ممكن في الآراء، وأن القيم الديمقراطية المشتركة كانت دائما ويجب أن تظل سمة مميزة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.
وردا على سؤال -على شبكة “سي إن إن” (CNN) الأسبوع الماضي- عن سبب عدم دعوته نتنياهو إلى البيت الأبيض حتى الآن، لم يذكر بايدن أيا من القضايا الخلافية مع نتنياهو، مثل قضية الإصلاح القضائي أو إيران، مركزا فقط على قضية المستوطنات والعلاقات مع الفلسطينيين.
وقال بايدن “هذه واحدة من أكثر الحكومات تطرفا منذ عهد غولدا مائير” وكرر أنه “واحد من أولئك الذين يعتقدون أن أمن إسرائيل النهائي يكمن في حل الدولتين”.
وأثار ضم نتنياهو أعضاء متطرفين -مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وزراء في حكومته الائتلافية- جدلا في واشنطن حول الآثار المترتبة على العلاقات مع الولايات المتحدة.
زيارة هرتسوغ إلى واشنطن لم يكن القصد منها أن تكون بمثابة وخزة في عين نتنياهو، إذ وجهت القيادة الديمقراطية في مجلس النواب الدعوة للرئيس الإسرائيلي العام الماضي، في وقت لم يكن من الواضح فيه من سيكون رئيس الوزراء القادم، لكنها تمنح بايدن فرصة لتوجيه رسالة إلى نتنياهو، فحواها “أنا لا أوافق على ما تفعله أنت وحكومتك، لكنني ما زلت صديقا لإسرائيل”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، إلى أنه لا يعتقد أن نتنياهو سيحظى بزيارة للبيت الأبيض في عهد بايدن ما لم يقم بتغييرات كبيرة في سياسة حكومته.
وأضاف “أعتقد أن بايدن مرتاح لبسط السجادة الحمراء للرئيس الإسرائيلي وهو ما يستخدم وسيلة ضغط على نتنياهو لإجراء تغييرات. ولدى بايدن غطاء كاف من تأييد اليهود الأميركيين التقدميين، ومن معظم الديمقراطيين للقيام بذلك”.
خلافات لا تفسد للود قضية
ومنذ تأسيس إسرائيل عام 1948، والاعتراف الأميركي الفوري بها، وهي تتمتع بدعم يتخطى الانتماء الحزبي، إذ تتنافس قيادات الجمهوريين والديمقراطيين على إرضاء إسرائيل ولوبياتها القوية بالولايات المتحدة، من هنا تقدم واشنطن دعما كبيرا لتل أبيب سواء في صورة مساعدات مباشرة أو دعم دبلوماسي على الساحة الدولية.
وقد أقامت واشنطن تعاونا ثنائيا وثيقا مع تل أبيب في العديد من المجالات، وتلزم مذكرة تفاهم توصل إليها الطرفان حول المساعدات العسكرية الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بمبلغ 3.3 مليارات دولار من التمويل العسكري الأجنبي، وإنفاق 500 مليون سنويا على برامج الدفاع الصاروخي المشتركة سنويا حتى عام 2028.
وتبقى هناك خلافات شكلية بين أميركا وإسرائيل، لكنها لا تصل أبدا لدرجة المطالبة الجادة بتغيير أو تعديل المواقف والسياسات الأميركية المؤيدة لتل أبيب.
وذكر برايان كاتوليس، المسؤول السابق بالخارجية، ونائب رئيس معهد الشرق الأوسط للسياسات حاليا، أن “زيارة الرئيس هرتسوغ إلى الولايات المتحدة ستسعى لإبراز الإيجابيات في العلاقات الثنائية ودفع السلبيات إلى الهامش”.
وأضاف أن على بايدن أن “يجري مناقشات صريحة مع هرتسوغ حول 4 قضايا تلوح في الأفق بشكل كبير في علاقات الدولتين الثنائية، وهي تهديد الديمقراطية الإسرائيلية عن طريق مبادرة الإصلاح القضائي التي يريد نتنياهو تمريرها، وتلاشي آفاق حل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، والفرص الضائعة المحتملة للتكامل الإقليمي والتطبيع بعد (اتفاقيات أبراهام) واختلاف سياسات الدولتين تجاه إيران”.
من ناحية أخرى، سيضغط أعضاء المجموعة المؤيدة لإسرائيل على المشرعين بشأن 3 تشريعات رئيسية، أولها يتعلق باستمرار المساعدات لتل أبيب، وثانيها إجراء مناهض لحركة المقاطعة لإسرائيل “بي دي إس” (BDS) من شأنه أن يمنع الحكومة الفدرالية من الدخول في عقود مع الشركات والمؤسسات التي تشارك في المقاطعة المعادية لإسرائيل، وأخيرا مشروع قانون يزيد العقوبات على أولئك الذين يشاركون في عمليات شراء غير مشروعة للنفط الإيراني.
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر مدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو أن “إدارة بايدن وغالبية المشرعين الأميركيين يريدون إثبات أن العلاقة مع إسرائيل لا تزال قوية. وخطوة دعوة هرتسوغ لزيارة البيت الأبيض، بدلا من نتنياهو، هي وسيلة للتعبير عن عمق العلاقات بطريقة أقل إثارة للجدل”.
وأضاف كافيرو “في حين أن بعض الأعضاء التقدميين بالكونغرس سيقاطعون خطاب هرتسوغ أمام الكونغرس، فإن الرسالة الرئيسية من معظم المسؤولين الأميركيين هي أن واشنطن لا تزال ملتزمة بدعم إسرائيل على الرغم من وحشيتها ضد الفلسطينيين وحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، حتى بالمعايير الصهيونية، متطرفة”.