لمراقبة فرض ارتداء الحجاب.. كيف استقبل الإيرانيون عودة شرطة الأخلاق؟
طهران- رغم إعلان المدّعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، في سبتمبر/أيلول الماضي، وقف عمل “شرطة الأخلاق” عادت دوريات الإرشاد من جديد إلى الشوارع لمراقبة الالتزام بارتداء الحجاب، مما أثار ضجة بين الأوساط الإيرانية.
وبعد مرور 10 أشهر فقط على الحركة الاحتجاجية التي اندلعت على وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، إثر توقيفها من قبل “شرطة الأخلاق” في طهران بحجة عدم التزامها بارتداء لباس محتشم، أعلن المتحدث باسم الشرطة العميد سعيد منتظر المهدي، الأحد الماضي، استئناف عمل هذه الشرطة لمراقبة النساء اللاتي لا يلتزمن بالحجاب الشرعي وفقا لقانون البلاد.
وقال منتظر المهدي “الشرطة ستقوم بتسيير دوريات في ربوع البلاد للقيام بواجبها، لا سيما التحذير والتذكير واتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يخترقن قواعد الحجاب ويرتدين ملابس غير مألوفة”.
أسباب العودة
يقول المتحدث منتظر المهدي إن القرار “يأتي استجابة للمطالب الشعبية لمختلف الفئات والطبقات الاجتماعية، وتأكيدا من رئاسة الجمهورية والسلطة القضائية في إطار تطبيق القانون وبسط الأمن العام وتوطيد أسس الأسرة”.
وشهدت بعض المدن الإيرانية، خلال الشهور الماضية، تجمعات شعبية تطالب بوضع حد لظاهرة خلع الحجاب وضرورة تطبيق “قانون الحجاب والعفة” بحذافيره، محمّلة الحكومة مسؤولية تداعيات التساهل في ذلك.
وعقب احتجاجات مهسا، تحوّلت المطالبة بمراجعة “قانون الحجاب والعفة” واعتماد أساليب ناعمة لتطبيق “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وضرورة رقمنة مراقبة الحجاب، إلى جزء ثابت بخطابات بعض المسؤولين، إلا أنه مع إخماد الاحتجاجات تعالت الأصوات مطالبة بضرورة عدم التساهل في موضوع الحجاب.
كما دأب الإعلام المحافظ على انتقاد الجهات المعنية بتطبيق قانون الحجاب بسبب ما اعتبره “تقاعسا” في مواجهة خلعه، والتحذير من نتائج سياسة التساهل بشأن ارتدائه على الثقافة الوطنية.
ويرى مراقبون في إيران أن تركيز الإعلام الأجنبي على مواجهة السلطات عبر اختراق قواعد اللباس المحتشم يزيد من ضغوط التيار المحافظ والشريحة المتدينة على الحكومة لتطبيق القانون، لأنهم يعتبرون الحجاب مؤشرا على “إسلامية النظام” وأن الترويج لخلعه خطة محكمة من أعداء الثورة الإيرانية.
“حرام شرعا وسياسةً”
وكان مرشد الثورة علي خامنئي قد حسم موقفه من الجدل الدائر حول الحجاب بالقول “خلع الحجاب حرام من الناحية الشرعية والسياسية، وحدود شرعية وقانونية وليست حكومية”.
وفي السياق، كشف الإعلام الإيراني عن توجيه عدد من ممثلي الولي الفقيه في شتى المحافظات رسالة سرية إلى الرئيس إبراهيم رئيسي، تنتقد تزايد ظاهرة خلع الحجاب في ظل تصاعد دعوات بعض الجهات إلى انتهاك “قانون الحجاب والعفة” مما حدا بالداخلية إلى إصدار بيان يؤكد أنه “لا تراجع عن مواجهة خلع الحجاب” الذي وصفته بأنه “إحدى ركائز حضارة الشعب الإيراني وأحد المبادئ العملية لجمهورية إيران الإسلامية”.
من جانبه، قال رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي، في أبريل/نيسان الماضي “خلع الحجاب انتهاك للمبادئ الاجتماعية والدينية” وتوعّد بمحاسبة كل من ينتهك القانون.
كما طالب رئيس الجمهورية، قبل أسبوعين، السلطات القانونية بالقيام بواجبها في قضية الحجاب وعدم التوقف عن أداء مهامها في الوسط الاجتماعي بذريعة إطالة أمد مداولة “قانون الحجاب والعفة” تحت قبة البرلمان.
جولة في طهران
خلال جولة للجزيرة نت، في عدد من مناطق العاصمة طهران، استطلعت آراء عدد من الإيرانيات بشأن عودة شرطة الإرشاد.
ففي ساحة “صنعت” شمالي طهران، تقول الشابة بريسا (19 عاما) إنها خلعت الحجاب الإجباري عقب انتفاضة مهسا ولا تكترث بعودة دوريات شرطة الإرشاد ولن تغطي شعرها مرة أخرى. في حين رفضت مريم (42 عاما) الاستعانة بقوات الشرطة لضمان التزام النساء بقواعد اللباس المحتشم في الأماكن العامة، لكنها تقول إنها تغطي رأسها خشية أن تفقد وظيفتها الحكومية.
أما في ساحة “هفت تير” وسط العاصمة، تعبر المواطنة شهلا (52 عاما) عن سرورها لاستئناف نشاط دوريات شرطة الأخلاق للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بيد أنها لا تؤيد التوجه لحرمان المواطنات من الخدمات العامة بسبب خلع الحجاب.
ومن هناك إلى بحيرة “جيتكر” غربي طهران، تكاد تكون أغلبية السائحات من ذوات “الحجاب الناقص” حيث يضعن الوشاح على الرقبة ويرفعنه ليغطي الرأس بعد مشاهدة قوات الشرطة. وأكدت الشابة إلميرا (26 عاما) أنها ترعرعت في أسرة متدينة لكنها تخلّت عن ارتداء عباءة “التشادور” بعد بلوغها سن الرشد.
وفي بلدة “ري” المحافظة جنوبي العاصمة، تقول ناهيد (38 عاما) إنها تلتزم بالحجاب في الحي الذي تسكنه بسبب بيئته المحافظة، لكنها تخلعه عندما تسافر إلى مناطق بعيدة، كما أن العديد من نساء هذه المنطقة أكّدن التزامهن بتغطية شعر الرأس لأسباب دينية.
ردود فعل متباينة
على المستوى الرسمي، أثارت الخطة ردود فعل متباينة، بين مرحّب ومنتقد ومحذّر من تداعياتها على الأمن القومي.
فمن ناحيته، رحّب عضو اللجنة القضائية البرلمانية، النائب حسين علي حاجي دليكاني، بعودة دوريات الإرشاد لمراقبة واقع الحجاب، واعتبرها خطوة إيجابية لمواجهة “اللواتي ينفذن أجندة أعداء الدين والوطن والنساء”.
في المقابل، وصف عضو اللجنة الاجتماعية بالبرلمان، النائب علي أصغر عنابستاني، تجربة بلاده مع دوريات الإرشاد بأنها “فاشلة” مؤكدا -في تصريح صحفي- أن التعامل القهري لن يمنع خلع الحجاب وأن التهديد باستخدام الكاميرات لمراقبة واقع الحجاب وفرض الغرامات سيهبط بهذه المسألة إلى مستوى التهديد المادي.
أما الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، فانتقد عدم إصغاء النظام لنصائحه بضرورة الابتعاد عن الأعمال التي من شأنها أن تؤدي إلى الانهيار الاجتماعي وإسقاط النظام، مضيفا -في كلمة مع مستشاريه- أن خطر الانهيار أمسى يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى مع عودة دوريات الإرشاد والتعامل القهري والأمني وإصدار الأحكام القضائية غير المألوفة بحق النساء.
آلية جديدة
وعما إذا كانت مهمة دوريات “شرطة الأخلاق” استمرارا لما كانت عليه قبل احتجاجات مهسا، نشرت صحيفة “كيهان” المقربة من مكتب مرشد الثورة تقريرا تؤكد فيه أنه لا عودة لعربات شرطة الأخلاق الخضراء إلى الشوارع هذه المرة، وأن مهمة الشرطة تقتصر على “التذكير اللساني”.
ووفقا للصحيفة، قد يرافق قاض مناوب بعض الدوريات لاتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة، وقد تم تجهيز قوات الشرطة بكاميرات لتوثيق تعاملها مع الجهات التي تصرّ على انتهاك القانون، وعلى ضباطها تسجيل ملف قانوني لمن تصرّ على خلع الحجاب تمهيدا لمحاكمتها.