الاخبار العاجلةسياسة

لماذا انسحبت الوكالات الأجنبية من تغطية الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل؟

بيروت – منذ وقوع جريمة استهداف غارة إسرائيلية لتجمع صحفيين في بلدة علما الشعب عند حدود لبنان الجنوبية في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تضاعف القلق حول المخاطر التي تواجه المراسلين هناك، خاصة بعد قرار انسحاب عدد من الوكالات العالمية الأجنبية من التغطية الميدانية.

أطلق الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الحين قذيفة صاروخية أصابت سيارة فريق قناة الجزيرة بشكل مباشر، حيث كان يتمركز صحفيون من رويترز وقناة الجزيرة ووكالة الصحافة الفرنسية، وأدى هذا الاستهداف إلى استشهاد مصور وكالة رويترز اللبناني عصام عبد الله، وجرح 5 صحفيين آخرين، بينهم مراسلة ومصور قناة الجزيرة ومراسلة الفرنسية، الذين لا يزالون يتابعون علاجهم في المستشفى.

Reuters' journalist Issam Abdallah takes a selfie picture while working in Maras, Turkey, February 11, 2023. REUTERS/Issam Abdallah
المصور عصام عبد الله (37 عاما) كان يعمل مع وكالة رويترز منذ نحو 15 عاما (رويترز)

وبعد هذا الاستهداف الخطير، سحبت كلٌّ من رويترز والوكالة الفرنسية وأسوشيتد برس، فرقها الصحفية من الجنوب، حيث تدور الاشتباكات المستمرة بين جيش الاحتلال وحزب الله.

وربط كثيرون هذا الانسحاب بالضجة الكبيرة التي أثارها بيان وكالة رويترز إثر استشهاد مصورها، الذي اكتفى بالقول، إن عصام قُتل أثناء عمله جنوب لبنان، بنسب قتله لفاعل مجهول، ودون توجيه اتهام مباشر لإسرائيل، ولو على محمل الاشتباه، وما فاقم التساؤلات في أوساط حقوقيين وصحفيين هو مطالبة رئاسة التحرير في رويترز لاحقا إسرائيل بإجراء تحقيق “سريع وشفاف” حول مقتل مصورها.

وثمة شواهد كثيرة تؤكد أن إسرائيل تخوض حربا موازية في حجب الصوت والصورة عن جرائمها، سواء بقتل العديد من الصحفيين في قطاع غزة، والقرار الأخير للحكومة الإسرائيلية الذي يسعى لإغلاق مكاتب “الجزيرة” في فلسطين، واستهداف الصحفيين في حدودها الشمالية مع لبنان.

انسحاب الوكالات

ربط محللون قرار انسحاب الوكالات الأجنبية بخلفيات سياسية، وتفاديا لتكرار “سيناريو” تعرض فرقها الرسمية للخطر، في ظل انحياز وسائل الإعلام الغربية التي لا توجه اتهامات مباشرة لإسرائيل في الأغلب، حتى في الجرائم التي يتعرض فيها مراسلوها للانتهاك من قبلها.

في حين ترفض مصادر أخرى في بعض الوكالات الأجنبية -عبر الجزيرة نت- هذا التحليل، بقولهم، إن القصف الذي تسبب بمقتل مصور وإصابة آخرين شكّل نقطة تحول في مقاربة الوضع الميداني، ودفعهم لاتخاذ قرار مؤقت بسحب فرقهم الإعلامية من الجنوب؛ لأسباب أمنية ولضمان حمايتهم.

ويقول أحد هذه المصادر، إن سحب الفرق مرتبط بإجرائهم لمراجعة وإعادة تقييم للوضع الأمني والاستعدادات اللوجستية لديهم، على قاعدة أن سلامة الموظفين وحياتهم هي الأولوية، بعدما صُدموا بمستوى مخاطر هذه التغطية التي ألحقت بهم الخسائر، وبعدما تبين أن الوقوف على الشريط الحدودي محفوف بالمخاطر العالية على سلامة المراسلين أو على المساعدين، الذين تعتمد بعض هذه الوكالات عليهم في تأمين الصور.

ومع مواصلة وتيرة الاشتباكات بتبادل القذائف الصاروخية بين حزب الله وقوات الاحتلال، ناهيك عن الطائرات المسيّرة التي تخترق فيها إسرائيل القرى الحدودية، تواصل بعض الفرق الإعلامية التابعة للفضائيات العربية والإعلام المحلي التغطية الميدانية الدائمة، رغم التفاوت في حجم الفرق وجهوزيتها ومجال تحركها.

وتتمركز الفرق الفضائية والمحلية حاليا في قرية الرميش في القطاع الأوسط، وفي القطاع الشرقي في مرجعيون تحديدا وفي محيطها، مع اختلافات في شكل التغطية وحجمها، وتتفرد قناة الجزيرة عبر 4 فرق إعلامية لديها بأوسع تغطية في جنوب لبنان، عبر التنقل نحو مسافات متقدمة بين مختلف القرى على طول الشريط الحدودي، لمواصلة تغطية الاشتباكات من أماكن مختلفة، مع اتخاذ كامل تدابير السلامة.

اقرأ ايضاً
روسيا تعلن عدد القتلى والاصابة بصفوف جنودها في أوكرانيا

كما يواجه مراسلو الإعلام المحلي في لبنان تحديات مضاعفة بتغطية ما يوصف بـ”الحرب الصغيرة” بين حزب الله وإسرائيل، وزاد قلق بعضهم مع انسحاب الوكالات الأجنبية، الذي يعكس تحسسا لحجم الخطر.

إدمون-ساسين
إدمون ساسين كان شاهدا على استشهاد الزميل عصام عبد الله في قصف إسرائيلي لسيارة طاقم صحفي بجنوب لبنان (الجزيرة)

الوضع في الميدان

تحدث مراسل قناة “إل بي سي” المحلية إدمون ساسين، عن تجربته في التغطية الميدانية، لا سيما أنه كان شاهدا على استشهاد الزميل عصام وإصابة زملائه الآخرين، حين كان يقف على مسافة نحو 25 مترا بعيدا عنهم في علما الشعب، ويقول، “سبق أن تعرضت لكثير من المخاطر في تغطيات أخرى، لكنه أفظع استهداف مباشر لمجموعة صحفيين شاهدته، وشكّل لنا مشهد زملائنا صدمة حينها، حيث في غضون 30 ثانية، سقطت قذيفتان نحوهم مباشرة”.

يرى إدمون أن انسحاب الوكالات الأجنبية من الجنوب يضع الصحفيين اللبنانيين والأجانب الباقين على الجبهة تحت مسؤولية أكبر لتوفير التغطية الكاملة، ولا يُخفي أن هذا الانسحاب شكل قلقا لديهم؛ “لأن الاحتلال الإسرائيلي قد يستسهل أكثر استهداف الفرق الإعلامية”، ويضيف “بمعزل عن الأسباب الموجبة، لا يعني ذلك أن ننسحب من عملنا، بل نكمله بمزيد من الحذر ودون تهور”.

ويوضح إدمون أن سلوك إسرائيل بحق الصحفيين في علما الشعب وفي غزة وفي كثير من المناطق الأخرى، يدفعهم لأخذ الحذر ويقول، “إننا حين نتحرك على خطوط الجبهة القريبة، يمكن أن يغدرنا هذا الجيش الذي لم يرحم الأطفال”.

ويؤكد المراسل أن الفرق الإعلامية لا تتعرض لأي مضايقات أو مخاطر من أي طرف من الجانب اللبناني، وأنهم يحاولون اتخاذ كل الإجراءات الممكنة وفق قدراتهم، لتفادي الوقوع في أي خطأ.

ريف عقيل
ريف عقيل: إسرائيل أثبتت عدم احترامها للقوانين الدولية المتعلقة بحماية عمل الصحفيين (الجزيرة)

وتقول مراسلة قناة الجديد المحلية ريف عقيل، الموجودة حاليا بالتغطية الميدانية، بأن القصف على الزملاء جعلهم يعيدون حساباتهم أكثر قبل التوجه إلى النقاط الحدودية، “لا سيما أن القنوات المحلية لا تملك التجهيزات اللوجستية الكافية بالتحرك مثل الفضائيات العربية والوكالات الأجنبية”.

وتقرّ ريف في حديثها للجزيرة نت، أنها تشعر بالخوف أحيانا رغم الإصرار على العمل “لكن نسبة الخطر فيه عالية، خاصة أن مناطق الحرب التي تكون إسرائيل طرفا فيها تعدّ أمرا استثنائيا، بعد أن أثبتت عدم احترامها للقوانين الدولية المتعلقة بحماية عمل الصحفيين”.

وتشير إلى أن الإعلام المحلي عموما لا يملك الإمكانات الكافية لهذا النوع من التغطيات، “علما أن مؤسساتنا تصر على أن حمايتنا الشخصية أولوية، وتعطينا حرية تقدير الموقف قياسا لظروفنا فيه”.

وترى ريف أن مهنة الصحافة تحتم المخاطرة بشكل عام، ما يستدعي كثيرا من التدريبات للتعامل مع ظروف الحرب، خاصة في الإعلام المحلي، وتذكر أن الزميل عصام استشهد رغم خوضه تجربة تغطية عدد من الحروب، وممارسة كثير من التدريبات والتجهيزات، “لكنه لم يستطع التعامل مع هذا الموقف والاستهداف الخطير للصحفيين”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى