الأحزاب الإندونيسية في “ماراثون”.. كيف تكسب أصوات الإسلاميين قبيل الانتخابات؟
جاكرتا- تشهد الساحة الإندونيسية تجاذبات لكسب أصوات أتباع التيارات الإسلامية المقدّرة أعدادهم بعشرات الملايين بين أعضاء ومؤيدين، استعدادا للمعركة الانتخابية التشريعية والرئاسية في 14 فبراير/شباط الجاري، حيث تجري المفاوضات وتشكيل التحالفات على قدم وساق.
وكانت نسبة الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الإسلامية، على اختلاف توجهاتها، خلال الاستحقاقات التشريعية السابقة مجتمعة هي (40.83%) في انتخابات 1955، و(36.78%) في انتخابات 1999، و(38.35%) في انتخابات 2004، و(28.62%) في انتخابات 2009، و(31.41%) في انتخابات 2014، و(30.05%) في آخر انتخابات 2019.
ثلاثة تحالفات
وتوزّعت الأحزاب الإسلامية أو ذات الخلفية التاريخية الدينية بين التحالفات الثلاثة التي تشكّلت لخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية، فتحالف “التغيير من أجل الوحدة” الذي يحمل خطابا ناقدا، ويسعى للإصلاح الاقتصادي والقانوني والسياسي والخدمي يترشح عنه أنيس باسويدان حاكم العاصمة الإندونيسية جاكرتا الأسبق.
ويشهد هذا التحالف حضور 3 أحزاب إسلامية؛ هي:
- حزب “العدالة والرفاه المعارض”، الذي ظل معارضا خلال حكم الرئيس الحالي جوكو ويدودو، وله تياره الحركي والفكري الذي بدأ يظهر منذ التسعينيات.
- إضافة إلى “حزب نهضة الوطن” الذي يمثل قطاعات لا بأس بها من تيار جمعية نهضة العلماء، وهو الحزب الذي يترشح عنه عبد المهيمن إسكندر، رئيس الحزب لمنصب نائب الرئيس مع أنيس باسويدان.
- وحزب إسلامي ثالث صغير هو حزب “الأمة” حديث التأسيس، ورسالته تنتقد الوضع القائم، ويرتبط بشخصية رئيس مجلس الشعب الاستشاري، ورئيس جمعية المحمدية الأسبق أمين الرئيس.
والأحزاب الثلاثة آنفا متحالفة مع الحزب القومي الديمقراطي، ويرأسه سوريا بالوه، الذي كان جزءا من التحالف الحاكم، لكنه اختلف مع رئيسه في ساعة ترشيحات الرئاسة.
أما تحالف تقدم إندونيسيا، ففيه حزب “الأمانة” الوطني المرتبط تاريخيا بجمعية المحمدية، لكنه لم يعُد يمثلها، وأصبح حزبا براغماتيا منفتحا على مختلف التوجهات، وحزب “موجة الشعب الإندونيسي” الذي أسسه حديثا السياسيان المعروفان أنيس متى وفخري حمزة، ويشارك في الانتخابات لأول مرة، وحزب “الهلال والنجمة” وهو حزب تاريخي ذو حضور محدود.
ويحرص كل تحالف على أن يكون فيه حزب ذو صبغة دينية، لكسب أصوات المحافظين والتقليديين والإسلاميين سواء في الأرياف أو المدن، حتى التحالف الثالث لحزب النضال من أجل الديمقراطية، ذي التوجه القومي اليساري، بزعامة الرئيسة السابقة ميغاواتي سوكارنو بوتري.
وقد رشح إلى جانب غانجار برانوو حاكم جاوا الوسطى للرئاسة، محمد محفوظ رئيس المحكمة الدستورية الأسبق وهو من تيار نهضة العلماء، إلى جانب وجود حزب التنمية المتحد وهو حزب ديني تقليدي قديم، وكان مظلة وحيدة لأصوات المحافظين والمتدينين في عهد الرئيس الأسبق سوهارتو، لكنه يعاني “الشيخوخة” والغياب لصالح حضور أحزاب إسلامية عديدة أخرى منذ 1998.
ويتضح من خلال توزع هذه الأحزاب أنه لم تعُد هناك تحالفات خالصة للتيار القومي أو اليساري أو العلماني، وأخرى تحمل صبغة دينية أو إسلامية، خاصة مع تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في آن واحد.
فكل تيار بحاجة إلى أصوات غيره للنجاح في الانتخابات الرئاسية، ما يفرض على مرشحي الرئاسة وحلفائهم أن يشكّلوا تحالفات متنوعة التوجهات ومكان النفوذ، وهو ما يعني أن أصوات الإسلاميين ستتوزع بتوزع هذه الأحزاب، وتوجهات الشخصيات الإسلامية البارزة، التي تدعم هذا المرشح أو ذاك.
تباين بين الإسلاميين
يقول مدير مركز البحوث السياسية في هيئة البحوث والإبداع الإندونيسية د. فيرمان نور “كما في الانتخابات الماضية، فإن أصوات أتباع جمعيتي المحمدية ونهضة العلماء أكبر الجمعيات الإسلامية المجتمعية، لاقت تجاذبا ومحاولة لكسبها من مختلف التحالفات والمرشحين”، مشيرا إلى التنافس بين بعض قادة التيار الواحد أنفسهم، كما حصل بالنسبة لنهضة العلماء بمحاولة بعضهم توجيه أتباعه نحو مرشح معين.
ويضيف فيرمان في حديثه للجزيرة نت، أن المرشحين توجهوا إلى المعاهد الدينية كسبا لأصوات مريديها ومشايخها، لكن من الصعب أن يكسب مرشح معين كل أصوات أتباع نهضة العلماء، إذ إن لدى مشايخ النهضة ومريديهم توجهات سياسية مختلفة، ولطالما تقاسمت أصوات النهضة أحزابا مختلفة منذ عهد الرئيس الأسبق سوهارتو حتى اليوم.
أما جمعية المحمدية ثاني أكبر الجمعيات الإسلامية، فإنها لم تعلن صراحة موقفا مؤيدا لحزب أو لأحد المرشحين، ويحدث هذا في ظل عدم وجود مرشح للرئاسة أو نيابة الرئاسة من خريجي المحمدية، ما يعني أن أصوات أتباعها قد تتقاسمها أحزاب عديدة؛ منها: العدالة والرفاه، والأمانة الوطني، والتنمية المتحدة، وحزب الأمة الذي شاركت شخصيات من تيار المحمدية مؤخرا في تأسيسه.
أكثر براغماتية
ورغم أن شخصيات من المحمدية كانت قد شاركت في تأسيس حزب “الأمانة الوطني” في 1998 بناء على توصية صدرت في اجتماع مجلس “تنوير المحمدية” آنذاك، مع الحفاظ على المحمدية كونها منظمة مجتمعية مستقلة، وعدم تحولها إلى حزب سياسي، فإن قادة حزب الأمانة الوطني اليوم لا يعرّفون أنفسهم حزبا للمحمدية، وباتوا حزبا منفتحا للغاية.
وفي نظر د. فيرمان نور فإن الأحزاب الإندونيسية، بما فيها الدينية، باتت “أكثر مرونة وبراغماتية” قائلا إن “الأحزاب الإسلامية تريد كسب جزء من أصوات القوميين، بينما الأحزاب القومية تريد التقرب من الأوساط الإسلامية، بل إن الأحزاب القومية لم تعُد تتحدث عن العلمانية، بل تستخدم مقاربات توصف بالقومية المتدينة”.
ويرى فيرمان نور هذا الوضع بأنه “إيجابي إلى حد ما بالنسبة للديمقراطية، فهناك شيء من المرونة في الممارسة السياسية، ومسعى من كل طرف إلى فهم الآخر واحتواء الاختلافات، وهذا أمر جيد في الترابط في بلد تعددي، لكن ما يقلق أنه إذا كانت الحالة الحزبية فضفاضة، فإن الافتقاد للأيديولوجية يمكن أن يولّد براغماتية لو لم تُرَشَّد، فإننا قد نفتقد إلى الأخلاق كما هو الحال اليوم”.
“أجندة” غير موحّدة
ويرى خير السليم بن صبري، مدير مركز الدراسات الإسلامية والاجتماعية -في إقليم جوغ جاكرتا وسط جزيرة جاوا الإندونيسية- أنه لا أجندة سياسية موحّدة لدى الناخبين الإسلاميين، فبعضهم مرتبط بجميعات، وآخرون غير منضويين تحت أي تيار.
ويقول إن الأجندات السياسية للمنظمات المجتمعية الإسلامية نفسها متباينة داخليا لكثرتها، فهناك غير المحمدية والنهضة، جمعيات أخرى كثيرة؛ كالاتحاد الإسلامي، والخيرات، والإرشاد، ونهضة الوطن، والوصلية، والوحدة الإسلامية، وهداية الله، وغيرها يمتد تاريخها لعشرات السنين.
وقال بن صبري إن القضايا السياسية في الوسط الإسلامي لطالما تغيرت من زمن لآخر، أما اليوم فليس هناك أجندة سياسية إسلامية يتحدث عنها بصورة واضحة مرشح معين للرئاسة، وبرأيه “ليس هناك بشكل رسمي مرشح لمنصب الرئيس، أو نائبه من لديه خطاب سياسي صريح يخص الإسلام، فأكثر الخطاب متعلق بالديمقراطية والقضايا العامة المشتركة”.
وحسب وصف بن صبري، فإن “الخطاب السياسي المرتبط بأسلمة الدولة أو الشريعة، يكاد يكون غائبا عن أحاديث المرشحين للمجالس التشريعية، بمن فيهم مرشحو حزبي العدالة وموجة الشعب والأحزاب الإسلامية الأخرى. فهم يدركون بأن ذلك الخطاب لن يكون في صالحهم من حيث كسب الأصوات”.
وختم حديثه قائلا “نلاحظ أن المقاربات السياسية للساسة الإسلاميين صارت أكثر سيولة، لكن هذا لا يعني أن تلك الأجندة اختفت تماما، فالميل إلى تلك التوجهات لا يزال حاضرا”.