الاخبار العاجلةسياسة

حمزة.. فتى فلسطيني يشكو الجوع ويحلم برغيف خبز

غزة– “والله نفسي في رغيف خبز وأشبع”، يقولها الفتى حمزة الكحلوت، وقد مضى عليه 3 أسابيع لم يتذوق خلالها طعم الخبز المصنوع من الدقيق الأبيض، المفقود في مناطق شمال قطاع غزة.

يقول حمزة للجزيرة نت “جربنا كل شيء، وأكلنا الذرة والشعير وأعلاف الحيوانات (..) فش حاجة بالسوق والناس ما معها مصاري (نقود) تشتري القليل المتوفر بالسوق بأسعار خيالية”.

ويقيم حمزة (13 عاما) مع أسرته في منزل جده في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، التي كانت بمنزلة “السلة الغذائية” لتلك المناطق، وقد جرفت قوات الاحتلال أراضيها الزراعية، ودمرت كل سبل الحياة فيها.

حال حمزة كغالبية الغزيين في شمال القطاع، خاصة الأطفال، الذين تمنع عنهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي كل الإمدادات الإنسانية، وتعرقل وصول المساعدات إليهم، وتفرض عليهم عزلة خانقة، بعدما رفضوا الامتثال لأوامر عسكرية بالنزوح جنوبا في الأسبوع الأول لاندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ووجد هذا الفتى نفسه مسؤولا عن أسرته المكونة من والدته وأشقائه الـ4، بعد اعتقال سلطات الاحتلال والده من بين مئات آخرين، وأفرجت عنه بعد شهر في معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرقي مدينة رفح، ويقيم حاليا في هذه المدينة المكتظة بالنازحين، حيث يمنع الاحتلال وصول الفلسطينيين من جنوب القطاع إلى شماله.

شاحنات المساعدات تصطف انتظارا بالإيذان لها الدخول لقطاع غزة (محافظة شمال سيناء) مصدرها هو: بيان ديوان عام المحافظة.
شاحنات المساعدات تصطف في انتظار إذن الدخول لقطاع غزة (ديوان محافظة شمال سيناء)

نوم ضد الجوع

وتتهم منظمات محلية ودولية، إسرائيل باستخدام الجوع سلاحا ضد مئات آلاف الفلسطينيين الذين لا يزالون في مدينة غزة وبلدات شمال القطاع، وتتركهم للمجاعة تفتك بأجسادهم، من أجل إجبارهم على النزوح جنوبا.

ولم تعد تتوفر في أسواق النصف الشمالي من القطاع أي مقومات للحياة، ويقول حمزة إن سعر كيس الدقيق الصغير (وزن 25 كيلو غراما) وصل إلى 2600 شيكل، في حين كان ثمنه الحقيقي قبل اندلاع الحرب لا يزيد عن 40 شيكلا فقط (الدولار يعادل 3.9 شواكل).

وتتسرب أكياس قليلة من الدقيق إلى شمال القطاع على فترات متباعدة، يستولي عليها شبان من شاحنات مساعدات قليلة تسمح سلطات الاحتلال بوصولها إلى الأطراف الجنوبية الغربية من مدينة غزة، حيث تكون في استقبالها حشود من الفلسطينيين، الذين استشهد وأصيب عدد منهم بنيران دبابات الاحتلال.

ويقول حمزة إن والده وفر له مبلغا من المال بطريقة معقدة لشراء 5 كيلوغرامات من الأرز وأقل من 3 كيلوغرامات من السكر بقيمة 350 شيكلا وهي لا تساوي أكثر من 50 شيكلا في الوقت الطبيعي.

“وأخيرا رز” كانت ردة فعل شقيقات حمزة عندما أعدت لهم والدتهم “شوربة الرز”، وقد مضى عليهن وقت طويل من دون تذوقه، ويقول هذا الفتى “ما في حدا بالشمال بينام شبعان”، ويضطر هو وباقي أشقائه وشقيقاته إلى النوم مبكرا هربا من الشعور الدائم بالجوع.

الحلم رغيف

وتزداد معاناة هذا الفتى وشعوره بالعجز والقهر من رؤيته شقيقته الصغرى شام (3 أعوام) التي تعاني من الهزال، لعدم توفر الغذاء المناسب لها، ويتنازل عن جزء من نصيبه في الطعام من أجل إطعامها وإشباعها.

اقرأ ايضاً
مقال بالغارديان: المرحلة الثانية من الغزو البري تثبت أن أولويات إسرائيل تغيرت

ويتحدث حمزة عن تجارب المحيطين به مع الجوع، ويقول: “عمي أحمد كان وزنه قبل الحرب 140 كيلو والآن أصبح 80 كيلو، ويعاني من مرض السكري، وما في أكل ولا علاج في الشمال كله”.

“طيب لمتى نستطيع الصبر والصمود” يتساءل حمزة، ويتبعه بسؤال آخر: “معقول أصبح رغيف الخبز حلما بالنسبة لنا؟”.

ليس حمزة وحده من يحلم برغيف الخبز الأبيض. يقول عبد الهادي عوكل من منطقة تل الزعتر بمخيم جباليا شمال القطاع، وهو يتحدث عن ابنه الأصغر أمير (5 أعوام)، الذي لا يتوقف عن الحديث عن الأكلات التي كان يحبها قبل الحرب.

بالأمس كان أمير يحدث أشقاءه عن الأرز بالدجاج والمسخن الفلسطيني، وهي من الأكلات المفضلة لديه، ولم يتذوقها منذ الشهر الأول للحرب، يقول والده عبد الهادي للجزيرة نت، ويتابع “أصبح الأكل في الشمال أسمى أماني الصغار والكبار”.

المنطقة اللوجستية لاصطفاف شاحنات المساعدات المتوجهة لغزة بالقرب من معبر رفح (الجزيرة)
المنطقة اللوجستية لاصطفاف شاحنات المساعدات المتوجهة لغزة قرب معبر رفح (الجزيرة)

أسعار فلكية

واختفى الدجاج من أسواق شمال القطاع تماما، فيما تتوفر كميات قليلة جدا من اللحوم الحمراء بأسعار يصفها عبد الهادي بالفلكية، وباستثناء نبتة الخبيزة والقليل من الجزر والحلويات المنزلية فإن الأسواق خاوية تماما.

وبحسب عبد الهادي فإن أسعار القليل المتوفر في الأسواق ارتفعت من 200 إلى 1000%، ولا تتناسب مع أحوال غالبية الغزيين، الذين فقدوا أعمالهم ونفدت أموالهم خلال الحرب وليس لديهم ما يملكونه من أجل تدبر شؤون حياتهم الأساسية.

ويشعر هذا الرجل الأربعيني بالقلق الشديد على أطفاله وأقرانهم في الشمال، الذين تظهر عليهم علامات الضعف والهزال، نتيجة الجوع الشديد، ومن هؤلاء الأطفال نجل صديقه أحمد عبد الحكيم (5 أعوام)، الذي كان مدللا لدى أسرته ويعشق الأكل في المطاعم.

ويقول عبد الهادي إن قوات الاحتلال دمرت كل المخابز والمطاعم في شمال القطاع، والكثير منها في مدينة غزة، “لقد أعادوا غزة 500 عام إلى الوراء وليس 50 عاما فقط”، مشيرا بذلك إلى تصريح لوزير جيش الاحتلال يوآف غالانت مع بداية الحرب.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى