كيف وجهت النيجر ضربة أفريقية جديدة لأميركا والغرب؟
واشنطن– نيامي- تؤمن دوائر صنع القرار الأميركية أنه رغم إجراء 3 انتخابات ديمقراطية في النيجر منذ عام 2011، فإنها لا تزال تواجه تحديا يتمثل في سوء الحكم ووجود جماعات إرهابية متطرفة، وهي قضايا استخدمتها السلطات الانتقالية العسكرية لتبرير سيطرتها على مقاليد الحكم بعد انقلاب يوليو/تموز من العام الماضي.
ومنذ إعلان المجلس العسكري في النيجر قبل أيام إنهاءه الاتفاق الذي يسمح للقوات الأميركية بالعمل في البلاد، تحاول واشنطن فك طلاسم معضلة التعامل الأميركي في دول غرب أفريقيا.
وجاء إعلان حكومة النيجر بعد أيام قليلة فقط من زيارة وفد أميركي ضم قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، الجنرال مايكل لانغلي، ومولي في، مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، حيث تم انتقاد “تصرفات المجلس العسكري وافتقاره إلى الشفافية بشأن من سيشارك في منظومة الحكم”.
ولم تدن الإدارة الأميركية انقلاب 26 يوليو/تموز الماضي في النيجر، ولم تصنفه علنا بوصفه انقلابا، بل دعت المجلس العسكري باعتباره سلطة الأمر الواقع للتعجيل بالعودة إلى المسار الديمقراطي، ولم تحاول القيام بأي وساطات بين الرئيس المحتجز بازوم، والسلطة الجديدة، بالمقابل لم يطلب الانقلابيون من الولايات المتحدة إخلاء قاعدتهم كما فعلوا مع فرنسا.
يذكر أنه بعد استيلاء جيش النيجر على السلطة وإطاحته بالرئيس محمد بازوم، طالب بخروج القوات الفرنسية من البلاد، لكن القوات الأميركية بقيت.
وتحاول واشنطن إيجاد سبل للعمل مع الحكومات العسكرية التي استولت على السلطة في النيجر وبوركينا فاسو ومالي لمحاربة من تصفهم بالمتشددين والمتطرفين في المنطقة.
لكن في الوقت نفسه، ضغطت إدارة جو بايدن على النيجر لوضع جدول زمني لاستعادة الحكم الديمقراطي، وأفادت تقارير بأنها دقت ناقوس الخطر من صفقة محتملة لبيع اليورانيوم إلى إيران، ومن تطور العلاقات العسكرية بين روسيا والنيجر، مما أدى للموقف الصارم من المجلس العسكري الحاكم في النيجر.
إرث ثقيل
وفي الوقت الذي بدأت الأوضاع في النيجر تسير نحو الانفراج مع المجموعة الاقتصادية “إيكواس” برفع العقوبات المفروضة عليها، وإنهاء نيجيريا التي ترتبط بالنيجر بمصالح أكثر من غيرها من دول المنظومة قرارات المقاطعة، أعلنت الولايات المتحدة قبل أشهر عديدة إعادة الانخراط مع النيجر من أجل تسهيل العودة إلى المسار الديمقراطي.
وفي ظل التخوفات الأميركية من التقارب الروسي مع المجلس العسكري في النيجر، قررت الولايات المتحدة ابتعاث وفد كبير تترأسه مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في.
وبحسب بيان الخارجية الأميركية، فإن الوفد كان يضم إلى جانب في الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، وسيليست والاندر، وهي مسؤولة كبيرة في وزارة الدفاع، وكانت الأجندة التي أعلنت عنها الخارجية هي “عودة النيجر إلى المسار الديمقراطي ومستقبل الشراكة الأمنية والتنموية”.
وبمجرد مغادرة الوفد الأميركي أرض مطار نيامي خرج الجنرال على القناة الرسمية معتليا قبعته الزرقاء ليعلن إنهاء التعاون العسكري بين النيجر والولايات المتحدة الأميركية، مما شكل مفاجأة للمراقبين.
يرى جوناثان وينر، نائب مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون إنفاذ القانون الدولي، للجزيرة نت، أن “انهيار النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، وسط الانقلابات العسكرية وصعود الدكتاتوريات، وما صاحبها من انتشار نفوذ روسي سام، قدم فرصة لزيادة ترسيخ الحكم العسكري الاستبدادي ونظم الحكم المناهضة للديمقراطية في جميع أنحاء غرب ووسط أفريقيا”.
وقال مسؤول دبلوماسي أفريقي، رفض أن يذكر اسمه، للجزيرة نت، إن ما تشهده النيجر وبوركينا فاسو ومالي، ما هو إلا إعلان رفض أفريقي ليس للنفوذ الأميركي أو الفرنسي فحسب، بل للنفوذ والنموذج الغربي بأكمله.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار الدبلوماسي الأفريقي، إلى أن “النيجر اعتبرت أميركا وريثا للنفوذ الفرنسي، ورأت أن تتعامل مع واشنطن التي قد توفر لها موارد وإمكانيات تسمح بتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية من دون التدخل في الشأن السياسي الداخلي”.
وأردف “إلا أن واشنطن لم تكن تكترث إلا بمكافحة ما تعتبره إرهابا إسلاميا في النيجر وبقية دول الساحل. من هنا جاء انسحاب النيجر ومعها مالي وبوركينا فاسو من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) حيث اعتبرتها أداة في يد فرنسا والغرب للتحكم في الدول الأعضاء”.
نفوذ إيراني
وعن النفوذ الإيراني في النيجر، وما يتردد في واشنطن حول اتفاق مد إيران باليورانيوم، رد الدبلوماسي الأفريقي بالقول “لا توجد وسيلة لتأكيد أو نفي هذه الاتهامات، وعلينا أن ندرك أن عددا من الدول متوسطة القوة، مثل تركيا والمغرب وإيران والهند، تتسابق للحصول على موطئ قدم في دول غرب أفريقيا مع تلاشي النفوذ الفرنسي وتراجعه. وذلك إضافة للسباق بين الدول الكبرى مثل فرنسا وأميركا وروسيا والصين”.
وكان رئيس المجلس العسكري الحاكم في النيجر عبد الرحمن تياني قال في خطابه إن “حكومة النيجر ترفض الادعاءات الكاذبة لرئيس الوفد الأميركي بتأكيده أنها وقعت اتفاقا سريا بشأن اليورانيوم مع جمهورية إيران الإسلامية”.
ولدى الولايات المتحدة تاريخ طويل مع المعلومات الاستخباراتية المتعلقة باحتياطيات اليورانيوم في النيجر. وفي حين كانت إدارة جورج دبليو بوش تدافع عن حجتها لغزو العراق، فقد استشهدت بمعلومات استخباراتية خاطئة حول سعي حكومة صدام حسين شراء اليورانيوم من النيجر لاستخدامه في برنامجها للأسلحة النووية.
بين المصالح والبيروقراطية
بدوره، رأى ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي -وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية- في حديث للجزيرة نت أن قرار مجلس الحكم العسكري في النيجر “يبدو نتيجة مؤسفة، ودائما ما كانت جهود تحقيق التوازن بين مطالب عمليات مكافحة الإرهاب في بلد يديره مجلس عسكري وصل للحكم عن طريق انقلاب دائم محفوف بالمخاطر”.
وأشار الدبلوماسي الأفريقي إلى أن واشنطن “أوقفت تمويل العديد من المشاريع التنموية، فقد علق صندوق تحدي الألفية التابع للخارجية الأميركية مساعدات للنيجر بعد استيلاء الجيش على السلطة قيمتها 442.6 مليون دولار بسبب حجج تتعلق بالفشل في تلبية معايير الحوكمة أو غيرها من المعايير”.
من جهته، قال جوناثان وينر “اختار المجلس العسكري في النيجر بوضوح جعل روسيا شريكه العسكري الرئيسي والتخلي عن فوائد العمل مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب. ولن تكون النتائج سيئة بالنسبة للغرب فحسب، بل للاستقرار والأمن في أفريقيا”.
واستدرك وينر قائلا “لا ينبغي لأحد أن يفاجأ. كانت روسيا تعد لذلك منذ سنوات. أما الولايات المتحدة، فكانت في وضع ضعيف لمواجهته نتيجة التزاماتها القانونية بالحد من المساعدات للحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان”.
محور النزاع
ليس من الواضح على الفور ما يعنيه قرار النيجر لمئات الجنود الأميركيين الذين يعملون حاليا داخلها. كانت القوات الأميركية توفر التدريب لقوات الأمن في البلاد قبل الانقلاب، وكانت تدير قاعدتين للطائرات دون طيار في النيجر.
القاعدة الجوية 101 في العاصمة نيامي، والقاعدة الجوية 201 بالقرب من أغاديز، هما مطاران يستخدمهما الجيش الأميركي في عمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا. وبعد الانقلاب، نقلت الولايات المتحدة الكثير من أفرادها من القاعدة الجوية 101 إلى القاعدة الجوية 201.
ويبدو أن تكثيف التعاون العسكري بين روسيا والنيجر هو محور النزاع بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري النيجري، حيث اتفقت روسيا والنيجر على تعزيز علاقاتهما العسكرية في يناير/كانون الثاني الماضي.
وأكد الدبلوماسي الأفريقي الذي تحدث للجزيرة نت أن “خروج الجنود الأميركيين من النيجر قد يترك فراغا سيحاول المسلحون الإسلاميون أو المرتزقة الروس، بما في ذلك ما تبقى من مجموعة فاغنر، استغلاله”.
ويرى أن “روسيا يمكن أن تعرض بيع أسلحتها ومعداتها دون وجود شروط لاحترام حقوق الإنسان والالتزام بالقانون الدولي وهي قادرة على بيع أسلحتها بشكل أسرع بكثير من الولايات المتحدة. وفي المقابل، تستفيد روسيا من الموارد الطبيعية في المنطقة، منها مناجم الذهب في النيجر”.