الاخبار العاجلةسياسة

“حمير و تناكر”وسيلة السودانيين للنجاة من جحيم العطش

الفاشر- مع كل صباح جديد، يحمل الصبي سليمان عبد الله حاويتين فارغتين على ظهر حمار ويقصد أحد آبار المياه وسط مدينة الفاشر غربي السودان للحصول على بضعة لترات من مياه صالحة للشرب ليروي عطش أسرته خلال شهر الصيام المبارك.

حلم سليمان في الحصول على مياه نقية، يتقاسمه معه مئات الصبية الذين يجرون عربات “كارو” الحمير ويصطفون في طوابير طويلة أمام صهاريج المياه، حيث أصبحت عملية الحصول على الماء النقي في بعض مناطق إقليم دارفور ضرورة حياتية ومسألة بقاء يومية للكثيرين.

ومنذ عقود، يعتمد سكان الإقليم على وسائل تقليدية للتغلب على تحديات العطش، ومن بينها “كارو” حمير المياه التي تُعتبر -في ظل ظروف الجفاف وندرة الموارد المائية- وسيلة مهمة للتنقل والوصول إلى مصادر المياه.

كما تُعد وسيلة موثوقة ومناسبة للتحرك في المناطق القاحلة والصحراوية التي تشتهر بها دارفور وتلعب دورا حيويا في حياة سكان الإقليم وتعزز من قدرتهم على التكيف وتحمل مختلف ظروف الحياة القاسية.

الحمير والتناكر وسيلة نجاة من جحيم العطش في دارفور
الحمير والتناكر وسيلة السودانيين لتوفير المياه الصالحة للشرب في دارفور (الجزيرة)

معضلة

يقول الطفل سليمان (14 عاما) للجزيرة نت: “أقضي ساعات طويلة في الطابور للحصول على الماء، وبعد أن أحضر بضعة لترات من البئر، أبدأ رحلة أخرى لتزويد عائلتي وبعض أقاربي بالمياه”.

وأضاف “الوضع سيئ للغاية، وقد انضم إلينا آلاف النازحين الجدد بعد اندلاع الحرب ولا يوجد دعم كاف، فالجميع يواجهون الجوع والعطش، نرى الموت بأعيننا في ظل نقص الغذاء واستمرار المعارك العسكرية من حولنا فكان لابد لنا من الصمود في وجه التحديات للعيش بسلام”.

وأوضح سليمان أن معضلة الحصول على المياه النقية تفاقمت في الآونة الاخيرة بسبب الحرب والأوضاع المتردية، حيث تشهد المنطقة نقصا حادا في مصادر المياه مما يضطر السكان إلى الاعتماد على آبار محدودة الموارد وغير معالجة إضافة إلى الازدحام وتهافت السكان.

أما فتحية جمعة، وهي نازحة مقيمة في مدينة الفاشر، فتقول إن العديد من النازحين في مراكز الإيواء يعانون من ظروف صعبة في سبيل الحصول على المياه، حيث يضطرون أحيانا إلى شرب مياه مالحة وملوثة، مما يهدد بإصابتهم بالأمراض الوبائية.

وأضافت أنها نزحت مع عائلتها من الأحياء الشمالية للفاشر إلى أحد مراكز الإيواء في أحياء المدينة الجنوبية بعد اشتداد القتال، وقالت “كنت أتمنى أن أجد ظروفا معيشية أفضل في مركز الإيواء، لكن للأسف تفاجأت بالظروف السيئة التي يعيشها النازحون، ومن بينها النقص الحاد في الماء والغذاء”.

وأعربت فتحية عن قلقها البالغ إزاء هذا الوضع، ودعت إلى التدخل السريع من قبل الجهات المعنية سواء المنظمات الإنسانية أو الحكومة المحلية لتقديم المساعدات والاحتياجات الملحة للنازحين، وخاصة المياه النظيفة، لضمان سلامة حياتهم وتحسين ظروفهم المعيشية.

قديمة متجددة

بدوره، يقول المواطن آدم محمد آدم إن الوضع العام في تدهور يوما بعد يوم إذ توقفت رواتب الموظفين منذ أشهر، وارتفعت تكاليف المعيشة، خاصة تكلفة الحصول على المياه الصالحة للشرب، مما زاد من معاناة المواطنين. وأشار إلى ضرورة إيجاد حل عاجل لمشكلة المياه، وأكد أن الوضع أصبح لا يطاق “وليس هناك تحسن يلوح في الأفق”.

وبحسب تقارير رسمية، فإن أزمة المياه بالمنطقة قديمة متجددة حيث تعاني العديد من مناطق دارفور -لاسيما مدينة الفاشر- من شح في المياه منذ سنوات وتفاقمت في الآونة الاخيرة بسبب تدهور الوضع الأمني واشتداد القتال الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وعدم القدرة على تشغيل المولدات الكهربائية.

واعتاد الصبية وبعض الرجال والنساء ركوب ظهور الدواب للحصول على المياه من “الدوانكي” وبعض الآبار في صورة لم تشهدها المنطقة من قبل.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار أحمد عبد الشافع، مدير قطاع المياه بولاية شمال دارفور، إلى تأثير تغير المناخ على إنتاج المياه. وأفاد بأن السلطات المحلية وضعت خطة للنهوض بقطاع المياه وتحسين الوضع الحالي.

وقال إن الجهود تتركز حاليا على استخدام الطاقة الشمسية كبديل لاستخدام الوقود في عمليات الإنتاج وإن الولاية تعتمد على مصدرين رئيسيين في إنتاج المياه، وهما المياه الجوفية والسطحية.

وأضاف عبد الشافع أنه ومن خلال الاستفادة من الطاقة الشمسية، يتم تعزيز استدامة إنتاج المياه وتخفيض الاعتماد على الوقود، مما يحقق فوائد بيئية واقتصادية كبيرة.

ولفت إلى التحديات التي تواجه قطاع المياه في الولاية لاسيما نقص التمويل لتنفيذ أعمال الصيانة ومشاريع المياه، إلى جانب تطوير تقنيات وأساليب جديدة لتحسين إنتاج المياه “مما يتطلب جهودا مستمرة وتعاونا بين الجميع للتغلب عليها”.

الحمير والتناكر وسيلة نجاة من جحيم العطش في دارفور
سودانيون يقفون أمام صهاريج للحصول على مياه الشرب (الجزيرة)

تحديات

وأمام أحد آبار المياه بمدينة الفاشر، في روتين يومي، يصطف العشرات من بائعي المياه لساعات وفي طوابير تجرها “تناكر” الحمير في مشهد مؤلم يعكس حقيقة معاناة السكان وصمودهم أمام تحديات الحصول على المياه.

يشير بائع المياه موسي عباس إلى أنهم يضطرون للانتظار لفترات طويلة وسط الازدحام من أجل الحصول على المياه. وقال للجزيرة نت: “توقف معظم بائعي المياه عن الذهاب إلى بعض الأحياء السكنية البعيدة خلال شهر رمضان بسبب المسافة البعيدة والعطش وأصبحوا يبيعون المياه فقط في المنازل القريبة من الآبار”.

وأضاف عباس أن أسعار المياه ارتفعت بشكل جنوني في الآونة الأخيرة وأن مياه تحلية محطات “الدوانكي” ليست بنفس جودة المياه العذبة السابقة، حيث يلاحَظ تغير في لونها.

كما اشتكى بائع آخر، كان ينتظر دوره للتعبئة أمام محطة التحلية، من قسوة عملهم في بيع المياه لصعوبة الحصول عليها من الآبار وصهاريج التحلية.

وقال للجزيرة نت: “نضطر أحيانا للانتظار أكثر من 3 ساعات وفي طابور طويل للحصول على المياه، وتزداد الأمور سوء عندما تتعطل المحطة بسبب نقص الوقود، نحن نعيش ظروفا صعبة للغاية من أجل إيصال المياه للزبائن”.

ويحتفل العالم في 22 مارس/آذار من كل عام باليوم العالمي للمياه وقد حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1992 ويهدف إلى رفع مستوى الوعي بأهمية المياه العذبة والحفاظ على مواردها في جميع أنحاء العالم.

ويُعد هذا اليوم فرصة لرفع مستوى الوعي بضرورة حماية المياه واستخدامها بطرق مستدامة، وتعزيز العدالة في توزيع المياه حول العالم، كما يعكس أيضا أهمية التعاون الدولي لمواجهة تحديات المياه وتحقيق التنمية المستدامة.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى