شبح الاقتحام والاستهداف يخيم على العائدين إلى بيت حانون والنصيرات
غزة- تدرك آمنة حمد (68 عاما) أن عودتها برفقة أسرتها للإقامة في بلدتها “بيت حانون” شمال قطاع غزة “مجازفة غير مأمونة العواقب”، لكنها تصر على البقاء.
ولم تستطع آمنة العودة إلى منزلها المهدوم الكائن في شارع زِمّو، فاضطرت للعيش في مركز إيواء يقع جنوبي بيت حانون، وتوجه أحد حفدتها قبل أيام إلى منزل العائلة المدمر لاستخراج بعض الأمتعة من بين الأنقاض، فأطلقت عليه قوات الاحتلال النار وأصابته، حسب روايتها للجزيرة نت.
وتقصف الطائرات والمدفعية الإسرائيلية بلدة بيت حانون بشكل متواصل ليلا ونهارا بحسب المواطنين بهدف “إجبارهم على إخلائها وعدم العودة”.
ويتركز وجود المواطنين حاليا في الجهة الجنوبية من البلدة، ويقيمون في 3 مدارس توجد فيها نحو 660 عائلة.
كما تقيم بعض العائلات في منازلها المدمرة بمحيط المدارس الثلاث بعد أن تمكنت من استصلاح بعض غرفها أو إقامة خيام بجوارها، ويبدو السكان كالسجناء في مراكز الإيواء، حيث يحرصون على التحرك بحذر شديد ويتجنبون السير في العديد من الشوارع أو الاقتراب من المناطق القريبة من الحدود خوفا من استهداف الاحتلال.
وتعد بيت حانون من أكثر المناطق الفلسطينية قربا للسياج الفاصل الذي تقيمه إسرائيل شمالي القطاع، وتعرضت لدمار شبه كلي منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهجّرت سلطات الاحتلال جميع سكانها في اليوم الأول من الحرب.
لكن جزءا من الأهالي بدؤوا في العودة بعد انسحاب قوات الاحتلال من شمالي القطاع في بداية فبراير/شباط الماضي.
ويبدو أن عودة عدد من السكان قد أزعجت قوات الاحتلال التي تتوغل بين الفينة والأخرى في بعض مناطق بيت حانون، وكان آخرها يوم 15 أبريل/نيسان الجاري، حيث حاصرت مدرسة مهدية الشوا واعتقلت عددا من النازحين وأجبرت البقية على النزوح من البلدة.
تعب النزوح
وعقب انسحاب قوات الاحتلال عاد الفلسطينيون إلى مراكز الإيواء مجددا، ويعتقد مراقبون أن إسرائيل تسعى إلى تفريغ بيت حانون بشكل كامل من سكانها وتحويلها إلى “منطقة عازلة”.
تعبت أمنة وأفراد أسرتها من كثرة النزوح من مكان إلى آخر، وقرروا العودة مهما كانت العواقب “سنموت هنا، ولن نرحل”، حسب تعبيرها.
وتعيش العائلة أسوة ببقية النازحين في خوف دائم وترقب لأي اجتياحات إسرائيلية، ويحرصون على عدم التحرك بحرية ويغلقون أبواب مراكز الإيواء مبكرا.
أما عن ظروف الحياة فتشير إلى أنها بالغة القسوة نظرا لتفشي الفقر المدقع وعدم توفر مصادر دخل للسكان عقب تدمير منازلهم ومزارعهم وتوقف مصالحهم.
وتضيف “إحنا مش عايشين، عايشين من قلة الموت، حتى في عيد ربنا (الفطر) أطفالنا ما فرحوا ولا لبسوا ولا أكلوا قطعة حلو، في عيد الله كنا حزانى ونصيّح (نبكي)”.
ويرسم عبد الكريم شبات المقيم في مدرسة غازي الشوا صورة قاسية لطبيعة الحياة في بيت حانون، فيقول “كل يوم يطلقون النار علينا، كل يوم قصف وتهديد من اليهود لاقتحام المدارس، نهرب ونعود، كل يوم قصف بالطائرات والقذائف في كل وقت، في الليل والنهار”.
ويضيف شبات للجزيرة نت أن السكان يتشاركون المعلومات بشأن أي اجتياحات متوقعة لقوات الاحتلال بهدف “الهروب السريع”، لكنهم يعودون لاحقا بعد انسحابها.
وتابع “حينما نسمع أن اليهود دخلوا نهرب فورا لأنهم يفتكون بالجميع، صغيرا وكبيرا، نساءا ورجالا، ويجرفون الناس وهم أحياء بالجرافات”.
ويشير إلى أن التوغلات الليلية “مرعبة” لعدم إمكانية اكتشافها، مضيفا “يمكن أن يدخلوا علينا ويعتقلونا ويشتتوا شملنا وحياتنا، يأسرون منا، ويطلقون من يريدون، ولكن من يطلقون سراحه لا بد أن يهينوه ويعذبوه”.
إفشال المخطط
ولم ترق الحياة في مركز الإيواء لخيري المصري، فقرر السكن في منزله المدمر الذي يبعد عن السياج الفاصل قرابة كيلومترين.
ويقول المصري للجزيرة نت “على الرغم من حالة الدمار التي طالت البيت ورغم خطر المكان فإنني لن أخرج منه مهما كلف الثمن”.
ويضيف “أنا لست وحدي هنا، هناك عوائل تسكن المناطق الجنوبية -وتحديدا من مدينة بيت حانون- تعاهدت على إفشال مخطط الاحتلال الرامي إلى تهجيرها من المدينة لتدميرها وتفريغها من سكانها”.
ويقول شبات إن حالة التماسك الشعبي بين العائلات على أشدها، وإنها قررت عدم ترك المدينة رغم عشوائية القصف الإسرائيلي لها خلال النهار والليل.
استهداف الأبراج
وإلى الجنوب من بيت حانون بنحو 18 كيلومترا تشن إسرائيل حربا أخرى تستهدف تدمير المنطقة الشمالية من مخيم النصيرات (وسط القطاع)، والتي تضم أحياء عدة منه، بالإضافة إلى قرية المغراقة ومدينة الزهراء.
وبدأ جيش الاحتلال في 11 أبريل/نيسان الجاري عملية عسكرية في المنطقة المذكورة، ورغم إعلانه عن انتهائها بعد أسبوع فإن قواته مستمرة في استهدافها بالقصف المدفعي والغارات الجوية.
وقال مكتب الإعلام الحكومي في بيان إن الاحتلال دمر 14 برجا وعشرات المنازل شمالي النصيرات.
أما رئيس بلدية النصيرات إياد مغاري فقال للجزيرة نت إن الاحتلال دمر خلال عدوانه الأخير نحو 25 ألف مربع من الطرق والشوارع الرئيسية والفرعية و12 بئر مياه وآلاف الأمتار من شبكات المياه والصرف الصحي.
وتقول أمل الأعرج إن الاحتلال دمر البرج الذي كانت تسكنه مع عائلتها.
وذكرت للجزيرة نت بينما جاءت لتتفقد البرج عقب انسحاب قوات الاحتلال “دمروا شقتنا في الطابق الرابع، دمروا حياتنا، أخبرونا انهم سينسفون الأبراج، جلسنا ننظر على شقاء عمرنا وهو يُنسف أمامنا”.
أبعاد عسكرية وعقابية
بدوره، يرى المحلل السياسي وسام عفيفة أن الاحتلال يسعى من خلال هدم الأبراج وسط القطاع إلى تحقيق أبعاد “عسكرية وعقابية”.
وأوضح عفيفة للجزيرة نت “الاحتلال يريد التنكيل الجماعي بالمواطنين كي يترك آلاف العائلات بدون مأوى”.
كما يسعى الاحتلال -بحسب عفيفة- إلى “تأمين محور ما تعرف بـ(نتساريم)، وخلق مساحة لتمتد عليها قواته الموجودة فيها، بحدود 6 كيلومترات عرضية (شمال-جنوب) و7 كيلومترات طولية (شرق-غرب)”.
وأقام جيش الاحتلال خلال عدوانه طريقا يقع جنوبي مدينة غزة وقسّم القطاع إلى نصفين، ويعرف باسم “محور نتساريم” ويمنع من خلاله تنقل المواطنين بين الشمال والجنوب.
ويرى عفيفة أن الاحتلال يعتقد أنه بتدمير الأبراج “قد يقلل فرص المقاومة في رصد قواته الموجودة في المحور، وبالتالي منعها من استهدافه”.