خوف ونزوح جديد في رفح.. ماذا يعني تهجير مناطقها الشرقية؟
غزة– على غير هدى ووسط أجواء من الخوف، لملمت أسرة عبد ربه القليل والضروري من أمتعتها، وأخلت منزلا في شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، كان يؤويها منذ نزوحها لأول مرة قبل أشهر من منزلها في بلدة جباليا شمال قطاع غزة.
وتلقت هذه الأسرة وغيرها من السكان والنازحين في مناطق بلدية الشوكة وأحياء السلام والجنينة وتبة زارع والبيوك، اتصالات هاتفية، وألقيت عليهم منشورات ورقية، يأمرهم فيها جيش الاحتلال بالخروج الفوري نحو ما أسماها “المنطقة الإنسانية الموسعة” في المواصي المتاخمة لشاطئ البحر.
ولم يتردد عمر عبد ربه وأسرته في إخلاء منزل أقاربهم، الذي نزح إليه قبل بضعة أشهر، وقال للجزيرة نت “حزمنا أمتعتنا، ونزحنا فورا ومؤقتا لدى عمتي في منطقة الحي السعودي غربي مدينة رفح”.
وتخيم أجواء من القلق والإرباك على مدينة رفح، أصغر مدن القطاع والملاصقة للحدود مع مصر، وسارع سكانها والنازحون فيها إلى الأسواق للتزود بالاحتياجات الأساسية، استعدادا لعملية عسكرية إسرائيلية برية قد تمتد وتتسع.
إخلاء شرق رفح
وفي ساعة مبكرة من اليوم الاثنين، أعلن جيش الاحتلال أنه أمر السكان “بإخلاء” الأطراف الشرقية لمدينة رفح تمهيدا لعملية عسكرية فيها، ونشر على حساباته بوسائل التواصل الاجتماعي خرائط تبين طرق تهجير جديدة للفلسطينيين الذين نزح أغلبهم أصلا من مناطق الشمال والوسط نحو رفح بحثا عن ملاذ آمن في ظل حرب غير مسبوقة.
ولم يحدد جيش الاحتلال مهلة زمنية محددة لطردهم، في حين حذر من مغبة محاولة النازحين العودة إلى مدينة غزة ومناطق شمال وادي غزة، وقال إنها “لا تزال منطقة قتال خطيرة”.
لكن منطقة المواصي المشار إليها في بيان جيش الاحتلال مكتظة عن آخرها بخيام النازحين، الذين لجؤوا إليها على فترات منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية قبل نحو 7 أشهر، من مدينة غزة وشمال القطاع، ومدينة خان يونس، في ظروف مشابهة عندما تعرضت مدنهم ومناطق سكنهم لعمليات عسكرية إسرائيلية برية.
ويدرك عمر صعوبة البحث عن منزل أو شقة سكنية في مناطق غرب مدينة رفح، التي تؤوي أكثر من مليون نازح، جلهم في المناطق الغربية من هذه المدينة الصغيرة، ويقول “حتى الحصول على خيمة ليس أمرا سهلا”.
ولجأ عمر وأسرته بصورة مؤقتة إلى مستودع أسفل منزل يسمى شعبيا في غزة “حاصل تجاري”، تقيم به عمته النازحة مع أسرتها، وبالكاد يتسع لهم، وخرج مع والده بحثا عن “أي مكان” مناسب لهذه الأسرة المكونة من 7 أفراد.
ويقول عمر إنهم غادروا منطقة شرق رفح على وجه السرعة، خشية أن يكرر جيش الاحتلال ما فعله في مدن أخرى شن فيها عملية عسكرية برية واجتاحها بالكامل، وارتكب فيها جرائم قتل وتدمير مروعة.
أما بالنسبة لأبو حذيفة، ويقع منزله على أطراف حي الجنينة المهدد بالطرد، ففضل تأخير الخروج من منزله حتى آخر لحظة، وقال للجزيرة نت “أطفالي جلبوا أحد مناشير الاحتلال والرعب يملأ قلوبهم، وحاولت طمأنتهم بأن منزلنا ليس مدرجا ضمن مناطق الإخلاء”.
ويقسّم جيش الاحتلال المناطق والأحياء المهددة بالطرد إلى مربعات سكنية صغيرة ومنحها أرقاما، وقد تأكد أبو حذيفة أن منزله خارج نطاق هذه المربعات.
وفي حقيقة الأمر، فإن هذا الرجل الأربعيني يشعر بقلق شديد من اتساع دائرة المناطق والأحياء التي يخطط جيش الاحتلال لطرد سكانها، مثلما حدث في مدينة خان يونس المجاورة التي بدأت العملية العسكرية فيها بصورة مشابهة في مربعات سكنية محددة قبل أن يجتاحها الاحتلال ويدمرها بالكامل.
مرافق حيوية
ووفقا لإذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن قرار البدء بتهجير سكان شرقي رفح اتخذ الليلة الماضية في جلسة مجلس الوزراء، وتشمل العملية نحو 100 ألف فلسطيني يسكنون في أحياء المدينة الشرقية، غير أن مصادر فلسطينية رسمية تشير إلى أعداد أكبر من السكان والنازحين في تلك الأحياء.
وجاء هذا القرار عقب إعلان جيش الاحتلال مقتل 3 من جنوده من لواءي “غفعاتي” و”ناحال”، وإصابة 12 آخرين في قصف صاروخي تبنته كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، واستهدف قاعدة عسكرية في محيط معبر كرم أبو سالم شرق مدينة رفح.
وشهدت مدينة رفح عقب هذه العملية غارات جوية إسرائيلية عنيفة استهدفت 10 منازل، أسفرت عن استشهاد 26 فلسطينيا من المدنيين، من بينهم 11 طفلا و8 نساء.
وتتضمن المناطق التي يخطط جيش الاحتلال لاستهدافها في شرق رفح، مرافق حيوية، أبرزها معبرا رفح لحركة الأفراد والبضائع مع مصر، و”كرم أبو سالم” التجاري الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، ومستشفى أبو يوسف النجار الحكومي الوحيد بالمدينة، إضافة إلى أراض زراعية وآبار مياه.
ويغلق الاحتلال معبر كرم أبو سالم منذ أمس الأحد، عقب وقوع عملية القصف الصاروخي، ويمنع مرور شاحنات البضائع والمساعدات الإنسانية، فيما لا يزال معبر رفح البري مع مصر مفتوحا.
مجاعة وكوارث إنسانية
ويقدر رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي في حديثه مع الجزيرة نت، أعداد السكان والنازحين في تلك المناطق بزهاء 150 ألف نسمة، ويؤكد أنه “لا يوجد أي مناطق جاهزة لاستيعابهم، ولا خيام متوفرة كي يتم نصبها لهم”.
وقال إن منطقة المواصي المشار إليها في بيانات جيش الاحتلال “مساحتها صغيرة، ولا تستوعب مثل هذا العدد، ولا يوجد بها مقومات للحياة”.
وتنتشر معسكرات من الخيام في منطقة المواصي، التي تمثل مساحتها 3% من مساحة القطاع الإجمالية (365 كيلومترا مربعا)، وتمتد بطول 12 كيلومترا وعرض نحو كيلومتر واحد، على امتداد شاطئ البحر من مدينة دير البلح في وسط القطاع وحتى مدينة رفح جنوبا، مرورا بمواصي خان يونس.
وسيؤدي “إخلاء” مستشفى أبو يوسف النجار بحسب الصوفي، إلى “وقف الخدمات الطبية لجميع المواطنين في رفح، مما سيؤدي إلى زيادة عدد الوفيات، ووقوع كارثة صحية وإنسانية”، فضلا عن أن “إخلاء معبر كرم أبو سالم يعني قطع شريان الحياة عن قطاع غزة، وستحدث مجاعة كبرى بحق مليوني فلسطيني من السكان والنازحين”.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في حسابها على منصة “واتساب”، إن “الهجوم الإسرائيلي على رفح سيعني زيادة المعاناة والوفيات بين المدنيين، والعواقب ستكون مدمرة على 1.4 مليون شخص”.
وأكدت المنظمة الأممية أنها “لم تقرر الإخلاء”، وقالت إنها ستستمر بالبقاء في رفح لأطول فترة ممكنة، وستواصل تقديم المساعدات المنقذة لحياة الناس.