ما خطط طلبة نيويورك بعد فض اعتصاماتهم الداعمة لغزة؟
نيويورك- كانت الأسابيع الماضية في مدينة نيويورك صاخبة، اعتصامات، وتهديدات، وتصريحات يتراشقها رؤساء الجامعات ومسؤولون حكوميون لتشويه مظاهرات الطلاب الرافضين لحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.
وكانت هذه المدينة الصاخبة بطبيعتها، بؤرة اشتعال الاحتجاجات في كثير من الولايات الأميركية، ودول أخرى.
وفي الأيام الأخيرة، شهدت المدينة هدوءا نسبيا عقب فض شرطة نيويورك آخر الاعتصامات القائمة فيها، واعتقال الكثير من منظميها، وإغلاق مباني جامعات عدة بطلب من إداراتها لمنع تكرار الاعتصامات داخلها، مع بقاء الشرطة على أبوابها محيطة بأسوارها.
هدوء نسبي
هذا الهدوء النسبي يطرح تساؤلا عن خيارات الطلاب القادمة في مواجهة إجراءات إدارات جامعاتهم وشرطة المدينة. وللإجابة عنه، التقت الجزيرة نت مجموعة من الطلبة الذين قادوا المظاهرات والاعتصامات في بعض جامعات نيويورك.
واشترط هؤلاء الطلبة عدم الكشف عن أسمائهم لأن بعضهم اعتُقل أكثر من مرة، وبعضهم ينتظر محاكمة قريبة، وهناك آخرون موقوفون عن الدراسة في الجامعة.
يقول أحد أعضاء الفريق المنظم لاعتصام جامعة كولومبيا -وقد اعتُقل مرتين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي- إنه يجب قبل الانطلاق من أرضية انتهاء زخم المظاهرات، أن توضع الأمور في نصابها ليكون التقييم أكثر دقة ووصفا للواقع.
ويضيف أنهم يدركون صعوبة تحقيق مطالبهم، خاصة في ظل “ارتباط عدد من أعضاء مجلس أمناء الجامعة باللوبي الإسرائيلي، وحيازة بعضهم أسهما في عدد من شركات الأسلحة التي تقدم تقنياتها العسكرية لجيش الاحتلال”.
ولذلك، يتابع المتحدث، جاءت خطوة السيطرة على مبنى هاملتون، وتسميته “بمبنى هند”، نسبة للطفلة الفلسطينية الشهيدة هند رجب (6 أعوام) التي قتلها جيش الاحتلال في غزة. موضحا أنه على عكس ما تروّج له، فإنهم هم من كانوا يتعرضون للتضييق ولا يشعرون بالأمان.
وعلى عكس ما تروج له الجامعة من أن المحتجين يعرّضون أمن الطلاب للخطر، فإن المعتصمين كانوا يتعرضون للتضييق ولا يشعرون بالأمان، حسب قوله.
مسارات التحرك
ويعلق شخص آخر من الفريق ذاته -ينتظر محاكمته في مايو/أيار الحالي، بعد اعتقاله إثر اعتصامه داخل جامعة كولومبيا- أن مجرد كشف مدى انحياز وعنف ممن يصفون أنفسهم بالنُخب، “يكشف للأميركيين وللعالم حجم الزيف الذي نعيش فيه”.
كما أن استدعاء الجامعة شرطة نيويورك وفض الاعتصام السلمي بالقوة في حدث غير مسبوق، والانحياز الصارخ للشرطة وعدد من الأجهزة الأمنية في ولايات أخرى تجاه طلاب غير مسلحين، يكشف -حسب قوله- حجم العمل الذي يجب القيام به حتى لا يكونوا “أسرى لأجهزة تروج خلاف ما تقوم به حينما يتنافى ذلك مع مصالحها”.
أحد المسارات المهمة التي يعمل عليها الطلاب بعد فض اعتصاماتهم بالقوة، هي تجهيز ملفات قانونية وتقديمها لعدد من الجهات المختصة، بوصفها دعاوى قانونية موجهة ضد الجامعة وشرطة نيويورك. وهذا أمر تم في حراكات سابقة وكان له أثر على مستوى التشريعات، بالإضافة للغرامات الطائلة التي تضطر الجهات لدفعها، كما حدث سابقا في حراك “حياة السود مهمة”.
وبحسب أحد المحامين المدافعين عن الطلبة، فإنهم يعملون الآن على جمع مقاطع مرئية صورها الحاضرون والطلاب لفض الاعتصامات، كأدلة تعزز من حجة حضور العنف غير المبرر الذي تعرضوا له، والانحياز الممنهج تجاه المظاهرات السلمية.
كما أن إحدى الخطوات المهمة هي حماية الطلاب الأجانب الذين تهددهم سلطات بعض الولايات بالترحيل، وتوفير مساكن للطلاب الذين لحقتهم أضرار من الخدمات التي توفرها الجامعة لهم، نظرا لمشاركتهم في المظاهرات السلمية والاعتصامات، وهي إجراءات تعسفية، يقول الفريق الطلابي وممثلوهم من المحامين إنهم سيقاضون الجامعة عليها.
أساليب مبتكرة
يتفق الفريق الطلابي الذي التقته الجزيرة نت، على أن الهدف الرئيسي لم يكن الاعتصام لمجرد الاعتصام، ولا الهتاف لأجل لفت الأنظار وإثارة الشغب، وإنما لإنهاء الحرب والدعم المؤسسي الذي يسهم في إبادة جماعية تحدث أمام أنظار العالم عبر البث الحي. لذلك، فالهدوء النسبي لا يعني شيئا من وجهة نظرهم، لأن الاعتصام والهتافات هي وسائل يستخدمونها لتحقيق مطالبهم.
وتقول إحدى المتحدثات للجزيرة نت -وقد اعتُقلت مرة واحدة ضمن الاعتصام الأول في جامعة كولمبيا- “المضحك أن إدارة الجامعة كانت تتصرف معنا وكأننا أطفال لا نعي ما نقوم به، لكن نحن واعون بما نفعل، ونتوقع إجراءاتهم”، مضيفة “ربما تنسى إدارتنا أننا من أذكى الطلاب على مستوى الولايات المتحدة، وأننا نفكر جيدا قبل الإقدام على خطوتنا القادمة”.
ورفض الطلاب الكشف عن إجراءاتهم القادمة بالتفصيل نظرا لحساسية الوقت، لكنهم أكدوا أن ما جرى مؤخرا بتوجه 500 طالب إلى منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق في منتصف الليل والصراخ أمام منزلها، ليس إلا مثالا بسيطا جدا على أن أفكارهم التي “لن تنضب”.
كما توجهوا إلى منازل عدد من أعضاء مجلس أمناء الجامعة في ساعات الصباح الباكر ممن يرتبطون بشركات تدعم الحرب الجارية على غزة وقاموا بالصراخ أمامها.
يقول أحد قادة المظاهرات ممن تخرجوا من الجامعة للجزيرة نت “حتى لو أغلقت الشرطة أبواب الجامعات في وجوهنا، فسيجدوننا في كل مكان”. مؤكدا وعيهم بكل التحديات التي يواجهونها، وبحملات التشويه التي تطالهم، والأضرار التي لحقت بالكثير منهم، “لكن كل ذلك لا يعادل شيئا أمام ما يقاسيه أهل غزة”.
كما أكد فريق تنظيم الاعتصام داخل الجامعة أن “النفس الطويل” في مواجهة الوحشية التي قوبلوا بها، هي النقطة التي سيعتمدون عليها. تقول إحدى الطالبات -ممن كانت عضوا في الفريق- إن “المعارك السياسية هي معارك نقاط، ونحن نحرز نقاطا، وهم يفقدونها”.
وليس شرطا أن يحقق الفريق كافة مطالبهم اليوم، لكن هذه الموجة تكبر يوما بعد آخر، ويزداد المتعاطفون معها والمنحازون لها، وهذا أمر مهم، تضيف الطالبة.
وترى أن الأهم بالنسبة لهم، هو وقف الحرب على الفلسطينيين، وأن يكون لهم دور ولو بسيط في الضغط الشعبي على مؤسسات وحكومة الولايات المتحدة، “التي نراها شريكا أساسيا في الجريمة”، حسب تعبيرها.