لهذه الأسباب تخشى واشنطن الانسحاب الكامل من العراق
واشنطن- بعد أكثر من 6 أشهر من المحادثات، يبدو أن الولايات المتحدة والعراق على وشك الإعلان عن اتفاق مهم ينص على استكمال انسحاب القوات الأميركية من العراق خلال العامين المقبلين.
وزادت ضغوط القوى السياسية العراقية المتحالفة مع إيران، ولا سيما مع تصاعد التوترات الإقليمية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على حكومة بغداد، مطالبة بضرورة العمل على انسحاب كامل لكل القوات الأميركية.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد أكد أنه لم تعد هناك حاجة لوجود القوات الأميركية في بلاده لأنها نجحت إلى حد كبير في هزيمة تنظيم الدولة، وأنه يعتزم الإعلان عن جدول زمني لانسحابها في وقت قريب.
ويوجد في العراق حاليا ما يقرب من 2500 جندي أميركي يشاركون في دعم الحملة المستمرة ضد بقايا تنظيم الدولة.
ويعد هذا التواجد جزءا لا يتجزأ من الوجود العسكري الأميركي في سوريا المجاورة، حيث لا يزال 900 جندي أميركي يدعمون قوات سوريا الديمقراطية الكردية. ويعتقد خبراء عسكريون أنه بدون قوات أميركية في العراق، من الصعب تصور بقاء القوات الأميركية أيضا في سوريا لفترة طويلة.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، إلى أنه “من الضروري أن يكون هناك انسحاب للقوات القتالية الأميركية لتلبية المطالب الشعبية العراقية”.
وأضاف “شعرت بذلك عندما زرت العراق قبل عام مع وفد من المجلس الأطلسي. كما لمست رغبة بين صناع القرار العراقيين الرئيسيين في ضمان بقاء المصالح الحيوية لكلا البلدين في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مواجهة فلول تنظيم الدولة”.
معضلة الفراغ الأمني
ويرى آدم وينشتاين، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد كوينسي بواشنطن، أن “سحب 2500 جندي أميركي ينبغي أن لا يخلق فراغا أمنيا في العراق، لكن الأمر متروك في النهاية للحكومة العراقية وفصائلها لتحديد ذلك”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، قال وينشتاين إن “التواجد الدائم للقوات الأميركية ليس حلا مستداما لأمن العراق”.
من جانبها، عبرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها عن قلقها من فكرة الانسحاب الكامل من العراق. وقالت إن هذا الانسحاب، من شأنه أن ينتج ما أنتجه الانسحاب الأميركي السابق من العراق عام 2011.
وبحسب الصحيفة، نتج -بطريقة غير مباشرة- عن انسحاب عام 2011 ترك العراق مثقلا بنقاط ضعف أمنية كبيرة وانقسامات طائفية وفساد واسع، وهي عوامل أسهمت في ظهور تنظيم الدولة، الذي استولى على مساحة شاسعة من البلاد عام 2014.
كما اعتبرت الصحيفة أن حفاظ حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على علاقات وثيقة مع إيران، والتي تدعم العديد من المليشيات العراقية الشيعية، يمثل كابوسا لصناع القرار في واشنطن.
وهاجم مايكل روبين، الخبير بمركز أميركان أنتربايز، والمسؤول السابق بالبنتاغون، فكرة الانسحاب من العراق. وقال إن “جو بايدن، دعم أول انسحاب أميركي من العراق عندما كان نائبا للرئيس، وجاء هذا الانسحاب سابقا لأوانه مما خلق فراغا سمح لكل من المليشيات المدعومة من إيران بتعزيز قبضتها على الحكومة العراقية وأعطى تنظيم الدولة مساحة للصعود في شمال العراق. وهذا بدوره أجبر الولايات المتحدة على العودة إلى العراق والانخراط عسكريا داخل سوريا أيضا”.
توقيت طرح الانسحاب
وعن مناقشة فكرة الانسحاب الأميركي الكامل من العراق وسط التوترات الإقليمية المتصاعدة، التي كان من مظاهرها شن المليشيات الشيعية المتحالفة مع طهران 222 هجمة على القوات الأميركية داخل العراق منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أشار السفير ماك إلى أن “الحكومتين الأميركية والعراقية ستبعثان برسائل واضحة مفادها أن الانسحاب لا يعني انقطاع التعاون العسكري بين بغداد وواشنطن. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يصبح التعاون السري بينهما أكثر أهمية وقوة”.
من جانبه، يقول تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، والخبير حاليا بالمعهد العربي بواشنطن، إن “فكرة الانسحاب من العراق جاءت نتاج مفاوضات طويلة الأمد، لكن انسحاب القوات الأميركية سيرسل بالتأكيد إشارة -بالإضافة إلى عجزها عن وقف القتال فيما يتعلق بغزة- بأن الولايات المتحدة في تراجع عام”.
وأضاف دان، المحاضر أيضا بجامعة جورج واشنطن، للجزيرة نت “يخشى المرء من أن الوجود المتبقي المتوخى لن يكون كافيا لمكافحة عودة محتملة لتنظيم الدولة، على الرغم من تأكيدات رئيس الوزراء السوداني المناقضة لذلك”.
في حين اعتبر وينشتاين أن “انسحاب القوات الأميركية من العراق جاء نتيجة للتنافس الداخلي بين الفصائل داخل بغداد، حيث تستخدم الجماعات الموالية لإيران الوجود العسكري الأجنبي لتعزيز أجندتها”.
تأمين مصالح واشنطن
من جانبهما، طالب تشارلز ليستر -الخبير بمعهد الشرق الأوسط- وجوزيف فوتيل -القائد السابق للقوات الأميركية بالشرق الأوسط والخبير بنفس المعهد- بضرورة ضمان تهيئة الظروف لانسحاب منظم يضمن مصالح واشنطن من خلال 3 نقاط على النحو التالي:
- الحفاظ على علاقة قوية مع قوات الأمن العراقية، التي تطورت واستطاعت توجيه ضربات قاسية لتنظيم الدولة.
- وضع آلية لضمان الحفاظ على الوصول إلى إقليم كردستان العراقي لمواصلة دعم جهود ووجود واشنطن في شمال شرق سوريا.
- مواصلة عمل الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها الإقليميين، مثل الأردن، لضمان توفر القوات الجاهزة لمواجهة أي عودة محتملة لتنظيم الدولة.
لكن مايكل روبين يشكك في أي قيمة لفكرة الانسحاب العسكري من العراق، وحذر من أن تداعيات الانسحاب ستكون خطيرة. وقال روبين “إذا مضى الانسحاب قدما، فسيكون بايدن قد عزز إرثه حقا، ليس كرجل سلام بل كأحمق تجاهل دروس الماضي ووضع الأساس لتوسيع النفوذ الإيراني، وعودة ظهور تنظيم الدولة، وربما 11 سبتمبر جديدة”.