الكوليرا تفتك باليمنيين وسط معاناة قطاع الصحة بالبلاد
تعز- “أُصبت مؤخرا بمرض الكوليرا ونقلني زملائي إلى مستشفى الثورة العام وسط مدينة تعز بعد أن عانيت من إسهال مائي شديد، مصحوب بتقيؤ وغثيان مستمر”، بهذه العبارات بدأ الطالب الجامعي ريمان الزعزعي (20 عاما) حديثه عن معاناته مع الكوليرا المنتشرة في هذه المحافظة الأكثر سكانا في اليمن.
ويضيف للجزيرة نت “أعطاني الطبيب مغذيا وريديا وبعض الحقن والعقاقير الطبية، وأبلغني أنه من حسن حظي الوصول إلى المستشفى وإلا كانت حالتي تضاعفت واستدعت دخولي وحدة العناية المركزة”. ويُعد الزعزعي واحدا من بين آلاف اليمنيين الذين أصيبوا بالكوليرا خلال أشهر من انتشارها في تعز.
وحسب ياسين عبد الملك الشريحي مدير إدارة الترصد الوبائي بمكتب وزارة الصحة في تعز، فقد رُصدت 52 حالة وفاة بمرض الكوليرا في المحافظة منذ بداية عام 2024.
أسباب الانتشار
ورصدت السلطات الصحية بالمحافظة خلال الفترة ذاتها 8 آلاف و782 حالة يشتبه بإصابتها بالمرض، منها 1020 حالة تم التأكد منها مخبريا، بحسب الشريحي الذي عزا -في حديث مع الجزيرة نت- انتشار الكوليرا إلى تلوث المياه بمخلفات الصرف الصحي وصعوبة الحصول على المياه النظيفة، فضلا عن تناول الخضراوات والفواكه المروية بمخلفات الصرف الصحي.
وسبق أن تم فحص العديد من الخضراوات والفواكه وأظهرت النتائج أنها ملوثة ببكتيريا الكوليرا. ويشكو المتحدث ذاته من أن القطاع الصحي في تعز يعمل منذ بداية الحرب بكادر متعاقد مع صعوبة إيجاد مستحقات مالية، كما أن المرافق الطبية تعمل بنفقة تشغيلية ضئيلة جدا وقد لا تكفي لتوفير الطاقة الكهربائية.
وعن وسائل مكافحة الكوليرا، يشدد المسؤول اليمني على ضرورة تشارك المكاتب التنفيذية الحكومية، ممثلة بصندوق النظافة والتحسين والصحة البيئية ومؤسسة المياه والصرف الصحي، من أجل الحد من المرض، مع أهمية التوعية من قبل وسائل الإعلام، ودعم الكادر الصحي وتوفير المستلزمات الطبية والأدوية.
ومن بين تأثيرات الكوليرا، يقول الطالب الزعزعي “حُرمت من بعض المحاضرات الجامعية خصوصا في الأسبوع الأول بسبب الإسهال الشديد والغثيان المستمر والتقيؤ في بعض الأوقات، ولولا اهتمام زملائي لازدادت حالتي سوءا خصوصا مع ضعف وضع أسرتي المادي”.
وحسب شهادة الزعزعي، تزدحم المستشفيات بالمرضى، وأي شخص مصاب بإسهال يُمنح مباشرة مغذيات وريدية وحقنا وبعض العقاقير الطبية، دون إجراء فحوصات له، أما المصابون بدرجة شديدة ولديهم مضاعفات كبيرة فيودعون في العناية المشددة.
إمكانات ضعيفة
لقي 720 شخصا حتفهم في أرجاء اليمن بسبب هذا الوباء بين مارس/آذار وأكتوبر/تشرين الأول 2024، فضلا عن تسجيل أكثر من 200 ألف حالة مشتبه بها، وفق إعلان سابق للأمم المتحدة دون وجود إحصائية إجمالية جديدة.
وأول أمس الخميس، أعلنت جمعية قطر الخيرية -في بيان لها- أنها قدمت دعما صحيا أسهم في علاج 7300 مصاب بمرض الكوليرا في 5 محافظات يمنية هي: تعز، والحديدة، وحجة، وإب، وعمران. وأضافت أن الدعم شمل تقديم المحاليل الوريدية والأدوية الطارئة لعلاج المصابين بهدف تحسين الوضع الصحي العام، وتقليل معاناة النازحين والمجتمعات المتضررة.
ومن أعراض الكوليرا إسهال مائي حاد غير مختلط بالدم يفرزه الشخص المصاب في بداية المرض من 3 إلى 4 مرات في اليوم، وأحيانا يكون مصحوبا بالتقيؤ، وفق طبيب الطوارئ في مدينة تعز محمد الجلال.
وأوضح المتخصص -للجزيرة نت- أن إصابة الأطفال تحت سن الخامسة والكبار فوق الـ50 والـ60 عاما تكون شديدة، إذ تسبب لهم جفافا ومضاعفات وقد يصابون بمرض الفشل الكلوي، أما الشباب فقد يتحملون الإسهال حتى إن كان الإفراز في اليوم من 20 إلى 30 مرة، لكن إذا تأخروا عن الذهاب إلى المستشفى فقد يصابون بمضاعفات شديدة وخطيرة.
وتابع الجلال “يأتي المرضى بأعداد كبيرة يوميا إلى مستشفيات تعز ومن مختلف الأعمار، والإمكانات المتوفرة في المرافق الطبية ضئيلة جدا، وأفراد الكادر الصحي يفتقرون إلى الرواتب والتحفيزات المشجعة للاستمرار في مزاولة عملهم”.
وحذر من أن المرض أصبح منتشرا بكثرة، ونصح أي شخص أصيب بإسهال مائي “أن يكون متيقظا لنفسه ولأهله، ويحاول تعويض السوائل مثل شرب محلول إرواء حتى يتوقف الإسهال، وإن كان هناك تقيؤ فيجب استخدام بعض العقاقير الطبية وستتحسن حالة المريض، أما الصبر على المرض فيسبب مضاعفات خاصة لدى الأطفال والشيوخ”.
انتشار كبير
وحسب الطبيب الجلال، يأتي مرض الكوليرا عن طريق الطعام والشراب الملوث وتناول الفواكه والخضراوات قبل غسلها، ومضغ القات الملوث، وتناول الأطعمة في الشوارع العامة الموجود فيها طفح المجاري أو سوائل مكشوفة.
وأوصى المصابين به بزيارة الطبيب بعد الانتهاء من عقاقيرهم لأن بعض المصابين تبقى أمعاؤهم ملتهبة، ويحتاجون إلى الاستمرار بتناول عقاقير إضافية حتى يتعافون تماما.
ووفق بيان لمنظمة الصحة العالمية الأربعاء الماضي، “يواجه اليمن تفشيا للأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل فيروس شلل الأطفال، والإسهال المائي الحاد، والكوليرا، والحصبة، والدفتيريا، والملاريا، وحمى الضنك”.
في السياق، قال تيسير السامعي مسؤول الإعلام في مكتب وزارة الصحة بمحافظة تعز إن اليمن يشهد انتشارا كبيرا لوباء الإسهالات المائية الحادة والكوليرا. وأضاف للجزيرة نت أنه رغم الجهود الكبيرة لاحتواء تفشي الوباء، فإنه ما زال هناك خطر كبير، ولا تزال الإصابات متزايدة.
وأضاف أنه بسبب استمرار المرض، ستطلق وزارة الصحة حملة لقاح ضد الكوليرا خلال ديسمبر/كانون الأول القادم في 34 مديرية بمحافظتي تعز وعدن. وأشار إلى أن مكافحة المرض مرهونة أيضا بتغيير السلوك المجتمعي وتكثيف حملات التثقيف والتوعية بمخاطره.