مشاهدات الجزيرة نت في حلب على الطريق إلى دمشق
عفرين/حلب- كان الشباب يرقصون مع إيقاع الطبول والزمر أمام قلعة حلب وكانت هناك امرأة مسنة تبكي وهي تراقبهم، وكان الأطفال والنساء وكبار السن يملؤون الطرق المحيطة بالقلعة التاريخية ممسكين بالعلم السوري الجديد ذي الثلاث نجمات، وهم يضحكون ويلعبون مستمتعين بطعم الحرية.
بينما كان الشباب يرفعون أيديهم وهم يرددون الشعارات، سألني أحدهم من أبناء حلب “هل تعرف ماذا يقولون؟”، فأجبته بأنني لا أعرف العربية، فقال لي “ارفع رأسك، أنت حر الآن”.
عدتُ إلى حلب بعد 11 عاما من زيارتي الأولى لها في زمن الحرب التي انتهت، وأصبحت حلب أول مدينة تم تحريرها من قبضة نظام الأسد مما جذب انتباه العالم إليها، فلقد تغيرت بشكل مدهش وأصبحت الآن آمنة وهادئة وخالية من الفوضى.
احتفالات مستمرة
من نافذة الفندق الذي أقيم فيه، أراقب ساحة سعد الله الجابري. رغم أن السماء كانت قد أعتمت وكان التيار الكهربائي مقطوعا، فإن الاحتفالات لا تزال مستمرة في الساحة، ويبدو أن أهل حلب كانوا ينتظرون هذا اليوم طويلا، فلا تزال عروض الفرح والاحتفال متواصلة.
صالح أحمد، الذي لم يزر حلب منذ 11 عاما، كان يقود السيارة بمهارة بينما يهز رأسه معبرا عن دهشته متسائلا بلهجة تركية متقطعة “ما زلتُ لا أصدق، هل رحل الأسد حقا؟”.
هذا الشعور بالدهشة ينتاب الكثير من الناس في حلب. ومع ذلك، لا يمكن إغفال الشعور بالتوجس الذي يعيشه آخرون.
عندما لاحظت أن عدد الأشخاص الذين يرفعون علم سوريا الجديد يبدو أقل من المتوقع، سألت الحلبي الذي بجانبي عن السبب، فأجابني “عشنا 61 عاما في ظل نظام الأسد، حيث كان اثنان من كل 3 أشخاص يعملون في المخابرات. الآن، هناك خوف من عودته مرة أخرى. التخلص من هذه الصدمة لن يكون أمرا سهلا”.
وأبدى الشباب قدرة أسرع على التأقلم مع الوضع الجديد، بينما بدا من هم في منتصف العمر أكثر حذرا وتحفظا فقد عاشوا فترات أطول تحت القمع.
مشهد مختلف
بدأت رحلتي من الحدود التركية مرورا بالمدن الواحدة تلو الأخرى حتى وصلت إلى حلب. المشهد الذي رأيته الآن يختلف تماما عن سوريا التي زرتها قبل 11 سنة، فالتكوين العرقي والديني التقليدي للمدن قد تغير بشكل جذري.
كل شيء بدأ بالانهيار كأحجار الدومينو عندما تغيرت السيطرة على حلب في عام 2016. فحلب، التي كانت تضم 5.5 ملايين نسمة من السنة العرب والتركمان، شهدت نزوحا هائلا عندما سيطر عليها نظام الأسد؛ إذ غادرها حوالي 4 ملايين شخص وانتقل نحو 2.5 مليون منهم إلى تركيا.
في حين تحولت إدلب، التي كانت بلدة صغيرة، إلى مدينة مكتظة بالسكان بسبب اللاجئين القادمين من حلب، حيث ارتفع عدد سكانها من مليون إلى 2.5 مليون نسمة. وظلت تحت إدارة هيئة تحرير الشام لسنوات عديدة.
أما عين العرب (كوباني)، التي كانت مدينة عربية، فقد تغيرت هويتها السكانية بعد أن سيطرت عليها وحدات حماية الشعب الكردية، مما دفع السكان العرب إلى النزوح غربا. وفي المقابل، كانت عفرين مدينة ذات غالبية كردية، لكن عندما استولى عليها الجيش السوري الحر، اضطر الأكراد للانتقال إلى تل رفعت وعين العرب.
حاجة للدعم
كما هو واضح، كل شيء في شمال سوريا أصبح في حالة فوضى. خلال رحلتي من عفرين إلى حلب، لم أستطع إلا أن ألاحظ البنية التحتية المدمرة، والتوسع العمراني العشوائي، والطرق المتهالكة، والبلدات التي أصبحت خرابا. عندما نتحدث عن إعادة إعمار سوريا، فإن تحويل هذه المناطق إلى أماكن صالحة للعيش سيستغرق وقتا طويلا ويتطلب ميزانية ضخمة للغاية.
موارد سوريا الذاتية تكاد تكون معدومة وهي غير قادرة على سداد ديونها الحالية، مما يعني أن هناك حاجة ماسة لدعم دولي كبير. حتى في حلب، ثانية كبرى مدن البلاد، الكهرباء مقطوعة لفترات طويلة والمياه غير صالحة للشرب والأحياء الفقيرة -وخاصة التركمانية- تعرضت للدمار الكامل.
أهمل نظام الأسد، الذي حكم البلاد لعقود، الاستثمار في المدن والبنية التحتية، واختار بدلا من ذلك إنفاق الأموال على جمع السيارات الفاخرة. ومع إضافة 14 عاما من الحرب المدمرة، يمكننا فقط أن نتخيل حجم الكارثة التي حلت بالبلاد.
وأثناء قراءتكم لهذا المقال، سأكون على الطريق نحو الشام. سنرى ما الوضع في حماة، وحمص، ودمشق.