العلم وراء ضباب الدماغ الطويل الناتج عن الإصابة بكوفيد

العلم وراء ضباب الدماغ الطويل الناتج عن الإصابة بكوفيد

تسببت جائحة فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في وفيات غير مسبوقة على مستوى العالم وكان معدل الإصابة به أعلى من أي مرض آخر في العقود القليلة الماضية. ومع ذلك، استمرت التأثيرات الضارة لعدوى فيروس كورونا 2 المسبب لمتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس-كوف-2) لفترة طويلة بعد السيطرة على الوباء من خلال جهود التطعيم المتضافرة في جميع أنحاء العالم.

تم التعرف على المضاعفات اللاحقة الحادة لعدوى فيروس كورونا المستجد أو PASC، والمعروفة باسم كوفيد الطويل، باعتبارها مصدر قلق كبير للصحة العامة. ومن بين أعراضه العديدة، يعد “ضباب الدماغ” أحد أكثر حالات ضعف الإدراك التي يتم الإبلاغ عنها وإضعافها، مما يؤثر على الذاكرة والتركيز والوظيفة التنفيذية.1

تشير الدراسات إلى أن مشاكل الذاكرة والخلل الإدراكي تحدث في ما يصل إلى 88٪ من الأفراد المصابين بكوفيد الطويل، بغض النظر عن أعمارهم أو شدة إصابتهم الأولية.2

أثار ظهور ضباب الدماغ الطويل لكوفيد مخاوف بين المتخصصين في الرعاية الصحية بسبب تأثيره على القدرات المعرفية والأداء اليومي. يصفه العديد من المرضى بأنه ضباب عقلي مستمر يؤثر على قدرتهم على التفكير بوضوح وتذكر المعلومات وأداء المهام الروتينية بكفاءة. على عكس التعب المعرفي النموذجي، يبدو أن ضباب الدماغ الطويل لكوفيد يستمر لأشهر، وأحيانًا سنوات، بعد الإصابة الحادة بكوفيد-19.3

تستكشف هذه المقالة الآليات الكامنة المحتملة لضباب الدماغ الطويل لكوفيد، وأعراضه وتأثيرها على جودة الحياة بشكل عام، ونتائج الأبحاث الحالية حول الإعاقات العصبية الناجمة عن كوفيد الطويل، وخيارات العلاج الناشئة.

اسباب ضباب الدماغ الطويل الأمد الناتج عن الإصابة بكوفيد

وقد تم طرح عدة فرضيات لتفسير الآليات الأساسية لضباب الدماغ لدى مرضى كوفيد طويل الأمد. وتشمل هذه العوامل العوامل العصبية والالتهابية والوعائية.4

ويشير التفاعل بين هذه العوامل إلى أن ضباب الدماغ هو حالة متعددة الأوجه، تتأثر بالاستجابات المناعية، واستقلاب الدماغ، وتوصيل الأكسجين.

العوامل العصبية

تشير الأدلة إلى أن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يؤثر على الدماغ بشكل غير مباشر من خلال الالتهاب العصبي والإشارات الكيميائية العصبية المتغيرة. وقد أظهرت العديد من الدراسات باستخدام نماذج حيوانية أن حتى الإصابات الخفيفة بفيروس كورونا المستجد يمكن أن تؤدي إلى تنشيط مستمر للخلايا الدبقية الصغيرة، مما يعطل الشبكات العصبية ويضعف الوظيفة الإدراكية.5

تشير الأبحاث أيضًا إلى أن ضباب الدماغ قد يكون مرتبطًا بتغيرات مستمرة في مستويات النواقل العصبية، وخاصة تلك التي تنطوي على الدوبامين والسيروتونين. تلعب هذه النواقل العصبية أدوارًا أساسية في الإدراك والانتباه والتنظيم العاطفي.

يمكن أن تساهم الاضطرابات في توازنها في ظهور أعراض مثل تباطؤ التفكير وضعف التركيز واضطرابات المزاج، والتي يتم الإبلاغ عنها بشكل متكرر لدى مرضى كوفيد طويل الأمد.2،4

العوامل الالتهابية

يُشتبه في أن الالتهاب العصبي هو أحد العوامل الرئيسية وراء ضباب الدماغ في مرضى كوفيد-19. وقد ارتبطت المستويات المرتفعة من السيتوكينات المؤيدة للالتهابات، وخاصة الكيموكين CCL11، بالضعف الإدراكي الملحوظ لدى المرضى الذين يعانون من أعراض مستمرة.5

ويُعتقد أن هذه الاستجابة الالتهابية تتداخل مع تكوين الخلايا العصبية والمرونة المشبكية، مما يؤدي إلى خلل في الإدراك.

في بعض الحالات، لوحظت ظاهرة تُعرف باسم “عاصفة السيتوكين” – استجابة مناعية مفرطة النشاط – لدى مرضى كوفيد-19. حتى بعد التعافي من العدوى الحادة، قد يستمر الالتهاب المتبقي في الدماغ، مما يؤدي إلى ضعف إدراكي طويل الأمد.

قد تؤدي هذه الحالة الالتهابية المستمرة إلى تغيير سلامة حاجز الدم في الدماغ، مما يسمح للخلايا المناعية بدخول الجهاز العصبي المركزي وتفاقم الخلل الإدراكي.3،6

الآليات الوعائية ونقص الأكسجين

هناك آلية بيولوجية أخرى مقترحة لتفسير ضباب الدماغ أثناء الإصابة بكوفيد الطويل ترتبط بخلل في الأوعية الدموية، وخاصة لدى المرضى الذين عانوا من ضائقة تنفسية أثناء الإصابة الحادة.

وقد حددت الدراسات تلف الأوعية الدموية الدقيقة، بما في ذلك النزيف الدقيق وخلل في الأوعية البطانية، لدى الأفراد الذين يعانون من أعراض إدراكية مستمرة.7 يمكن أن تؤدي مثل هذه التغييرات إلى إضعاف تدفق الدم الدماغي، مما قد يؤدي إلى عجز إدراكي مستمر.

نقص الأكسجين، أو انخفاض مستويات الأكسجين، هو عامل مساهم آخر. يمكن أن تسبب عدوى كوفيد-19 الشديدة نقص الأكسجين، مما قد يؤدي إلى تلف الخلايا العصبية. حتى في الحالات التي لا تنخفض فيها مستويات الأكسجين إلى مستويات حرجة، يمكن أن تؤثر الانخفاضات الدقيقة ولكن المزمنة في الأكسجين سلبًا على وظائف المخ بمرور الوقت، مما يؤدي إلى أعراض مثل الارتباك وصعوبة التركيز وفقدان الذاكرة.1،8

أعراض ضباب الدماغ وتأثيراته

يتجلى ضباب الدماغ في مجموعة من الاختلالات الإدراكية التي تؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية. غالبًا ما يعاني الأفراد المصابون بكوفيد طويل الأمد من مشاكل في الانتباه المستمر، ونوبات فقدان الذاكرة، وتباطؤ سرعة المعالجة، والتحديات في الوظيفة التنفيذية، مثل ضعف اتخاذ القرار.9

كما أبلغ العديد من المرضى عن زيادة التعب العقلي بعد بذل مجهود إدراكي، فضلاً عن صعوبة التركيز على المهام لفترات طويلة. كما تم الإبلاغ عن ضعف القدرة على إيجاد الكلمات أو تذكر المفردات والتحديات في تعدد المهام كأعراض شائعة، مما يؤدي إلى الإحباط وانخفاض الثقة في إكمال المهام المتعلقة بالعمل أو الشخصية.10

غالبًا ما تؤدي هذه الاختلالات الإدراكية إلى انخفاض في أداء العمل والتفاعلات الاجتماعية وجودة الحياة بشكل عام. أفاد العديد من الأفراد المصابين بكوفيد طويل الأمد أنهم يكافحون للعودة إلى خط الأساس الإدراكي قبل الوباء، حيث يعاني البعض من إعاقة مطولة وعزلة اجتماعية.1

كما أبلغ المرضى عن أن الأنشطة البسيطة سابقًا، مثل القراءة أو الكتابة أو متابعة المحادثات، تتطلب جهدًا أكبر بكثير، مما يؤدي إلى ضائقة عاطفية وقلق.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الأبحاث أن الأعراض المعرفية قد تتفاقم بسبب اضطرابات النوم وحالات الصحة العقلية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق، مما يزيد من تفاقم عبء كوفيد الطويل.8

إن استمرار هذه الأعراض لمدة عام تقريبًا أو أكثر بعد الإصابة الأولية بفيروس سارس-كوف-2 يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تدخلات فعالة للتخفيف من التأثيرات المعرفية لكوفيد الطويل وتحسين الحياة اليومية للأفراد المتضررين.

رؤى من الأبحاث الحالية

وقد سعت الدراسات الحديثة إلى تحديد ووصف العجز المعرفي لدى مرضى كوفيد-19 الطويل الأمد. ووجدت مراجعة منهجية أن التقييمات النفسية العصبية تؤكد ضعفًا موضوعيًا في الانتباه والذاكرة العاملة وسرعة المعالجة لدى مرضى كوفيد-19 الطويل الأمد.3

وقد استخدمت العديد من الدراسات الأخرى تقنيات التصوير العصبي للكشف عن التغيرات البنيوية والوظيفية في الحُصين والقشرة الأمامية الجبهية، مما يدعم الفرضية القائلة بأن كوفيد-19 أدى إلى التنكس العصبي.3،11،12

وعلاوة على ذلك، أشارت الأبحاث الحديثة أيضًا إلى أن حتى الأفراد المصابين بعدوى كوفيد-19 الخفيفة يظهرون علامات التهاب عصبي متزايدة، مما يؤكد الحاجة إلى مزيد من التحقيق في العواقب العصبية المحتملة طويلة الأمد.5

تشير الأبحاث الإضافية إلى أن الضعف المعرفي المرتبط بكوفيد-19 الطويل الأمد قد يشترك في أوجه التشابه مع الحالات التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر، على الرغم من أن الآليات المرضية الدقيقة لا تزال غير واضحة.13

هناك العديد من التدخلات العلاجية قيد الدراسة لعلاج ضعف الإدراك وضباب الدماغ في حالات كوفيد الطويلة الأمد. وتشمل هذه الأدوية والعلاجات التي تعالج العديد من الآليات الأساسية التي تعد أسبابًا محتملة لكوفيد الطويل الأمد، بالإضافة إلى العلاجات المعرفية والتحفيزية لاستعادة وظائف المخ.

إزالة ضباب كوفيد

وفي الختام، تشير مجموعة متنامية من الأبحاث إلى أن ضباب الدماغ هو أحد الأعراض المستمرة والمعوقة لمرض كوفيد طويل الأمد والذي يؤثر بشكل كبير على جودة حياة المرضى.

وقد تم اقتراح آليات محتملة متعددة، بما في ذلك الالتهاب العصبي، وخلل الأوعية الدموية، والتأثيرات العصبية المباشرة لفيروس سارس-كوف-2 لهذه الإعاقات الإدراكية.

وفي حين أن العلاجات الناشئة تبدو واعدة، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتطوير علاجات مستهدفة وتحسين استراتيجيات الإدارة السريرية. كما أن زيادة الاعتراف بضباب الدماغ طويل الأمد لمرض كوفيد داخل المجتمع الطبي أمر ضروري أيضًا لإدارة الأعراض وتحسين نتائج المرضى.

المصدر: رأي الخليج + نيوز مديكال