إن المفاوضات الايرانية الامريكية في مسقط يوم السبت، والتي عقدت بشكل غير مباشر بين إيران والولايات المتحدة، بصرف النظر عن تفاصيل كيفية تصميم محتوى المفاوضات في طهران وما تم تحقيقه مساء السبت، والتي ذكرها فريقا ويتاكر وترامب وبيان البيت الأبيض بكل سرور، لم تهمش فقط التصورات والروايات التي لا أساس لها من الصحة حول المفاوضات والقضايا التي تمت مناقشتها وأي جانب كان سلبيا، ولكنها جلبت أيضا قضية أخرى مهمة للغاية إلى الواجهة.
المفاوضات الايرانية الامريكية تنزع قناع الحقيقة
لقد واجه الكيان الصهيوني ووسائل الإعلام المنسقة مع إسرائيل وأميركا ولندن، والتي حاولت منذ أشهر تصوير إيران وجبهة المقاومة على أنها ضعيفة وسلبية ومقموعة وعاجزة، واقعاً مريراً واضطرت إلى الاعتراف بأن إيران هي المسيطرة.
ورغم أن ترامب، وبما يتماشى مع سمات شخصيته، كرر رغبته في إملاء نتائج المفاوضات الايرانية الامريكية عبر الرسائل على إيران بالضجيج والتهديد، إلا أنه اضطر إلى التراجع عن التهديد، وقائمة القضايا الوهمية، ومسار الوساطة، وشكل المفاوضات غير المباشرة، كما فهم ذلك أفضل من أي شخص آخر.
في الواقع، اعترف ترامب بأن أميركا في حالة حاجة وضعف، وكل مؤشرات القوة في إيران تشير إلى أن ترامب ليس لديه خيار سوى التراجع، وهو سعيد جداً باللقاء التمهيدي.
ولا يقتصر هذا التقييم والتصور من جانب ترامب على نوع السياسة تجاه إيران، ففي لقائه مع نتنياهو، سحب ترامب أيضاً زمام الأمور لوقف الخطاب الاستفزازي، وبدلا من الحرب مع إيران، فكر في أفق اتفاق محتمل من خلال المفاوضات الايرانية الامريكية، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على الأوضاع والعمليات الداخلية للكيان الصهيوني.
ومن خلال قبول النص الإيراني المقترح، والذي تم تقديمه ذهابا وإيابا أربع مرات وتمت الموافقة فيه على توجهات إيران، قام ترامب وفريق التفاوض في ويتكوف بتهميش ليس فقط نتنياهو ولكن أيضا الأوروبيين وتجاهلهم.
ماذا يقول الخبراء؟
قال رئيس صحيفة راي اليوم أن في مفاوضات عُمان النووية بين إيران والولايات المتحدة، نجحت إيران في فرض شروطها بإجراء المفاوضات بشكل غير مباشر، رغم رغبة الولايات المتحدة في مفاوضات مباشرة، كما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
جاء ذلك في ظل ضعف الموقف الأمريكي بعد فشل سياساته التجارية، مثل فرض رسوم جمركية على أكثر من 200 دولة، مما عزَّل واشنطن دوليًا وحوّل حلفاءها إلى أعداء، خاصة في أوروبا وشرق آسيا.
مثَّل إيران في المفاوضات الدبلوماسي المخضرم عباس عراقجي، الذي قاد مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015، ورفض سياسة التهديد والترهيب التي ينتهجها ترامب.
وأصرّ الوفد الإيراني على حصر المفاوضات في الملف النووي فقط، واستبعاد قضايا أخرى مثل الصواريخ الباليستية ودعم جماعات المقاومة في المنطقة، وهو ما تحقق لصالح إيران.
من جهته، اضطر ترامب إلى التراجع عن تهديداته العسكرية بعد أن فشلت استراتيجيته في تخويف إيران، رغم إرسال حاملات طائرات وقاذفات بی۵۲.
بل أدت هذه التهديدات إلى رد فعل قوي من إيران، حيث أعلن المرشد الأعلى علي الخامنئي حالة الطوارئ العسكرية، ووضع الصواريخ والغواصات والقوات في حالة تأهب قصوى، وهدد بتدمير القواعد الأمريكية المحيطة بإيران (التي تضم 50 ألف جندي) وإغلاق مضيق هرمز، مما قد يعطّل صادرات النفط العالمية.
هكذا، أثبتت إيران قدرتها على الصمود في مواجهة الضغوط الأمريكية، بينما وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف ضعيف، مما دفعها إلى العودة إلى المسار الدبلوماسي بعد فشل سياسة التهديد.
خسارة كبيرة للكيان الصهيوني!
أكد الباحث في العلاقات الدولية د. علي شكرأن بدء المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة يمثل خسارة للكيان الإسرائيلي، خاصة بعد زيارة رئيس وزرائه الأخيرة لواشنطن، التي روجت لها إسرائيل على أنها “زيارة الفاتحين”.
ومع ذلك، لم تُكشف نتائج الزيارة، وبدلاً من ذلك أُعلن عن عودة المفاوضات، مما يشير إلى أن القرار النهائي بيد واشنطن وليس تل أبيب.
وأوضح شكر أن هذه المفاوضات تُضعف المكاسب الإسرائيلية السابقة، وتعيد الصراع إلى نقطة الصفر، خاصة بعد أن سعت إسرائيل لسنوات لتصوير نفسها كقوة مهيمنة في المنطقة.
كما أن عودة واشنطن للتفاوض مع طهران تُعتبر تراجعاً عن سياسة ترامب السابقة بالانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، مما يعكس تغيراً في الموقف الأمريكي.
وأشار إلى أن استمرار النفوذ الإيراني وقدرتها على التفاوض بندية مع واشنطن يؤكدان صمودها رغم الضغوط، بينما تخشى إسرائيل من أي اتفاق لا يدمر البرنامج النووي الإيراني تماماً، لأنه سيعزز مكانة إيران ويُضعف الموقف الإسرائيلي.
من جهة أخرى، ناقش النص تحذيرات إسرائيلية من تدخل حكومة نتنياهو في المفاوضات، حيث دعا ضابط سابق في جيش الاحتلال إلى ترك القرار للأمريكيين. كما أثارت مواقع التواصل الإسرائيلية مخاوفاً من “سذاجة” السياسة الأمريكية، معتبرة أن أي صفقة ستسمح لإيران بالبقاء “على حافة نووية” بينما ترفع العقوبات وتفتح الأسواق أمامها.
في النهاية، يُعتبر أي تقدم في المفاوضات الايرانية الامريكية خسارة لإسرائيل، خاصة إذا لم يتضمن إنهاء دعم إيران لحلفائها في المنطقة. وهذا يضع ترامب أمام تحدٍّ كبير في الموازنة بين مصالح واشنطن وضغوط تل أبيب.
المصدر: رأي الخليج + الجزيرة