40 ألف يحتجون ضد قانون حقوق الماوري في نيوزيلندا
أكثر من 40,000 شخص يحتجون ضد مشروع قانون حقوق الماوري في نيوزيلندا
تظاهر عشرات الآلاف خارج البرلمان النيوزيلندي احتجاجًا على مشروع قانون يقول المنتقدون إنه سيضر بحقوق شعب الماوري.
شارك حوالي 42,000 شخص يوم الثلاثاء في المظاهرات، مطالبين المشرعين برفض مشروع قانون “مبادئ المعاهدة”، الذي قدمه في وقت سابق من هذا الشهر حزب “أكت نيوزيلندا” الليبرالي.
وعلى الرغم من أن التشريع، الذي اقترحه الشريك الأصغر في حكومة الائتلاف اليمينية الوسطى، يفتقر إلى الدعم اللازم لتمريره، إلا أن النقاد يخشون من أنه يهدد بتقسيم المجتمع. ويقولون إنه يسعى إلى التراجع عن سياسات استمرت لعقود تهدف إلى تمكين شعب الماوري، الذين يشكلون حوالي 20% من سكان البلاد البالغ عددهم 5.3 مليون نسمة، لكنهم يعانون من معدلات أعلى من الحرمان والسجن ونتائج صحية أسوأ مقارنة ببقية السكان.
سبقت احتجاج يوم الثلاثاء مسيرة استمرت تسعة أيام، تُعرف باسم “هيكوي” بلغة الماوري، بدأت في أقصى شمال البلاد، حيث انضم الآلاف إلى المظاهرات في المدن والبلدات مع تقدم المسيرة جنوبًا مشيًا على الأقدام أو بالسيارات وصولاً إلى ويلينغتون.
كان بعض المتظاهرين يرتدون الملابس التقليدية مع غطاء رأس مزين بالريش وعباءات ويحملون أسلحة ماورية تقليدية. بينما ارتدى آخرون قمصانًا مكتوبًا عليها عبارة “Toitu te Tiriti” (التزموا بالمعاهدة)، كما حمل مئات منهم علم الماوري الوطني.
يسعى التشريع إلى إعادة تفسير معاهدة “وايتانجي” التي يبلغ عمرها 184 عامًا، وهي وثيقة تمنح قبائل الماوري حقوقًا واسعة للاحتفاظ بأراضيهم وحماية مصالحهم مقابل التخلي عن الحكم لصالح البريطانيين.
لا تزال الوثيقة توجه التشريعات والسياسات حتى اليوم، حيث وسعت قرارات المحاكم وهيئة الماوري المستقلة حقوق وامتيازات شعب الماوري على مر العقود.
وافق شركاء حزب “أكت” في الائتلاف، حزب “ناشونال” وحزب “نيوزيلندا أولاً”، على دعم التشريع في القراءة الأولى من بين ثلاث قراءات. ومع ذلك، صرح كلا الحزبين أنهما لن يدعماه ليصبح قانونًا.
لكن المنتقدين، مثل رئيسة الوزراء المحافظة السابقة جيني شيبلي، يرون أن مجرد طرح هذا المشروع يهدد بتقسيم نيوزيلندا.
خلال أول تصويت على المشروع يوم الخميس، قامت النائبة هانا-راويتي مايبي-كلارك من حزب “تي باتي ماوري” بتمزيق نسخة من المشروع وقادت زملاءها في أداء رقصة “هاكا” التقليدية.
ضد ام مع قانون حقوق الماوري في نيوزيلند
تُعتبر الاحتجاجات ضد مشروع قانون “مبادئ المعاهدة” مؤشرًا واضحًا على الانقسامات المتزايدة في المجتمع النيوزيلندي حول القضايا المتعلقة بحقوق السكان الأصليين ودور معاهدة وايتانجي في تشكيل سياسات البلاد.
يرى الكثيرون أن المعاهدة تمثل حجر الزاوية في علاقة شعب الماوري بالحكومة، حيث تُعد رمزًا للتفاهم والاعتراف المتبادل بين الثقافتين. لكن مع مرور الزمن، أصبحت المعاهدة محط جدل، حيث يرى البعض أن التفسيرات الموسعة لحقوق الماوري قد أدت إلى تمييز إيجابي غير عادل.
من جهة أخرى، يؤكد المدافعون عن حقوق الماوري أن المعاهدة ليست مجرد وثيقة تاريخية، بل هي التزام أخلاقي وقانوني يجب أن يُحترم لضمان المساواة والعدالة الاجتماعية. ويشيرون إلى أن الفجوات الكبيرة في التعليم، والصحة، والدخل بين شعب الماوري وبقية السكان تتطلب سياسات تعزز تمكينهم.
مع تصاعد الجدل، يتزايد الضغط على حكومة الائتلاف لاتخاذ موقف واضح. وفي حين أن بعض الأطراف تدعو إلى مراجعة شاملة للسياسات المتعلقة بالمعاهدة لضمان الإنصاف للجميع، يحذر آخرون من أن أي خطوات تستهدف تقليص حقوق الماوري قد تؤدي إلى احتجاجات أكبر وربما توتر اجتماعي واسع.
يبقى السؤال الأكبر حول كيفية الموازنة بين الحفاظ على هوية وثقافة شعب الماوري وبين تعزيز الوحدة الوطنية في نيوزيلندا. وبينما يتابع العالم هذا المشهد، يُظهر الاحتجاج الأخير قوة صوت السكان الأصليين واستعدادهم للدفاع عن حقوقهم بشتى الطرق السلمية والتقليدية.
إذا لم تتم معالجة هذه القضايا بحكمة وشمولية، فقد تكون نيوزيلندا على أعتاب نقاش أوسع حول مستقبل العلاقات بين السكان الأصليين والدولة، وهو نقاش قد يُعيد تشكيل الطريقة التي تُدار بها البلاد لعقود قادمة.
تاريخ الماوري في نيوزيلندا
من هم شعب الماوري؟ هم السكان الأصليون لنيوزيلندا، ويُعتقد أن أسلافهم قد هاجروا إلى الجزيرة من بولينيزيا الشرقية في سلسلة من الرحلات بين عامي 1250 و1300 ميلاديًا، مسترشدين بالنجوم والمحيط. واستقروا في الجزيرة التي أطلقوا عليها اسم أوتياروا (Aotearoa)، والتي تعني “أرض السحابة البيضاء الطويلة”.
البدايات وثقافة الماوري
شكّل الماوري مجتمعًا زراعيًا قائمًا على الزراعة والصيد وجمع الطعام. اعتمدوا على البطاطا الحلوة (الكومارا) كمصدر غذائي رئيسي، إضافةً إلى الأسماك والطيور. عُرفت مجتمعاتهم بنظام قبلي يُسمى إيوي (Iwi)، حيث كان لكل قبيلة زعيم، وتمتعت كل قبيلة باستقلالها الذاتي.
طوّر الماوري تقاليد ثقافية غنية، منها فن الواراي (الوشم التقليدي)، ورقصة الهاكا الشهيرة، وصناعة الزوارق الكبيرة المستخدمة في رحلاتهم البحرية. كما أنشأوا نظمًا اجتماعية معقدة تقوم على القيم الجماعية والاحترام المتبادل بين الأجيال.
الاتصال مع الأوروبيين
وصل أول الأوروبيين إلى نيوزيلندا في القرن السابع عشر، وكان المستكشف الهولندي آبل تاسمان أول أوروبي يُسجل وصوله عام 1642. ولكن الاتصال الأوسع بدأ مع قدوم المستكشف البريطاني جيمس كوك عام 1769. جلب الأوروبيون معهم أدوات جديدة وفرصًا تجارية، إلى جانب الأمراض التي لم يكن لدى الماوري مناعة ضدها، مما أدى إلى انخفاض كبير في عدد السكان.
مع تزايد الاستيطان الأوروبي في أوائل القرن التاسع عشر، بدأت الصراعات تظهر حول الأرض والموارد، حيث رأى المستوطنون الأوروبيون إمكانيات كبيرة في الأراضي الخصبة التي يملكها الماوري.
معاهدة وايتانجي (1840)
في عام 1840، وُقعت معاهدة وايتانجي بين ممثلي التاج البريطاني وقادة قبائل الماوري. تعهدت المعاهدة بحماية حقوق الماوري في أراضيهم ومصالحهم، مقابل الاعتراف بالسيادة البريطانية. ومع ذلك، كانت التفسيرات المختلفة للمعاهدة بين الطرفين مصدرًا دائمًا للنزاعات، حيث شعر الماوري بأن حقوقهم تُنتهك مع تزايد المصادرة القسرية للأراضي.
حروب الماوري (1845-1872)
اندلعت سلسلة من الحروب بين الماوري والمستوطنين البريطانيين، عُرفت بـ”حروب الماوري”، نتيجة استياء الماوري من مصادرة أراضيهم. على الرغم من شجاعة الماوري واستراتيجياتهم القتالية المتقدمة، فإنهم خسروا معظم أراضيهم نتيجة لقوة البريطانيين المتفوقة وعددهم المتزايد.
فقدان الأرض والتهميش
بحلول نهاية القرن التاسع عشر، كان الماوري قد فقدوا معظم أراضيهم الخصبة، ما أدى إلى فقرهم وتهميشهم. تفاقمت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بسبب السياسات الاستعمارية التي لم تعترف بمساهماتهم أو ثقافتهم.
النهضة الماورية الحديثة
شهد القرن العشرين تحركات نحو إحياء ثقافة الماوري واستعادة حقوقهم. تأسست هيئات مثل محكمة الأراضي الماورية، وظهرت حركات تدعو إلى العدالة الاجتماعية والاعتراف بالمعاهدة.
في العقود الأخيرة، أسهمت قرارات قانونية وإصلاحات حكومية في إعادة بعض الأراضي وتعويضات مالية للماوري عن الانتهاكات التاريخية. كما تم تعزيز استخدام اللغة الماورية وتدريسها في المدارس، وأصبحت حقوق الماوري وقيمهم جزءًا من هوية نيوزيلندا الحديثة.
المساهمة في الهوية الوطنية
اليوم، يُعتبر شعب الماوري جزءًا لا يتجزأ من الهوية النيوزيلندية. ورغم التحديات التي لا تزال تواجههم، يُعدّ إحياء ثقافتهم وحقوقهم مثالاً على قدرة الشعوب الأصلية على النهوض والحفاظ على هويتهم في ظل التحولات الحديثة.
خاتمة
يمثل تاريخ الماوري قصة غنية بالتقاليد والتحديات والصراعات، لكنه أيضًا قصة صمود وإحياء ثقافي. يواصل الماوري العمل نحو تحقيق العدالة والمساواة، مع الحفاظ على تراثهم الذي يُثري النسيج الثقافي لنيوزيلندا.
المصدر: الجزيرة + رأي الخليج