سياسةمجتمع

مقاتلي داعش في أفغانستان… أزمة طالبان وإحراج واشنطن

تشير مصادر أمنية واسعة الاطلاع على شؤون دول شرق آسيا وآسيا الوسطى إلى أن عدد مقاتلي تنظيم داعش في أفغانستان بات أكثر من 15 ألف مقاتل يتركزون شمالي البلاد، وباتوا قادرين على زعزعة الاستقرار في منطقة آسيا الوسطى. وهذا يُسجل على أنه فشل ذريع للولايات المتحدة، التي بقيت في أفغانستان لمدة 20 عاما متواصلة ولم تستطع القضاء على “التنظيمات الإرهابية”، ومع انسحابها عادت تلك التنظيمات إلى الظهور والتمدد بقوة.

خبراء في شؤون الجماعات الجهادية يقولون إن زيادة وتيرة عمليات داعش المستجدة منذ نحو سنة إلى اليوم ضد حركة طالبان هدفها إحراج الحركة وإظهار ضعفها وعجزها، وكشف التناقضات التي تتخبط فيها قياداتها، وكذلك تغنيها الدائم بقدرتها على إحكام السيطرة على البلاد.

وبحسب هؤلاء الخبراء، فإن تنظيم “داعش- ولاية خراسان” نفذ عشرات العمليات المسلحة في أفغانستان منذ بداية العام الجاري، ويُقدر عدد هذه العمليات إلى اليوم بأكثر من 120 عملية و80% منها كان موجها ضد حركة طالبان.

الخبراء يؤكدون أن السبب الكامن خلف هذه العمليات هو التنافس الشرس على زعامة “الحالة الجهادية” حول العالم، خاصة زعامتها في الدول الآسيوية وفي شبه القارة الهندية؛ وذلك بعد أن خرج تنظيم داعش عن مبدأ مواجهة “العدو
القريب” (أي الأنظمة وأجهزتها الأمنية والعسكرية) إلى مبدأ مواجهة “العدو البعيد” مباشرة والمتمثل في استهداف
قوات الولايات المتحدة الأميركية ومصالحها المنتشرة حول العالم، ويستشهد هؤلاء الخبراء -للتأكيد على ذلك- بمقال
نشره التنظيم نفسه في مجلة “البناء” التابعة له، في عدد يونيو/حزيران 2017 (العدد 89).

لكن هذا كله ماذا يعني؟

بكل بساطة، يعني أن الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تقوده لم يتمكنا من هزيمة تنظيم
طالبان في أفغانستان فحسب، وإنما تسببا أيضا -خلال السنوات العشرين التي قضياها هناك- في ظهور داعش في أفغانستان. كما أن ذلك يشير إلى أن الأميركيين -طوال فترة وجودهم في أفغانستان- فشلوا فشلا ذريعا في تدريب
قوات أمن أفغانية جدية قادرة على محاربة “الإرهاب” بشكل مستقل.

لكن يبدو أن “الحرب على الإرهاب” في أفغانستان -التي شنتها الولايات المتحدة عام 2001 بعد اعتداء 11 سبتمبر/أيلول- لم تكن إلا ذريعة مشتركة لإخفاء أهداف جيوسياسية للوجود الأميركي في البلاد والبقاء فيها طوال هذه المدة،
إذ تشير تقارير إخبارية غربية وعربية إلى أن مصالح واشنطن في آسيا الوسطي خلال فترة التسعينيات كانت تهدف
إلى السيطرة على مكامن النفط والغاز في آسيا الوسطي وفي بحر قزوين، وذلك من أجل قطع الطريق أمام روسيا
والصين ومنعهما من الاستفادة من تلك الثروات.

كما تكشف المعلومات أن العاصمة الأفغانية كابل يوم كانت تحت سيطرة الولايات المتحدة أصبحت واحدة من القواعد
الرئيسية للجماعات الإرهابية الدولية والمصدر الرئيسي لصناعة وتهريب المخدرات حول العالم، كما تشير التقديرات
إلى أن أفغانستان غطت على مدى الأعوام العشرين الماضية، نحو 85% من صناعة الهيروين حول العالم.

تقارير إخبارية غربية تشير إلى أن هذه المادة كانت مصدرا مهما لتمويل التنظيم خلال الوجود الأميركي، برغم نفي
التنظيم هذا الأمر في أكثر من مناسبة.

وطوال تلك السنوات، استعانت الولايات المتحدة بنحو 50 دولة في قتالها ضد طالبان، وبعض هذه الدول لم يكن حتى
عضوا في حلف الناتو؛ وبفعل ذلك أيضا ارتفع عدد الجرائم المرتكبة ضد المدنيين بشكل كبير، إذ تشير إحصاءات
غربية إلى أن عدد الضحايا المدنيين بلغ ما يزيد على 150 ألفا.

وتشير التقارير والإحصاءات نفسها إلى أن الصراع خلف أكثر من 2300 ضحية بين الجنود الأميركيين، كما جرح
أكثر من 20 ألفا آخرين، وقتل أكثر من 450 بريطانيا والمئات من الجنسيات الأخرى. وكان الشعب الأفغاني أكثر
من تحمل هذا العبء؛ إذ تكشف بعض التقارير أن أكثر من 60 ألفا من أفراد القوات المسلحة الأفغانية قتلوا في هذا
الصراع، وأن نحو 111 ألف مدني قُتلوا أو جرحوا منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتوثيق أرقام الخسائر البشرية في
صفوف المدنيين عام 2009.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى