على مدار سبعين عاما واجه الفلسطينيون حربا إسرائيلية دعائية هدفت لسلب تراثهم وتزوير تاريخهم بعد أن
سلبت أرضهم وتصدى الشعب الفلسطيني لحملات الاحتلال التهويدية في كل المحافل، إلا أنه لم يكن في مخيلتهم
أن هذه المعركة ستكون في يوم من الأيام ضد أشقاء عرب.
هؤلاء الأشقاء العرب طبعوا مع إسرائيل سرا وعلانية، وبدؤوا بفتح سفاراتهم فيها، كما وقعوا سيلا من الاتفاقيات
في كل المجالات، لينضموا إلى صفها حتى في عدائها للشعب الفلسطيني.
تسويق الكذب
فور التطبيع الإسرائيلي الإماراتي بدأ المطبعون بهجمة ضد الشعب الفلسطيني تضمنت تبنيا للراوية الصهيونية
حول احتلال فلسطين وتكذيب أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه، كما اشتركوا بالحملة التهويدية ضد الفلسطينيين وسرقة تاريخهم وتراثهم.
بدأت الحملة المساندة للرواية الإسرائيلية على المستوى الرسمي من دولة الإمارات، وبعض النشطاء الإماراتيين المرتبطين بدوائر الحكم إلى جانب ما يعرف بـ “أسراب الذباب الإلكتروني”.
جاهرت أبوظبي بذلك عندما قامت شركة الطيران الإماراتية الرسمية “الاتحاد” بنشر مقطع مصور لرحلاتها
لتل أبيب، يتضمن صورة الهيكل الإسرائيلي المزعوم الذي تجاهر الجماعات اليهودية الدينية بناءه على أنقاض المسجد الأقصى.
كما تضمن المقطع تسويقا لمأكولات فلسطينية على أنها إسرائيلية، في محاولة واضحة لتغيير هويتها وتأييد
الرواية الإسرائيلية حول الهيكل وهو ما أثار غضب الفلسطينيين.
كما نشرت مواقع إخبارية إماراتية ما أسمتها “المشاهد الطبيعية في إسرائيل” في إطار الترويج للسياحة بدولة الاحتلال، وزار عدد من الوفود الإعلامية الإماراتية تل أبيب وشرعت في إنتاج مقاطع مصورة تروج لإسرائيل
“كبلد تسامح وتعايش وتعدد ديني”.
وتعمد بعض النشطاء الإماراتيون استفزاز الفلسطينيين من خلال نشر دعايتهم المساندة للرواية الإسرائيلية عبر الهاشتاغات الفلسطينية كـ #غزة_تحت_القصف، حيث قام الناشط الإماراتي محمد بن حمد بنشر مقطع مصور
وصف الشعب الإسرائيلي بأنه شعب راق يستحق التحية واصفا دولة الاحتلال بـ”إسرائيل الحبيبة”.
والناشط الإماراتي حمد المزروعي المقرب من ابن زايد نشر مقاطع ترويجية لدولة الاحتلال ومحاولة تلميع
صورتها في مقابل شيطنة الشعب الفلسطيني كما روج مؤخرا أن “مساحة دولة إسرائيل 22.770 كم مربع” أي
أنه لا يحق للفلسطينيين المطالبة بأرضهم المسلوبة.
واحتفلت إسرائيل بافتتاح أول مطعم في الإمارات بعد اتفاق التطبيع الأخير، وهو ما يمثل منبرا تسويقيا جديدا للأطعمة الفلسطينية والعربية المسروقة إسرائيليا في بلد عربي.
دور سعودي
رسميا، لم تطبع السعودية مع إسرائيل حتى الآن، رغم لقاء “نيوم”، لكن النشاط السعودي في السنوات الأخيرة يشير لقرب تطبيع العلاقات رسميا.
وعلى ما يبدو، فإن السعودية مرتاحة لنشاطات التطبيع التي يقوم بها سعوديون من داخل المملكة ومن ضمنها محاولات تزوير التراث الفلسطيني، فقال المدون السعودي محمد سعود الذي زار إسرائيل عدة مرات إنه “معجب جدا بالطعام الإسرائيلي مثل الحمص والفلافل لأنه ذو طعم شهي”، مضيفاً “أنني أحب أغاني المطربين والمطربات الإسرائيليين”.
وسبق لسعود أن قام بنشر مقطع مصور في الرياض، دعا فيه بالنصر للجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية بالنجاح في القضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التي وصفها بـ”الإرهاب”.
وضمن حملة تأييد الرواية الإسرائيلية، ادعى الإعلامي السعودي المقرب من النظام رواف السعين أن ملكية هذه الأرض تعود للإسرائيليين ولا حق للفلسطينيين بها وأنهم ليسو عربا، ودعا السعين إلى “حرق الفلسطينيين وتأديبهم وتخليص العالم من شرهم”.
أما صحيفة عكاظ السعودية، فنشرت مقالا يشكك في المسجد الأقصى ويزعم أن الأقصى موجود في منطقة “الجعرانة” بين مكة والطائف، وهو ما فسره مراقبون بأنه محاولة سعودية لتزوير تاريخ فلسطين ونزع قدسيتها في العالم الإسلامي.
فشل صهيوني
تزعم إسرائيل عادة أن الزي النسائي الفلسطيني المطرز يأتي ضمن تراثها اليهودي، حيث شاركت في معارض تراثية دولية ومسابقات عروض الأزياء بهذا الزي وهو ما أغضب الفلسطينيين.
وعندما فشل الإسرائيليون في إثبات ملكيتهم لأزياء الفلسطينيين حاولوا إدراج هذه الأزياء ضمن الموضة الإسرائيلية، باعتبار أنها تأتي لتعزيز التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما صرح به مصمم الأزياء الإسرائيلي، يارون منكوفسكي.
وعلى الصعيد الفني، حاولت إسرائيل سرقة رقصات فلسطينية مشهورة كالدحية البدوية والتي بدأت تصبح دارجة في الأعراس اليهودية حيث يتم أداؤها بكلمات عبرية بنفس الألحان والحركات الفلسطينية، وهو ما سوقته حسابات إسرائيلية كجزء من العادات والتقاليد الإسرائيلية في الأعراس.
ولم تسلم الكوفية الفلسطينية كذلك من محاولات السرقة، رغم شهرتها العالمية بأنها جزء من الهوية الفلسطينية، حيث أصبحت رمزا للنضال الفلسطيني منذ الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 بعد أن ثار الفلسطينيون في ذاك العام، لتكون أيقونة الثورة وهو ما لم يعصمها من السرقة.
طعنة في الظهر
شكل التطبيع العربي الإسرائيلي وما رافقه من تسويق لرواية الاحتلال وإنكار لأحقية الشعب الفلسطيني بأرضه صدمة كبيرة في صفوف الفلسطينيين وعبرت مواقع التواصل الفلسطينية عن حجم الغضب وخيبة الأمل مما اعتبروه طعنة في الظهر.
ويقول الناشط الفلسطيني محمد السلطان: “إن هذه الأيام هي أفضل أيام الاحتلال الإسرائيلي حيث يرى بعض العرب يصدقون روايته ويصطفون بجانبه ضد الفلسطينيين ويحل المستوطنون ضيوفا بدون أي تأشيرة في أبوظبي في الوقت الذي يعامل الفلسطيني بطريقة أمنية مهينة”.
بدوره، قال الكاتب الفلسطيني الدكتور فايز أبو شمالة: “إن اشتراك العرب في التسويق للكيان وتبني روايته أمر خطير جدا، وهو ما يمكن أن يكون ضمن خطة ممنهجة للقيام بغسيل للعقل العربي الرافض لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين”.
كيان بلا تاريخ
ويتزامن تهافت بعض العرب على تبني الرواية الإسرائيلية في وقت تعيش دولة الاحتلال أزمة هوية، حيث احتلت أرضا لم يربطها بها أي تاريخ، وهو ما دفعها لسرقة تراث الفلسطينيين.
لقد أثبت الفلسطينيون هوية الزي التراثي الفلسطيني الموثق بالعديد من الصور القديمة التي تظهر المرأة الفلسطينية بزيها الوطني.
وتروي الحاجة أم هاني أبو ذياب وهي من قرية السوافير الشرقية حكايتها مع الزي الفلسطيني”: “هاجرت عندما كان عمري 12 عاما خلال نكبة عام 1948 وعاصرت الزي الفلسطيني وكان زي النساء المتزوجات يختلف عن زي العازبات في القرية، من حيث التطريز والزينة حيث من السهل التمييز بينه”.