آخرها اتصال رفيع.. ما طبيعة العلاقات بين الإمارات وكازاخستان؟
العلاقات بين الإمارات وكازاخستان أظهرت الإمارات خلال الأيام الماضية حرصاً كبيراً على استعادة كازاخستان لاستقرارها وحالة الهدوء بعد احتجاجات عنيفة شهدتها، مؤخراً، على خلفية رفع أسعار الغاز، ما أسفر عن سقوط ضحايا.
هذا الحرص الإماراتي ظهر في بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي، في 8 يناير 2022، أكدت فيه دعم الإمارات لجهود كازاخستان في الحفاظ على أمنها واستقرارها في إطار سيادة القانون والدستور.
كما أكدت الوزارة أن الإمارات تتابع عن كثب واهتمام التطورات الأخيرة في كازاخستان، مشددة على ضرورة تحقيق الاستقرار والأمن في البلاد بشكل عاجل.
وأجرى ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، اتصالاً هاتفياً مع رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكايف، في 10 يناير الجاري، أكد فيه دعم بلاده لاستقرار كازاخستان وكل ما يحفظ أمنها ومؤسساتها.
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام) أن بن زايد اطلع، خلال الاتصال، من توكايف على آخر مستجدات الأوضاع في بلاده في ضوء الأحداث الأخيرة والإجراءات التي اتخذت لبسط الأمن وحماية المؤسسات في البلاد، معبراً عن ثقته بقدرة الحكومة والشعب في كازاخستان على تجاوز هذه الفترة الصعبة في أسرع وقت.
من جانبه، أعرب رئيس كازاخستان عن شكره وتقديره لولي عهد أبوظبي، لموقفه ومساندته لكازاخستان، مشيراً إلى عمق العلاقات التي تجمع بين كازاخستان والإمارات في مختلف المجالات.
أنور محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، علق على اتصال بن زايد برئيس كازاخستان، قائلاً إن “دولة الإمارات تؤمن بضرورة تجنب الفوضى”.
وأوضح المسؤول الإماراتي أن “الإمارات تؤمن بضرورة تجنب الفوضى؛ فخطرها كبير على الدول ومؤسساتها والاستقرار الإقليمي، وعلمتنا الدروس أن ثمن الفوضى باهظ ونقيض لرفاه الشعوب وازدهارها”.
تطورات الأزمة
بداية الاحتجاجات في كازاخستان كانت في 2 يناير الجاري، بسبب زيادة أسعار الغاز، ما أسفر عن سقوط ضحايا وأعمال نهب وشغب في ألماتي، كبرى مدن البلاد.
وفي 5 يناير، أعلنت الحكومة الكازاخستانية استقالتها على خلفية الاحتجاجات المناهضة لها، تلاها فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد بهدف حفظ الأمن العام.
وأعلن وزير الداخلية المؤقت في كازاخستان، ييرلان تورغومباييف، أن بلاده سجلت خسائر بقيمة 212 مليون دولار، من جراء أعمال الشغب التي تخللت الاحتجاجات.
وأشار تورغومباييف، في بيان له، إلى قيام الشرطة منذ بداية الاحتجاجات بتوقيف 5 آلاف و135 شخصاً على صلة بالأحداث، إلى جانب توقيف 300 آخرين خلال محاولتهم الخروج من البلاد مصطحبين معهم كميات كبيرة من الأموال، والمركبات، والهواتف المحمولة والمقتنيات الثمينة.
علاقات اقتصادية
وينبع هذا الحرص الإماراتي من العلاقات الاقتصادية الوثيقة التي تربط البلدين، فالإمارات تعد الشريك الاستراتيجي والتجاري والاقتصادي الأول لكازاخستان في المنطقة الخليجية والدول العربية بشكل عام.
وتظهر هذه العلاقات الوثيقة من تصريحات مسؤولي البلدين، وحجم المشاريع الاستثمارية الإماراتية الكبير في كازاخستان.
وفي 14 ديسمبر 2021، قال ماديار مينيليكوف سفير كازاخستان لدى الإمارات، خلال مؤتمر صحفي عقده في جناح بلاده بمعرض “إكسبو دبي 2020″، إن “الإمارات تعد الشريك الاستراتيجي والتجاري والاقتصادي الأول في المنطقة العربية، وتعتبر عمقاً استراتيجياً وتنموياً واقتصادياً لكازاخستان”.
وأشار إلى أن “شركة إماراتية تطور مشروعاً تجارياً في كازاخستان، سيكتمل بناؤه خلال الربع الأول من 2022،
بتكلفة 1.4 مليار دولار”.
ولفت إلى أن “ثمة 40 رحلة جوية مباشرة بين البلدين أسبوعياً، وأن الإمارات تعتبر المكان المفضل لسائحي كازاخستان، مشيراً إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأشهر التسعة من العام 2021، بلغ 580 مليون
دولار، فيما يبلغ عدد الشركات الإماراتية في كازاخستان 350 شركة، والشركات الكازاخية في الإمارات أكثر من
200 شركة”، حسب مينيليكوف.
زيارات رفيعة
وأوضح سفير كازاخستان لدى الإمارات أن “الزيارات المتواصلة للقيادات الكازاخية إلى دولة الإمارات تمثل حجر
الأساس لترسيخ زخم العلاقات الثنائية التي طالما اتسمت بالصداقة والتميز”.
وزار رئيس وزراء كازاخستان دولة الإمارات خلال العام الماضي 3 مرات، وخلال الزيارة الأخيرة تم توقيع 3
اتفاقيات استثمارية بين صندوق الثروة السيادي لكازاخستان والشركة “القابضة” الإماراتية.
وفي يناير 2020 زار توكاييف الإمارات في أول زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط بعد توليه الرئاسة، والتقى بولي
عهد أبوظبي، وجرى إبرام عدة اتفاقيات اقتصادية بين البلدين.
وفي أكتوبر الماضي، وقعت الإمارات وكازاخستان اتفاقية حكومية دولية، ستنفذ بموجبها الدولتان مشاريع استثمارية
بقيمة 6 مليارات دولار في القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية.
ووفقاً لموقع “كاسبيان نيوز” الكازاخستاني، تهدف الوثيقة إلى إقامة شراكة استراتيجية طويلة الأمد بين البلدين، وتم
التوقيع عليها في إطار زيارة رئيس الوزراء الكازاخستاني، عسكر مامين، إلى أبوظبي.
واتفقت الدولتان كذلك على أن تصبح شركة “أبوظبي التنموية القابضة” الشريك الأساسي لكازاخستان في تنفيذ
الاتفاقية، والتي تغطي الطاقة والأعمال التجارية الزراعية والنقل والخدمات اللوجستية، والصيدلة، والشؤون المالية.
وتعتبر شركة “أبوظبي التنموية القابضة”، التي تقدر أصولها بـ 110 مليارات دولار، ثالث أكبر صندوق ثروة
سيادي في الإمارات العربية المتحدة مع استثمارات في أكثر من 90 شركة محلية ودولية.
وسيقوم صندوق “سامروك كازينا الوطني” للثروة في كازاخستان، بتأسيس شركة طاقة مشتركة لتطوير الطاقة المتجددة والتقليدية بموجب الاتفاقية الحكومية الدولية.
وقررت الدولتان تنفيذ مشاريع مشتركة لبناء محطات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية بقدرة إجمالية لتوليد الطاقة تبلغ خمسة غيغاوات.
وكان حجم الاستثمارات بين الإمارات وكازاخستان قبل التوقيع على الاتفاقيات الأخيرة نهاية العام الماضي 2.1 مليار
دولار، ليرتفع بذلك إلى ما يزيد على 9.5 مليار دولار، حسب بيانات كازاخستانية رسمية.
لماذا هذا الحرص؟
وفي شرح لتداعيات الأزمة في كازاخستان على الإمارات، يقول المحلل الاقتصادي حسن ديماسي، في حديثه “:
“الإمارات تملك استثمارات مليارية في كازاخستان ولا تريد أن تخسرها، إضافة إلى علاقاتها السياسية القوية مع
حكام البلاد، وهو ما لا تريد أن تخسره بهذا الشكل المفاجئ”.
وأضاف ديماسي: “أعتقد أن الأوضاع في كازاخستان متجهة نحو الحل، لكن في حال استمرت وتفاقمت فإن الإمارات
ستنشغل بدفع فاتورة ضخمة من الخسائر الاقتصادية والنفوذ السياسي بآسيا الوسطى”.
وتابع: “رئيس الوزراء الكازاخستاني زار الإمارات خلال 2021 ثلاث مرات، وعشرات من الوفود، الثقافية
والاقتصادية والسياسية، زارت أبوظبي خلال السنوات الماضية بشكل مكثف، وتم بناء شراكة اقتصادية وسياسية
وثقافية قوية بين البلدين، حتى إنهما أعلنتا العمل معاً داخل منظمة التعاون الإسلامي”.
وإضافة إلى “هذه العلاقات فإن الإمارات تدرك أن كازاخستان تملك ثروات طبيعية هائلة، يمكن أن تستفيد منها من
خلال مشاريع استثمارية عملاقة تدر عليها مليارات الدولارات في ظل مساعيها لتنويع اقتصادها”، حسب الخبير الاقتصادي.
وتحتل كازاخستان المرتبة الـ10 في العالم من حيث حصة رأس المال الطبيعي غير المتجدد (النفط والغاز
والمعادن) من إجمالي ثروة البلاد، بما يقدر بـ27%، حسب بيانات البنك الدولي.
كما تملك كازاخستان ثاني أكبر احتياطات بالعالم من اليورانيوم والكروم والرصاص والزنك، وثالث أكبر احتياطي
من المنغنيز، وخامس أكبر احتياطي من النحاس، وهي من بين العشرة الأوائل من حيث احتياطات الفحم والحديد
والذهب، كما تعد من البلدان المصدرة للألماس، وفق تصنيفات منظمات اقتصادية مختلفة، ومنها البنك الدولي ومجلس الذهب العالمي.