الاخبار العاجلةسياسة

الهدنة الإنسانية مهددة.. نُذر حرب جديدة بين أطراف الصراع في إثيوبيا

خاص- في مبنى خال وشبه مهدّم بمنطقة “واغ حمرا” بإقليم أمهرة، شمالي إثيوبيا، تقيم هيلين مع اثنين من أطفالها، إثر نزوحهم من إقليم تيغراي المجاور بحثا عن المساعدات الغذائية، بعدما تسبب الصراع هناك في توقف وصول قوافل الإغاثة.

وهذه الأم وأطفالها ليسوا استثناء، إذ نزح المئات غيرهم من الإقليم إلى المناطق المجاورة، ويقيمون في ظروف صعبة وبلا خدمات أساسية.

وكانت موجة النزوح هذه أحد أبرز المبررات التي ساقتها الحكومة الإثيوبية الفدرالية عند إعلانها -مارس/آذار الماضي- الهدنة الإنسانية المفتوحة مع مسلحي جبهة تيغراي، بهدف ضمان التدفق الحر للمساعدات الإنسانية الطارئة إلى مناطق النزاع شمالي البلاد، ومن حينها بدأت المساعدات تتدفق إلى الإقليم.

بيد أنه منذ مايو/أيار الماضي، بدأت إرهاصات حرب جديدة شمالي البلاد تتزايد إثر التصريحات المتصاعدة بين أطراف الصراع، سواء من الحكومة الإثيوبية وإريتريا التي تساندها أو من مسلحي جبهة تيغراي، واتهام كل طرف الآخر بالاستعداد لجولة جديدة من القتال.

معسكر نازحين بإقليم أمهرة جراء الحرب الأخيرة بين أطراف النزاع في إثيوبيا (الجزيرة)

اتهامات بعرقلة المساعدات

وقالت بليني سيوم، المتحدثة باسم مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إن “هناك مؤشرات واضحة حول استعداد جبهة تحرير تيغراي لحرب في المنطقة على الرغم من الجهود الإنسانية التي تبذلها الحكومة لمساعدة المتضررين”.

وخلال مؤتمر صحفي الاثنين الماضي، استعرضت سيوم ما سمته “جهود الحكومة في إيصال المساعدات لإقليم تيغراي ولمتضرري الحرب الأخيرة في إقليمي أمهرة وعفر”. واتهمت مقاتلي الجبهة بعرقلة وصول المساعدات إلى المتضررين والمحتاجين، وإعاقة جهود المزارعين وتجنيد سكان المنطقة.

وفي غضون ذلك، رحبت الولايات المتحدة بالتقدم المحرز بوصول المساعدات الإنسانية للمجتمعات المحتاجة في أقاليم عفر وأمهرة وتيغراي. والثلاثاء الماضي، قالت الخارجية الأميركية “لقد وصلت أكثر من 1100 شاحنة إلى تيغراي في خلال الأيام السبعة الماضية لتقديم الطعام المنقذ للحياة ومواد الإغاثة الأساسية للأكثر ضعفا”، ورأت أن ذلك “ثمرة العمل الشاق الذي يقوم به العاملون في المجال الإنساني والملتزمون بإنقاذ الأرواح”.

وأردفت الخارجية الأميركية “نشجع الأطراف على مواصلة البناء على هذا الزخم والمضي قدما في المحادثات للتوصل إلى نهاية مستدامة للصراع”.

خرق الهدنة غير مستبعد

وحول فرص صمود الهدنة الإنسانية على ضوء الظروف الراهنة، يرى الباحث في الشؤون الأفريقية عبد القادر محمد علي أن توقعات اندلاع الحرب تترجمها خطابات التحشيد واللغة التصادمية بين الأطراف، مضيفا -في حديثه لـلجزيرة نت- أن “المصالحة الهشة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي تفرض على الطرفين التصعيد ورفع السقوف وإبراز العضلات، كأدوات للتفاوض”، على حد تعبيره.

ولم يستبعد الباحث قيام أحد أطراف الصراع بخرق الهدنة الإنسانية، مما يعني اندلاع جولة جديدة من الصراع، بالنظر إلى تعقيدات المصالحة الجارية بين أديس أبابا وجبهة تيغراي، فضلا عن دور الحكومة الإريترية (العدو اللدود للتيغراي) في إرباك هذه العملية التي تعارضها جذريا، وفق تعبيره.

اقرأ ايضاً
الجزيرة نت تنقل أوضاع سكان مراكش في الليلة الثانية بعد الزلزال
****للاستخدام الداخلي فقط**** مقاتلي تيغراي وهم يتدفقون عبر سلسلة الجبال السهلية بين اقليم أمهرة وتغراي، وينسحبون باتجاه أقصى الشمال بعد معارك مع القوات الحكومية على تخوم إقليم أمهرة. وتوثق صور أخرى مشاهد من اعتقال مسلحي تغراي لمئات من القوات الحكومية والقوات المناوئة لهم، مطلع هذا الشهر، في مدينة كمبولتشا بولاية أمهرا. المصدر: فيدو حصري للجزيرة
مقاتلو تيغراي في أثناء انسحابهم باتجاه أقصى الشمال بعد معارك مع القوات الحكومية على تخوم إقليم أمهرة (الجزيرة)

استئصالية أم مرحلية؟

وضمن التصريحات المتبادلة بين أطراف الصراع شمالي إثيوبيا، قال الناطق باسم جبهة تحرير تيغراي، غيتاشيو رضا، الأسبوع الماضي، إن قوات الجبهة تمكنت من صد هجوم شنه الجيش الإريتري على منطقة عدي عولا يوم 24 مايو/أيار الماضي”، ورأى أن العملية “محاولة يائسة لتصعيد التوتر، وجر التيغراي إلى مزيد من الحرب”.

وحينها، صرح ﻭﺯﻳﺮ خدمات ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ في إثيوبيا، لجسي تولو، قائلا ” ﻻ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﺃﻧﻪ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ اﻹﺭﻳﺘﺮﻱ”، واتهم جبهة تيغراي بقيامها “باﺳﺘﻔﺰﺍﺯ استدعى رد ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻹﺭيترية”.

يقول الباحث عبد القادر محمد علي إن الحرب إذا اندلعت، “ستتفاوت بين أن تكون استئصالية، وذلك لرغبة كل طرف في الحسم العسكري وإغلاق هذا الملف نهائيا، وأن تكون جولة من جولات تهدف إلى إنهاك الخصم وتحجيمه في أي مواجهة مستقبلية”، مرجعا ذلك للأوضاع الاقتصادية والضغط الدولي على جميع الأطراف للوصول إلى تسوية سياسية.

سيناريو الحرب والمجتمع الدولي

وحول الدور الذي قد تلعبه الأطراف الخارجية والمجتمع الدولي في حال نشوب الحرب مجددا، قال محمد علي إن توصيف المجتمع الدولي هنا بحاجة إلى مراجعة؛ فالصين وروسيا والهند والدول الأفريقية مثلا وقفت إلى جانب الحكومة، في حين كان للولايات المتحدة والدول الغربية “موقف سلبي” من أديس أبابا، بخلاف المُجريات الحالية إذ تنشط الوساطة الصينية والأميركية لحل ملف تيغراي والحيلولة دون انهيار الدولة بشكل يهدد مصالح بكين وواشنطن.

ويعتقد الباحث أن سلوك الدول الغربية في حال نشوب الحرب سيعتمد على سياسة أديس أبابا، ومدى تجاوبها مع المبادرات الغربية حول الحرب، والعلاقة مع إريتريا.

ومع استبعاد دخول أديس أبابا في جولة جديدة من الصراع من دون الاتفاق مع أسمرا، يقول محمد علي إن هذا سيعيدنا إلى المربع الأول، وبالتالي إلى المواقف نفسها والضغط الغربي على الحكومة من جديد.

Workers from the International Committee of the Red Cross (ICRC) deliver lifesaving medical supplies into Mekelle, in Tigray region
موظفو الصليب الأحمر الدولي يوصلون مساعدات إلى مدينة ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي (رويترز)

عواقب وخيمة

من ناحيته، يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد إن ثمة إرهاصات تشير إلى إمكانية نشوب حرب شمالي إثيوبيا، ولفت إلى “تصريحات قادة جبهة تيغراي وخطابهم التحشيدي الذي يعكس الاستعداد لخوض معركة فاصلة”، مضيفا أن خيار التيغراي هو “المضي نحو الحرب بسبب افتقارها إلى البوصلة السياسية”، حسب تعبيره.

وقال “إذا أخفقت جهود السلام التي تبذلها الحكومة الإثيوبية من خلال الوساطة الأفريقية، فإن نشوب الحرب وارد، وإن عواقبها ستكون وخيمة إذا لم تتدخل قوى خارجية للضغط على التيغراي للقبول بالتسوية السياسية”.

وتعود الأزمة بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيغراي إلى الصراع الذي اندلعت شرارته إثر اتهام الحكومة الإثيوبية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020 للجبهة بالاعتداء على القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي بالإقليم.

وامتدت المواجهات الدامية إلى إقليمي أمهرة وعفر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل عودة مسلحي التيغراي إلى إقليمهم مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى