لوموند: على طريق ماريوبول.. قصص أوكرانيين اختاروا العودة إلى الجحيم
قالت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية إن العشرات من سكان ماريوبول يختارون كل يوم العودة إلى مدينتهم التي دمرها القصف الروسي، إما لأخذ أقارب ممن بقوا عالقين هناك أو بسبب نقص الموارد التي تمكنهم من مواصلة العيش في المنفى.
وأوضح المبعوث الخاص للصحيفة في زاباروجيا، إيمانويل غرينسزبان، أن الباب الوحيد المفتوح بين أوكرانيا الحرة والمنطقة التي يحتلها الجيش الروسي هو موقف للسيارات يقع على بعد 30 كيلومترا من جبهة القتال، تنطلق منه مئات المركبات في قوافل إلى البلدات الرئيسية في مناطق دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون.
وأشار المراسل إلى أن رجال الشرطة والمخابرات يراقبون في ثيابهم المدنية تدفق المطالبين بالعودة، حيث تخيم لعدة أيام تحت أشعة الشمس الحارقة عشرات العائلات، ممن اضطرهم الفقر إلى اختيار العودة إلى المدينة المدمرة بالكامل، في انتظار الحصول على إذن.
قفزة إلى المجهول
في هذا الجو، يعترف سائق الشاحنة سيرجيو (52 عاما) بأنه خائف وهو عائد ليحضر والده المسن، موضحا “اضطررت إلى الفرار يوم 16 مارس/آذار الماضي لإنقاذ الأطفال وتركت والدي الذي رفض المغادرة بشكل قاطع، ومنذ ذلك الحين يعذبني ضميري بسبب الوعد الذي قطعته لأمي قبل وفاتها بأن آخذ والدي إلى مكان آمن. ولكن كيف نخرج؟ لا أعلم. إنها قفزة إلى المجهول”.
ويتذكر هذا الرجل كيف دفن جيرانه في حديقتهم في أثناء الحصار، بعد أن أصاب صاروخ منزلهم، قائلا “لم أجد منهم سوى الأطراف والساقين واليدين متناثرة. وضعتها في كيس ودفنتها في الحديقة. كان القصف مستمرا. وكان جاري طبيبا في المستشفى رقم 3. مات مع زوجته، ولم يبق منهما شيء على الإطلاق”.
وفي سيل الذكريات المتدفق، يقول سيرجيو “غادرنا ماريوبول سيرا على الأقدام يوم 17 مارس/آذار لأن سيارتي دمرت بالقصف. أتذكر مبنى يحترق. رأينا جثة رجل نصف متفحمة. سألنا جنديا روسيا عن مكان هادئ، فأجاب بسخرية أنه لا يعرف مكانا كذلك. رأيت الروس وهم يكدسون جثث الجنود ورجال الشرطة الأوكرانيين في الشارع. شاهد أطفالنا كل شيء”.
مقطوعة عن العالم
في المساء -كما يقول مبعوث الصحيفة- جلست ألينا (36 عاما) على مقعد بمطعم في وسط زاباروجيا، إنها عائدة للتو من ماريوبول، فهي واحدة من هؤلاء المتهورين الذين قاموا بالرحلة ذهابا وإيابا إلى الجحيم، بعد أن مكثت 6 أيام في ماريوبول، “انتهى الأمر، لن تطأ قدماي مسقط رأسي مرة أخرى أبدا” تقول ألينا بصوتها المتوتر.
تقول هذه الفتاة التي غادرت موقف السيارات السيئ السمعة الأسبوع الماضي، بعد التسجيل والفحص من المخابرات الأوكرانية والشرطة، إنها بعد عدة ساعات على الطريق تخللتها عمليات تفتيش عديدة، وتحقق الروس من هويتها واستجوابها، وصلت إلى ماريوبول في اليوم التالي بعد الحصول على تصريح من إدارة مدينة منهوش”.
وتضيف أن “نصف بنايات المدينة مدمر، لكن شقتنا في الطابق التاسع –كما تقول ألينا- لم تفقد سوى النوافذ”، لافتة إلى أن “عددا قليلا من الجيران لم يغادروا أصلا، وهم يطرحون كثيرا من الأسئلة. إنهم لا يعرفون شيئا عما يحدث في الخارج، ولا يعرفون أن مدينة زاباروجيا لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا. إنهم معزولون عن العالم وأنا كنت كذلك مدة بقائي هناك”.
“الناس هنا سعداء بوضعهم -كما تستغرب الفتاة- لمجرد أنهم لم يعودوا يسمعون انفجارات، ولأن الروس يجلبون لهم كيسا من الأرز من وقت لآخر، لكن الوضع مروع؛ نحن لا نعيش بل نحاول البقاء على قيد الحياة؛ لا يوجد ماء ولا غاز ولا كهرباء، والمتاجر مغلقة، والشوارع تغص بالجنود والروائح الكريهة”.
كانت ألينا تعمل محاسبة في مرآب يملكه زوجها، ولكن تدمر المتجر “ولم يتبق منه شيء. كل شيء دُمِّر والباقي نهب. 15 عاما من العمل الشاق ذهبت دخانا. عليّ أن أعيد بناء حياتي. الشيء المهم هو أننا جميعا خرجنا أحياء، أنا وأولادي وزوجي ووالديّ”.